فقد استمعت لشيء من شريط «ريحانة المصطفى» للداعية «حسن الحسيني» ، وقد
خصصه لسرد سيرة الحسين بن علي بن أبي طالب ، غير أنه شانه بعدة أمور من أهمها أنه سرد
عدداً غير قليل من أكاذيب الرافضة ، على وجه التقرير والتصديق ، وقد يقول قائل أنه
قد سبقه عدد من المؤرخين بذلك.
فأقول : ليس هذا عذراً فمن أسند ليس كمن لم يسند ، ومن ذكر أكاذيب الرافضة
في كتابه كان ذلك مأخذاً عليه كائناً من كان ، ثم هؤلاء إن الروافض الكذبة قد وضعوا
أخباراً في ثلب الصحابة فإذا اعتمدنا رواياتهم في سرد سيرة الحسين رضي الله عنه ، لزمنا
أخذ غيرها ، ثم إن الله عز وجل قد أغنى اهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم عن كذب الغلاة.
قال الطبرسي في مستدرك الوسائل ( 2/ 368) : “إن الحسين (عليه السلام)
قال لاخته زينب: ” يا اختاه (1) اني أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا،
ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت”.
أورد الداعية حسن الحسيني هذا الخبر في شريطه عازياً إياه إلى كتب الرافضة
مع الجزم به، ولا وجود لهذا الخبر في كتب أهل السنة ، وقد أغنى الله ، أهل البيت عن
كذب الرافضة ، وهذا يذكر لإلزام ولكن لا يجوز ذكره في سياق تاريخي ، يستمع العامي،
وطالب العلم والعالم
وقال الطبري في تاريخه (4/ 321) (قال أبو مخنف) حدثنى عمرو بن
مرة الجملى عن أبى صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري قال كنت مع
مولاى فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين أمر الحسين بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث
في جفنة عظيمة أو صحفة قال ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال ومولاى عبد
الرحمن بن عبد ربه وبرير ابن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما
أيهما يطل على أثره فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن دعنا فوالله ما
هذه بساعة باطل فقال له برير والله لقد علم قومي أنى ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا
ولكن والله إنى لمستبشر بما نحن لاقون والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل
هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم قال فلما فرغ الحسين دخلنا
فاطلينا قال ثم إن الحسين ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه قال فاقتتل أصحابه بين
يديه قتالا شديدا فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت وتركتهم (قال أبو مخنف) عن بعض أصحابه
عن أبى خالد الكاهلى قال لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه فقال اللهم أنت ثقتى
في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لى في كل أمر نزل بى ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد
وتقل فيه الحيلة”.
أقول : لوط بن يحيى رافضي متروك.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال :” لوط بن يحيى ، أبو مخنف ، أخباري
تالف ، لا يوثق به . تركه أبو حاتم وغيره . وقال الدارقطني : ضعيف . وقال ابن معين
: ليس بثقة . وقال – مرة : ليس بشئ . وقال ابن عدى : شيعي محترق ، صاحب أخبارهم . قلت
: روى عن الصعق بن زهير، وجابر الجعفي ، ومجالد . روى عنه المدائني ، وعبد الرحمن بن
مغراء . مات قبل السبعين ومائة”.
وهذه الأخبار التي افتعلها هذا الرجل يروج لها حسن الحسيني -هداه الله-،
وحتى الجاحظ المعتزلي كان يعلم كذب لوط بن يحيى؛ قال الجاحظ في كتاب البغال المطبوع
مع رسائل أخرى له (وما بين الأقواس المفردةالتي مثل هذه من كلامي) (2/169): “والحديث
ليس له إسناد …”، إلى أن قال: “وما هو إلا أن ولد ( يعني اخترع) أبو مخنف
حديثاً أو الشرقي بن القطامي ، أو الكلبي، أو ابن الكلبي ، أو لقيط المحاربي ، أو شوكر
، أو عطاء الملط ، أو ابن دأب أو أبوالحسن المدائني ثم صوره في كتاب وألقاه على الوراقين
إلا رواه من لا يحصل ولايتثبت(انظروا من يتكلم عن التثبت) ولا يتوقف وهؤلاء كلهم يتشيعون”.
أقول: ليتحفظ على ذكر المدائني مع هؤلاء ولعله ذكر آخراً لا يستحق الذكر
مع هؤلاء أيضاً.
وقال الطبري في تاريخه (4/318) : “قال أبو مخنف: ((حدثنا عبد الله
بن عاصم الفائشى بطن من همدان عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال قدمت ومالك بن النضر
الارحبي على الحسين فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه فرد علينا ورحب بنا وسألنا عما جئنا
له فقلنا جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية ونحدث بك عهدا ونخبرك خبر الناس وإنا
نحدثك أنهم قد جمعوا على حربك فر رأيك فقال الحسين عليه السلام حسبى الله ونعم الوكيل
قال فتذممنا وسلمنا عليه ودعونا الله له قال فما يمنعكما من نصرتي فقال مالك بن النضر
على دين ولى عيال فقلت له إن على دينا وإن لى لعيالا ولكنك إن جعلتني في حل من الانصراف
إذا لم أجد مقاتلا قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا قال قال فأنت في حل فأقمت
معه فلما كان الليل قال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد
رجل من أهل بيتى ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبوني
ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيرى فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله ابن
جعفر لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس ابن على ثم
إنهم تكلموا بهذا ونحوه فقال الحسين عليه السلام يا بنى عقيل حسبكم من القتل بمسلم
اذهبوا قد أذنت لكم قالوا فما يقول الناس يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبنى عمومتنا
خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم، فضرب معهم بسيف ولا ندرى ما
صنعوا لا والله لا نفعل ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك
فقبح الله العيش بعدك))”.
وهذا أورده الحسيني أيضاً وهو من أخبار لوط التالف.
وقال الطبري أيضاً : “(قال أبو مخنف) حدثنى الصقعب ابن زهير عن حميد
بن مسلم قال كانت عليه جبة من خز وكان معتما وكان مخضوبا بالوسمة قال وسمعته يقول قبل
أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع يتقى الرمية ويفترص العورة ويشد على
الخيل وهو يقول أعلى قتلى تحاثون أما والله لا تقتلون بعدى عبدا من عباد الله الله
أسخط عليكم لقتله منى وايم الله إنى لارجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لى منكم
من حيث لا تشعرون أما والله ان لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم
ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الاليم قال ولقد مكث طويلا من النهار ولو شاء
الناس ان يقتلوه لفعلوا ولكنهم كان يتقى بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال
فنادى شمر في الناس ويحكم ماذا تنظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم امهاتكم قال فحمل عليه
من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة ضربها زرعة بن شريك التميمي وضرب على عاتقه ثم انصرفوا
وهو ينوء ويكبو قال وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح
فوقع ثم قال لخولي بن يزيد الاصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فأرعد فقال له سنان
بن أنس فت الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم دفع إلى خولى بن يزيد
وقد ضرب قبل ذلك بالسيوف”.
وهذا أورده أيضاً الحسيني.
وقال الطبري في تاريخه (4/ 293) : حدثنى زكرياء بن يحيى الضرير قال حدثنا
أحمد بن جناب المصيصى قال حدثنا خالد بن يزيد بن عبد الله القسرى قال حدثنا عمار الدهنى
قال قلت لابي جعفر حدثنى مقتل الحسين حتى كأنى حضرته قال فأقبل حسين بن على بكتابمسلم
بن عقيل كان إليه حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي
فقال له أين تريد قال أريد هذا المصر قال له ارجع فإنى لم أدع لك خلفي خيرا أرجوه فهم
أن يرجع وكان معه إخوة مسلم بن عقيل فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل
فقال لا خير في الحياة بعدكم فسار فلقيته أوائل خيل عبيدالله فلما رأى ذلك عدل إلى
كربلاء فأسند ظهره إلى قصباء وخلا كيلا يقاتل إلا من وجه واحد فنزل وضرب أبنيته وكان
أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وكان عمر بن سعد بن أبى وقاص قد ولاه عبيدالله
بن زياد الري،وعهد إليه عهده فقال اكفني هذا الرجل قال اعفنى فأبى أن يعفيه قال فأنظرنى
الليلة فأخره فنظر في أمره فلما أصبح غدا عليه راضيا بما أمر به فتوجه إليه عمر بن
سعد فلما أتاه قال له الحسين اختر واحدة من ثلاث إما ان تدعوني فانصرف من حيث جئت وإما
أن تدعوني فأذهب إلى زيد وإما أن تدعوني فألحق بالثغور فقبل ذلك عمر فكتب إليه عبيد
الله لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدى فقال له الحسين لا والله لا يكون ذلك أبدا فقاتله
فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته وجاء سهم فأصاب ابنا له معه
في حجره فجعل يمسح الدم عنه ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا
ثم أمر بحبرة فشققها ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى قتل صلوات الله عليه قتله رجل من
مذحج وحز رأسه وانطلق به إلى عبيد الله وقال أوقر ركابي فضة وذهبا * فقد قتلت الملك
المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا وأوفده إلى يزيد بن معاوية
ومعه الرأس فوضع رأسه بين يديه وعنده أبو برزة الاسلمي فجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول
يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما”.
ولهذا الخبر تتمة وقد أورد الحسيني قسماً كبيراً منه وفي سنده خالد بن
يزيد بن أسد القسري وهو ضعيفٌ جداً ومتهم بالوضع؛قال ابن العجمي في الكشف الحثيث :
“[ 271 ] خالد بن يزيد بن أسد القسري قال بن عدي هو عندي ضعيف وقال بن أبي حاتم
سألت أبي عنه فقال ليس بقوي وقد ذكره الذهبي وذكر تعقيب بن أبي حاتم في كونه جعلهما
اثنين وذكر العقيلي أنه لا يتابع على حديثه ثم ذكر الحديث المشار إليه وقد ذكر بن الجوزي
حديثا في باب موت المرأة ثم قال موضوع والمتهم به خالد بن يزيد بن أسد القسري ثم ذكر
ابن عدي أحاديثه كلها لا يتابع عليها لا متنا ولا سندا”.
وعلى شريطه هذا ملاحظات أخرى مثل قوله (زلزلي يا أرض أمطري يا سماء مات
الحسين).
وأقول : على رسلك يا أخي لقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ، وما تكلم
أحدٌ بهذا الغلو ، ثم من أنت حتى تأمر السماء والأرض ؟!
وقوله: (يا ليتنا كنا معه)؛قال البخاري في الأدب المفرد 87 – حدثنا بشر
بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا صفوان بن عمرو قال حدثني عبد الرحمن بن جبير
بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل فقال “طوبى
لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه و سلم والله لوددنا أنا رأينا
ما رأيت وشهدنا ما شهدت فاستغضب فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا ثم أقبل عليه فقال: ما
يحمل الرجل على أن يتمنى محضرا غيبة الله عنه لا يدرى لو شهده كيف يكون فيه والله لقد
حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه
ولم يصدقوه أو لا تحمدون الله عز و جل إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم فتصدقون بما جاء
به نبيكم صلى الله عليه و سلم قد كفيتم البلاء بغيركم والله لقد بعث النبي صلى الله
عليه و سلم على أشد حال بعث عليها نبي قط في فترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من
عبادة الأوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل وفرق به بين الوالد وولده حتى إن
كان الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرا وقد فتح الله قفل قلبه بالإيمان ويعلم
أنه إن هلك دخل النار فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار وأنها للتى قال الله
عز وجل والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة”.
ولم أرد استقصاء كل ما في شريطه من الأخبار الضعيفة والموضوعة ، وإنما
أردت التنبيه على بعض ما في شريطه نصيحةً له ولمستمعيه ، وأيضاً لم أرد استقصاء ما
في شريطه ما فيه شريطه من الهنات والمبالغات الباردة فإن ذلك يصعب استقصاؤه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم