قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
هذه الآية من يتدبَّرها يجدها من دلائل النبوة، وذلك أن منزل الوحي ألزم النبي صلى الله عليه وسلم بإلزام شديد، وهو أن يكون رءوفًا رحيمًا بالمؤمنين، وإلا شكُّوا بالوحي.
والمؤمنون كانوا آلافًا، وفيهم كل أنواع البشر، ولهم حاجات مختلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم عليه ضغوط الدعوة، والحروب مع المشركين، ومكائد اليهود والمنافقين، مع رعايته لزوجاته وأقربائه من المؤمنين.
فقَلَّ أن يمكن لإنسان أن يضبط أخلاقه في ظل كل هذا الضغط الشديد.
ومع ذلك اتفق أهل الإيمان على أن هذا سلوكه مع عامتهم، وأنه في شدته يكون رحيمًا بهم يريد الخير لهم، وهم يبصرون الخير والصلاح بعد ذلك في شدته بصر العين.
ولم يرِد ولو بخبر موضوع أن مسلمًا ارتدَّ عن الإسلام بعد رؤيته أن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم يخالِف هذه الآية.
بل ولا وجد أعداؤه من اليهود والمشركين والمنافقين هذا التضارب، وإلا لفرحوا به وأرجفوا به على أهل الإيمان.
وتوفيق الله لرجل أن يكون رءوفًا رحيمًا بعشرات آلاف الأتباع المختلفين (وعامتهم حديثو عهد بدعوته، ونشأوا على غيرها، وذلك يتطلَّب صبرًا شديدًا في التعليم، على شدة الظروف المحيطة بأهل الإسلام وتكالب أعدائه عليه)، ودعواه أنه مرسل من الله دليلٌ على أنه مرسل من الله حقًّا، ولو كان غير ذلك لخذله، بل الكل يشهد على عظيم أثره فيهم وكيف غيَّرهم جذريًّا.
تدبَّر هذا جيدًا.