فإن في صلاة القيام قد استحدث الناس ألواناً من البدع ، وربما تبين لإمام
المسجد أن الفعل الذي يفعله بدعة ولكنه يبقى مصراً عليه محاباة لله للعامة وإيثاراً
للعاجلة وقد وجدت كلاماً لأبي شامة المقدسي في هذا الصدد رأيت من الأهمية بمكان نقله
لمن يهمه الأمر
قال ابن شامة في الباعث على إنكار البدع والحوادث ص209 :” ورأيت العامي
يعلمه إياها _ يعني الصلاة البدعية _ متعجباً من كونه إمام مسجد وهو غير خبير بها ،
وذلك الإمام كالأسير لا يمكنه أن يقول هذه بدعة منكرة ولا أنها غير سنة وكم من إمام
قال لي : أنه لا يصليها إلا حفظاً لقلوب العوام عليها ، وتمسكاً بمسجده خوفاً من انتزاعه
منه ، وفي هذا دخول منهم في الصلاة بغير نية صحيحة ، وامتهان للوقوف بين يدي الله تعالى
، ولو لم تكن في هذه البدعة ، سوى هذا لكفى وكل من آمن بهذه الصلاة أو حسنها فهو متسبب
بذلك مغو للعوام بما اعتقدوه منها ، كاذبين على الشرع بسببها ولو بصروا وعرفوا هذه
سنة بعد سنة لأقلعوا عن ذلك وألغوه لكن تزول رئاسة محيي البدع ومحسنيها “
أقول : فلتكن هذه الموعظة منك على ذكر خصوصاً في مسائل التفريق بين التراويح
والقيام الذي ما عرفه السلف ، ومسألة القنوت طوال الشهر ، ومن أخطرها تلحين الدعاء
والحرص على السجع فيه
قال البخاري في صحيحه 6337 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ
حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ أَبُو حَبِيبٍ حَدَّثَنَا هَارُونُ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا
الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدِّثْ النَّاسَ
كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ
مِرَارٍ وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ
وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ
فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ
فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي
لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ
وقال الطبراني في مقدمة كتابه الدعاء :” هَذَا كِتَابٌ أَلَّفْتُهُ
جَامِعًا لِأَدْعِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَانِي
عَلَى ذَلِكَ أَنِّي رَأَْتُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ قَدْ تَمَسَّكُوا بِأَدْعِيَةِ
سَجْعٍ، وَأَدْعِيَةٍ وُضِعَتْ عَلَى عَدَدِ الْأَيَّامِ، مِمَّا أَلَّفَهَا الْوَرَّاقُونَ
لَا تُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ، مَعَ مَا رُوِيَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ لِلسَّجْعِ
فِي الدُّعَاءِ وَالتَّعَدِّي فِيهِ، فَأَلَّفْتُ هَذَا الْكِتَابِ بِالْأَسَانِيدِ
الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَدَأْتُ
بِفَضَائِلِ الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ، ثُمَّ رَتَّبْتُ أَبْوَابَهُ عَلَى الْأَحْوَالِ
الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِيهَا، فَجَعَلْتُ
كُلَّ دُعَاءٍ فِي مَوْضِعِهِ، لِيَسْتَعْمِلَهُ السَّامِعُ لَهُ، وَمَنْ بَلَغَهُ
عَلَى مَا رَتَّبْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ”
وقال المناوي في الفيض (1/296) :” ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء
كما يفعله القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال وما ذاك إلا نوع
لعب فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض
والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة
التضرع لا التغني فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان “
وكلام المناوي هذا في تلحين الدعاء ينطبق على ما يفعله كثير من الأئمة
اليوم ، وبعضهم لما خاطبه بعض إخواننا تحجج بأن العامة يريدون ذلك !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم