من نفائس شيخ الإسلام : ثبات أهل السنة

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (4/ 50) :” أَنَّك تَجِدُ أَهْلَ
الْكَلَامِ أَكْثَرَ النَّاسِ انْتِقَالًا مِنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ وَجَزْمًا بِالْقَوْلِ
فِي مَوْضِعٍ وَجَزْمًا بِنَقِيضِهِ وَتَكْفِيرِ قَائِلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهَذَا
دَلِيلُ عَدَمِ الْيَقِينِ . فَإِنَّ الْإِيمَانَ كَمَا قَالَ فِيهِ قَيْصَرُ لَمَّا
سَأَلَ أَبَا سُفْيَانَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ” هَلْ يَرْجِعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ سَخْطَةً لَهُ بَعْدَ
أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إذَا خَالَطَ
بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ ” وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ
– عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ غَيْرُهُ – : ” مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا
لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ ” . وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ
فَمَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا صَالِحِ عَامَّتِهِمْ رَجَعَ قَطُّ
عَنْ قَوْلِهِ وَاعْتِقَادِهِ بَلْ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ صَبْرًا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ
اُمْتُحِنُوا بِأَنْوَاعِ الْمِحَنِ وَفُتِنُوا بِأَنْوَاعِ الْفِتَنِ وَهَذِهِ حَالُ
الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَهْلِ الْأُخْدُودِ وَنَحْوِهِمْ
وَكَسَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
الْأَئِمَّةِ حَتَّى كَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : ” لَا تَغْبِطُوا
أَحَدًا لَمْ يُصِبْهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ بَلَاءٌ ” . يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ
لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَلِيَ الْمُؤْمِنَ فَإِنْ صَبَرَ رَفَعَ دَرَجَتَهُ كَمَا قَالَ
تَعَالَى : { الم } أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ
لَا يُفْتَنُونَ { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا
مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
} وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْعَصْرِ } { إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } { إلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ } . وَمَنْ صَبَرَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ عَلَى قَوْلِهِ فَذَاكَ لِمَا
فِيهِ مِنْ الْحَقِّ إذْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ – عَلَيْهَا طَائِفَةٌ كَبِيرَةٌ
– مِنْ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيُوَافِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ : مَا يُوجِبُ قَبُولَهَا إذْ
الْبَاطِلُ الْمَحْضُ لَا يُقْبَلُ بِحَالِ .

وَبِالْجُمْلَةِ : فَالثَّبَاتُ وَالِاسْتِقْرَارُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ
وَالسُّنَّةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ
؛ بَلْ الْمُتَفَلْسِفُ أَعْظَمُ اضْطِرَابًا وَحَيْرَةً فِي أَمْرِهِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ

قال ابن المبارك في الجهاد 118 – عن جعفر بن حيان ، والمبارك ، عن الحسن
في قوله : « ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير ) قال جعفر : علماء صبر . وقال المبارك
: أتقياء صبر »

أما وإن العلماء ورثة الأنبياء كما ورثوا علومهم ورثوا منهم صبرهم وثباتهم

فهذا نبي الله يوسف سجن ، وسجن من العلماء الصبر الإمام أحمد وابن تيمية
وغيرهم

وهذا نبي الله يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام قتل ظلماً ، وقتل من
ربيين هذه الأمة نعيم بن حماد في فتنة القول بخلق القرآن قتل صبراً ترك في مكان بلا
طعام ولا شراب حتى مات ولم يقل بخلق القرآن ، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي قتله الواثق
في القول بخلق القرآن

وخرج نبي الله موسى _ عليه الصلاة والسلام _ من مدينته خائفاً يترقب ،
وكم من إمام نفي في السنة وخرج من بلده خائفاً يترقب ومن آخرهم الإمام المجدد الذي
خرج من العيينة كذلك لما نابه فيها ما نابه

فأين هذا الجهاد من مسالك أهل الأشر والبطر ، الذين لا يستحون من الله
أن ينزلوا على انفسهم أخبار الغربة ، وأحدهم لا يريد أن يهجر الهجر الشرعي الذي أمر
الله به

وما أكثر ما تسمع كلمة ( المصلحة ) وكأن سيوفاً قد أسلطت على أعناقهم ،
وما بهم وما حولهم جلد ولا نفي فضلاً عن قتل وتهجير ، وما يقومون بعشر ما قام به أولئك
الأئمة على تيه في أنفسهم وإزراء على الأوائل

وإن تكلم بعضهم بكلمة الحق كان دافعه إلى ذلك حسد أو منافسة على رياسة
وبرهان ذلك أنك تجد أخاه أو صاحبه يقع في الأمر نفسه الذي أنكره على ذلك الشخص فلا
ينكره على أخيه وصاحبه محاباةً ، أو لعدم وجود الدافع السابق

وفي الحقيقة لا أدري أين ذهبت بالقاريء فإن كلام شيخ الإسلام هيض أشجاني
، والذي يبدو أنه ينبغي أن أكمح جماح القلم وألزم الصمت وأسأل الله عز وجل أن يفرج

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم