مهمات غفل عنها من زعم أن الانتخابات ضرورة !

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه مهمات علمية في الرد على من ادعى أن دخول الانتخابات أو التصويت فيها
ضرورة

 أو ارتكاب لأدنى الضررين

المهمة الأولى : الضرورة ما دفعت الضرر يقيناً .

وهذه المهمة يغفل عنها كثيرون ممن يدعي أن الانتخابات ضرورة ، مع اتفاقهم
على أن الانتخابات لا تؤدي الغرض يقيناً بل قد يفشل الأمر وقد ينجح

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 24/ 268) :” وَاَلَّذِينَ
جَوَّزُوا التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ:
كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِلْمُضْطَرِّ

وَهَذَا ضَعِيفٌ لِوُجُوهِ:

أحدها : أن المضطر يحصل مقصوده يقينا بتناول المحرمات فإنه إذا أكلها سدت
رمقه وأزالت ضرورته وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشفاء بها فما أكثر من
يتداوى ولا يشفى”

وكذا الانتخابات فما أكثر من يدخلها ولا يتحقق له الغرض ، وكذلك الجامعات
الاختلاطية ما أكثر من يخاطر بدينه ليدخلها ثم لا يجد وظيفة بعد ذلك أو يتوظف بغير
شهادته !

قال ابن عثيمين :

(الضرورة تبيح المحظورة، لكن ذلك بشرطين:…

2- أن تندفع الضرورة به، فإن لم تندفع بقي على أصل الحرمة، وإن شككنا في
دفعها به فإنه يبقى أيضا على التحريم، وذلك لأن ارتكاب المحظور مفسدة متيقَّنة، واندفاع
الضرورة به مشكوك فيه، ولا يُنتهك المحرَّم المتيقَّن لأمر مشكوك فيه)

شرح منظومة القواعد الأصولية والفقهية[ ص68-69] .

وأمر الانتخابات مشكوك فيه بل يغلب على الظن عدم نجوعه

المهمة الثانية : لا تفتنوا العوام !

قال مسلم في مقدمة صحيحه 15:

وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، قَالاَ :
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ
، قَالَ :

مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ ،
إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.

عبيد الله لم يسمع ابن مسعود ولكن إيراد مسلم له يدل على صحة معناه عنده

وقال البخاري في صحيحه [ 127 ] : وَقَالَ عَلِيٌّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا
يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ
عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ .

ومخاطبة العوام ( باختر الأصلح ) فتنة للعوام ، فإن تعيين الأصلح أمرٌ
لا يحسنه كثير من طلبة العلم فضلاً عن العوام ، بل هذا داخل في الجرح والتعديل الذي
يزعم بعض الناس حصره في العلماء

فإن الذي سيختار الأصلح ينبغي أن يعلم الكفر ما هو ؟

والبدعة ما هي ؟

والكبائر ما هي ؟

وأن يعلم موقع كل واحدة من هذه عند تلبس المعين بها ، وما يعرض له من الأحوال
المانعة من انطباق أوصافها عليه

ثم بعد ذلك يكون عالماً بالسياسة والاقتصاد ليميز الصادق من الكاذب في
هذا الباب

ثم يعلم السياسة الشرعية ، وأحكام المعاملات ليعلم قرب أطروحات المرشحين
من الشرع وبعدها

وهذه العملية الاجتهادية العظيمة كيف نخاطب بها عوام الناس ، ولو فرضنا
أن بعضهم يحسنها .

من الذي يميز بين من يحسن ومن لا يحسن والعملية الديمقراطية فاتحة بذراعيها
للجميع ؟!

ثم لو فرضنا أنهم يحسنونها فهل يجوز أن نشغلهم بهذه الأمور بدلاً من إشغالهم
بتعلم أمور دينهم مع هذا الجهل العريض المنتشر بين المسلمين

ثم مَن مِن العوام تضمن ديانته في هذا العوام ، ولا يتأثر بعوامل خارجية
كالرشى والقبلية والأمور الأخرى المعلومة

ولا يكفي أن تقول للعامي ( لا تصوت للمبتدع ولا العلماني )

فمن أين للعامي أن يميز بين المبتدع وغيره ، وكثير من العوام متلبس بالعديد
من البدع

ومثل هذا من يخاطب العوام بقوله ( من حرم سداً للذريعة يباح للحاجة ) ويترك
العامي هو يحدد الحاجة عند إفتائه في أمر الاختلاط أو قيادة المرأة للسيارة

ويتناسى أن تحديد المصلحة لا بد له من فقه في الدين وسلامة من الهوى ومعرفة
بما يقترن بهذه المصلحة من مفاسد ربما رجحت عليها ، وهذا لا يترك للعامة .

ثم لماذا دائماً المصلحة تدعو إلى إخراج الحكم عن سمته ؟

فمن يقول مثلاً ( الهجر مرتبط بالمصلحة ) يجعل الأصل الخلطة حتى تظهر المصلحة
في الهجر ، وهذا غلط ، ولا أدري لماذا لا تكون المصلحة في الهجر ولو لمرة واحدة !

هذه النقطة الأولى في مهمة : لا تفتنوا العوام

وأما النقطة الثانية : فكثير من الإخوة يقول ( العامي خير من الإخواني
) ولو سلمنا أن هذا صحيح

فلماذا نفتن العامي وندخله مجلساً يشرع فيه مع الله عز وجل ، ويحمل
حصانة تحميه من العقوبة ولو افترش امرأة في الشارع حتى يصوت المجلس على نزعها ، بل
ما علم العامي المسكين بموافقة هذا القانون للشرع أو مخالفته وأكثرهم لا يحسن يصلي
فلم نفتن العوام !

ولو أصر غيرنا على فتنتهم فلم نشارك نحن وقد قال الله عز وجل { وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

المهمة الثالثة : الغاية لا تبرر الوسيلة ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

يقول البعض : أن ولاة الأمر يدعون للانتخابات وأنتم دعاة سمع وطاعة فلم
لا تشاركون ؟!

فيقال : الطاعة تكون بالمعروف وليس بالمعصية وهذا إجماع سني، والمؤمن بالديمقراطية هذا توحيده منتقض فلا ينزل منزلة الموحدين المسلمين  ، والأدلة
عليه كثيرة ومن قال ( أنا أطيع ولي الأمر بهذه الوسيلة المأخوذة من الكفار )

فهذا كمن يقول ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، والتعبد لله عز وجل بطاعة ولي
الأمر في معصية بدعة وكل بدعة ضلالة

وشرعية ولاة الأمور إنما تثبت بالوسائل الشرعية لا بالتحاكم إلى الشعوب

قال الله تعالى { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

فمن ظن أنه يسعه التحاكم إلى غير الشرع في أمر تثبيت الولاية فهو على خطر
عظيم

المهمة الرابعة : سد الذرائع يقوى في أزمنة الفتن

أن فقه سد الذريعة يصير أقوى في أزمنة الفتن ، التي يقوى فيها احتمال وقوع
ما سد الشارع ذريعة التوصل إليه

قال الحكيم الترمذي في كتاب المنهيات :

فلما ابتعث الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام ، أمرهم بالصبر
والنزول على حكمه ، وأكرم الأمة ببعثه ، وبشرهم.

وبين لهم الثواب في الأجل – وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة
، وعن كل ما أشبه النياحة ، وكل سبب من أسبابها ؛ حتى نهى عن البكاء.

فقال في شأن ميت مات بحضرته: (إذا وجب فلا تبكين باكية).

أراد بذلك حسم هذا الباب على المسلمين لحداثة عهدهم بأمر الجاهلية، حتى
بلغ من حسمه أن نهاهم عن زيارة القبور.

فكذلك كل أمر حرمه الله ، وكان لذلك الأمر أسباب ، حرم تلك الأسباب الداعية
إلى ذلك الأمر.

منها تحريم الخمر ؛ فلما حرمت الخمر زجر عن كل شراب في دباء ، أو حنتم
، أو مزفت ، أو مقير ، أو نقير ؛ مخافة أن يشتد الشراب وهم لا يعلمون.

وإن كان في زق فاشتد انشق الزق.

فلما هدأت النفس ، ومرنت عن الانتهاء عما نهوا عنه ، أطلق لهم فقال : كنت
نهيتكم عن النبيذ فاشربوا ، ولا تشربوا مسكراً ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها،
فإن فيها معتبراً.

ثم قال : [ ولا تقولوا هجراً ] فبين عليه السلام علة النهى أنهم كانوا
إذا زاروا القبور قالوا هجرا ، فصاروا إلى النياحة ، فلما تمسكوا وعقلوا الإسلام أطلق
لهم الزيارة.

وحسم عليهم أبواب النياحة حتى إذا اهتدوا وفقهوا أطلق لهم من ذلك ما لم
يكن به بأس.اهـ

أقول : والحكيم الترمذي على تصوفه إلى أن كلامه هنا غاية في القوة ، وقد
سمعت الشيخ الألباني يقول كلاماً نحوه في شرح الأدب المفرد .

وجاء في مجموع فتاوى نور على الدرب [14/ 463] للشيخ عبد العزيز ابن باز
ما يلي :

297 : بيان صحة حديث تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم – عائشة رضي الله
عنها دعاء زيارة القبور

س: يستفسر السائل عن درجة الحديث الوارد عن النبي – صلى الله عليه وسلم
– عندما سألته عائشة رضي الله عنها أن يعلمها الدعاء الذي تقول حينما تزور القبور،
فعلمها. هل هذا حديث صحيح، وهل يدل هذا على جواز زيارة القبور للنساء ؟

ج: الحديث صحيح، ولكن كان في وقت الإذن ، كان نهى الجميع ، ثم أذن للجميع
، ثم جاءت السنة الأخيرة بمنع النساء ، وأمر الرجال بالزيارة ، كان أول ما أسلم الناس
نهاهم عن زيارة القبور ؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فصار هذا حماية لهم من الشرك ، وإبعادا
لهم منه ، ثم أذن.اهــ

أقول : فخلاصة كلام المشايخ أن النهي عن زيارة القبور في أول الأمر ، كان
لحداثة الصحابة بأمر الجاهلية ، فنهوا عن زيارة القبور سداً للذريعة ، ثم وقع الإذن
بعد ذلك ، وكذلك الانتباذ في الأسقية كان لقرب عهدهم من الخمر

والناس اليوم مفتونون بالديمقراطية ، ودعاتها يسعون سعياً حثيثاً في نشرها
، حتى قامت ثورات من أجل الحصول عليها ، فالقول بإباحة أي صورة من صور الديمقراطية
يعد توطيداً لهذه الفتنة العظيمة

وتكثير سوادهم من أعظم الإعانة لهم على هذه الفتنة

قال البخاري في صحيحه بَاب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ
وَالظُّلْمِ

7085 : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ
قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ
:

قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ
عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْيِ ثُمَّ قَالَ :

أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا
مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ
أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ
الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ }

والفتنة في الدين أعظم فتنة ، فلا نخاطر بأديان الناس بحجة ما نتوهمه مصلحة

المهمة الخامسة : تتبع زلات العلماء مسلك خلفي,ولا يحتج بالخلاف إلا
جاهل,وقد يعذر العالم ولا تعذر أنت

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص196:

الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا
معرفة عنده ولا حجة في قوله.اهـ

قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى (6/ 92) :

واعتبر ذلك بمناظرة الإمام عبدالله بن المبارك قال : كنا بالكوفة فناظروني
في ذلك يعني النبيذ المختلف فيه .

فقلت لهم : تعالوا فليحتج المحتج منكم عن من يشاء من أصحاب النبي صلى الله
عليه و سلم في بالرخصة فإن لم يتبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا
.

فما جاؤوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بشدة فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا
عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه إنما يصح عنه أنه
لم ينبذ له في الجر إلا حذر .

قال ابن المبارك : فقلت للمحتج عنه في الرخصة : يا أحمق عد إن ابن مسعود
لو كان ها هنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه
في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تجر أو تخشى .

فقال قائلهم يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون
الحرام ؟

فقلت لهم عدوا عند الاحتجاج تسمية الرجال قرب رجل في الإسلام مناقبه كذا
وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها .

فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة
قالوا : كانوا خيارا .

قلت : فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقالوا : حرام .

فقال ابن المبارك إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام

فبقوا وانقطعت حجتهم .

قال ابن المبارك : ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال : رآني أبي وأنا
أنشد الشعر فقال لي يا بني لا تنشد الشعر.

فقلت له يا أبت كان الحسن ينشد وكان ابن سيرين ينشد .

فقال لي : أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع
فيك الشر كله .

وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء فإنه ما من أحد من أعيان
الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة.

وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ إتباعهم فيها
كما قال سبحانه : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }

قال ابن مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ
من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه و سلم .

وقال سليمان التيمي إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.

قال ابن عبد البر هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا وقد روي عن النبي صلى الله
عليه و سلم وأصحابه .

في هذا المعنى ما ينبغي تأمله فروى كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف المزني
عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إني لأخاف على أمتي
من بعدي من أعمال ثلاثة قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : أخاف عليهم من زلة العالم
ومن حكم جائر ومن هوى متبع ]

وقال زياد بن حدير : قال عمر : ثلاث يهدمن الدين زلة العالم وجدال المنافق
بالقرآن وأئمة مضلون.اهـ

قال الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 171 :

وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن
يحيى القطان ، يقول :

لو أن رجلا ، عمل بكل رخصة : بقول أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة
في السماع – يعني الغناء – وأهل مكة في المتعة ، أو كما قال : لكان به فاسقا .

172 : قال أبو عبد الرحمن : ووجدت في كتاب أبي : ثنا أبو معاوية الغلابي
، قال : حدثني خالد بن الحارث ، قال : قال سليمان التيمي : لو أخذت برخصة كل عالم
– أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.

173 : أخبرنا أبو بكر المروذي ، قال : حدثنا أبو غسان ، حدثنا معتمر ،
عن أبيه ، قال :

إذا أخذت برخصة العلماء كان فيك شر الخصال .

174 : أخبرنا يحيى بن طالب الأنطاكي ، حدثنا محمد بن مسعود ، حدثنا عبد
الرزاق ، أخبرنا معمر ، قال :

لو أن رجلا ، أخذ بقول أهل المدينة في السماع – يعني الغناء – وإتيان النساء
في أدبارهن ، وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في السكر ، كان شر
عباد الله.

175 : أخبرني حرب بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا ابن خمير ،
حدثنا إبراهيم بن أدهم ، قال :

من حمل شاذ العلماء حمل شرا كبيرا .اهـ

عامة الأسانيد السابقة صحاح ، وهذا مثل صاحبٍ لنا صار يكتب الأناشيد للحزبيين
، التي يمثلونها بعد ذلك بـــ( الفيديو كليب ) ، ثم يلفق بعد ذلك متتبعاً لرخص العلماء

قال شيخ الإسلام في الاستقامة ص386 :

فهذا ونحوه هو الذي أشار إليه الأئمة كالشافعي في قوله خلفت ببغداد شيئا
أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن.

فيكون ذو النون هو أحد الذين حضروا التغبير الذي أنكره الأئمة وشيوخ السلف
ويكون هو أحد المتأولين في ذلك .

وقوله فيه كقول شيوخ الكوفة وعلمائها في النبيذ الذين استحلوه مثل سفيان
الثوري وشريك ابن عبد الله وأبي حنيفة ومسعر بن كدام ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
وغيرهم من أهل العلم.

وكقول علماء مكة وشيوخها فيما استحلوه من المتعة والصرف كقول عطاء بن أبي
رباح وابن جريج وغيرهما .

وكقول طائفة من شيوخ المدينة وعلمائها فيما استحلوه من الحشوش .

وكقول طائفة من شيوخ الشاميين وعلمائها فيما كانوا استحلوه من القتال في
الفتنة لعلي بن أبي طالب وأصحابه .

وكقول طوائف من أتباع الذين قاتلوا مع علي من أهل الحجاز والعراق وغيرهم
في الفتنة إلى أمثال ذلك مما تنازعت فيه الأمة وكان في كل شق طائفة من أهل العلم والدين

فليس لأحد أن يحتج لأحد الطريقين بمجرد قول أصحابه وإن كانوا من أعظم الناس
علما ودينا لان المنازعين لهم هم أهل العلم والدين

وقد قال الله تعالى { فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر } فالرد عند التنازع إنما يكون إلى كتاب الله وسنة رسوله.اهـ

وقال أيضاً في الاستقامة ص282 :

ومن احتج بفعل مثل عبد الله في الدين في مثل هذا لزمه أن يحتج بفعل معاوية
في قتاله لعلى .

وبفعل ابن الزبير في قتاله في الفرقة وأمثال ذلك مما لايصلح لأهل العلم
والدين أن يدخلوه في أدلة الدين والشرع.

لا سيما النساك والزهاد وأهل الحقائق لا يصلح لهم أن يتركوا سبيل المشهورين
بالنسك والزهد بين الصحابة ويتبعوا سبيل غيرهم

وما أحسن ما قال حذيفة رضي الله عنه يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق
من كان قبلكم فوالله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد
ضللتم ضلالا بعيدا.اهـ

وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم (2/37) :

قد يكون متأولا في هذا الشرع فيغفر له لأجل تأويله ، إذا كان مجتهدا الاجتهاد
الذي يعفى فيه عن المخطئ ويثاب أيضا على اجتهاده .

لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما لا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل قولا
أو عملا قد علم الصواب في خلافه .

وإن كان القائل أو الفاعل مأجورا أو معذورا ، وقد قال سبحانه { اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ }.اهـ

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11/ 100) :

وروى البيهقي: عن الحاكم، عن حسان بن محمد، عن ابن سريج القاضي إسماعيل
بن إسحاق قال: دخلت يوما على المعتضد فدفع إلى كتابا فقرأته فإذا فيه الرخص من زلل
العلماء قد جمعها بعض الناس – فقلت: يا أمير المؤمنين إنما جمع هذا زنديق.

فقال: كيف ؟

فقلت: إن من أباح المتعة لم يبح الغناء، ومن أباح الغناء لم يبح إضافته
إلى آلات اللهو، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه.

فأمر بتحريق ذلك الكتاب.اهـ

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/192) :

ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يخف
من زلة العالم على غيره

فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين فإنه اتباع
للخطأ على عمد ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه وكلاهما مفرط فيما أمر به.اهـ

هذا إن سلم لك خصمك بعلم المفتي الذي تستدل بكلامه وأنه فاهم للأمر على وجهه 

المهمة الأخيرة : ارتكاب أدنى الضررين بترك الانتخابات

وهنا نعكس على ما يزعمون أن ارتكاب أدنى الضررين بدخولها الاستدلال

وقال  محمد أمان بن علي الجامي :

إذا تبيّنّا أنه لا يجوز شرعا مضاهاة الله والتشبّه به في تشريعه بنصب
رجال يُشرِّعون غير شرع الله.

كذلك لا يجوز استخدام أيّ وسيلة من الوسائل المؤدية إلى ذلك التشريع البشري
الذي ينازع تشريع الله، كانتخاب رجال البرلمان أو مجلس الشعب، ليشرِّعوا مع الله أو
من دون الله.

لأنه يُعتبر عند التحقيق: اختيار أرباب يُعبدون من دون الله، وهذا يتنافى
مع لا إله إلا الله؛ لأن توحيد الحاكمية هو من توحيد العبادة؛ فليعلم جيّدا…

إلى أن قال: وأما شرك الطاعة والإتّباع: فهو التّمرّد على ربّ العالمين،
والخروج على شريعته، وعدم قَبول حكمه وتحكيمه في الشؤون كلها أو بعضها….

وما يُسمى الانتخاب الحرّ وسيلة ظاهرة إلى هذا النوع من الشرك، وهو باطل
كما ترى، وما يؤدِّي إلى الباطل ويكون وسيلة إليه فباطل، فالانتخاب الحرّ باطل إذن
.

ويوضِّح هذه الحقيقة قولُه تعالى ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، تدبّر قوله تعالى ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ ، أي أن اتخاذ الله
وحده حَكَماً في كل شيء، والاستغناء به عن غيره، وردّ الأمر كلّه إليه سبحانه: ذلك
الدين القيّم.

ولا يرضى ربّ العالمين سوى الدين القيّم وإن جهله أكثر الناس؛ كما هو الواقع
في كثير من المثقفين بالثقافة الغربيّة، ومن يقلِّدونهم دون علم وبصيرة، فإنهم لا يعلمون
الدين القيّم.

لذلك كله: فإن ما يسمى الانتخاب الحر لا يصلح لنا، ولا يصلح في أرضنا،
بل لا يصلح لشعوب المنطقة؛ لأن نتيجته تتنافى والإيمان على ما بيّنّا آنفا، ولا يجتمع
الإيمان بالله وبشرعه والإيمان بالنظام الديمقراطي الذي يتوصل إليه بالانتخاب الحر
وتعدد الأحزاب… [ شريط حقيقة الديمقراطية]

وقال أيضاً  :

فالمفتي الذي يفتي بجواز الاشتراك في تشريع يخالف شرع الله مع السخرية
بشرع الله، كأنه يقول من حيث لا يشعر : يجوز للإنسان أن يكون شريكا لله ومشرّعا معه
للمصلحة!! أو ليخدم المسلمين!!.[ شريط حقيقة الديمقراطية]

وهذا رفضٌ منه للقول بأن المسألة اجتهادية وتثريب على من أفتى بالجواز

وهو نظير موقف الوادعي

وأزيد على قول الجامي : كأنه يقول من حيث لا يشعر : يجوز للإنسان أن
يكون شريكا لله ومشرّعا معه للمصلحة!! أو ليخدم المسلمين!!

أزيد عليه : أو تحقيقاً للسمع والطاعة !

وقد قام عصام البشير المراكشي في كتابه العلمنة من الداخل ببحث رصين في هذا السياق ليراجع 

والخلاصة أن الأمر دين ليس تزلفات ولا ردود أفعال ولا تحين معاكسة لتيارات
معينة ولو كان ذلك على حساب الثوابت

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم