فهذا فصل جيد لابن القيم في بدائع الفوائد
في أسباب دفع شر الحاسد عن المحسود يحتاجها اليوم الكثيرون فما أكثر الحسد اليوم
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/467)
:” ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب
أحدها التعوذ بالله تعالى من شره واللجوء
والتحصن به واللجوء إليه وهو المقصود بهذه السورة والله تعالى سميع لاستعاذته عليم
بما يستعيذ منه والسمع هنا المراد به سمع الإجابة لا السمع العام فهو مثل قوله سمع
الله لمن حمده
وقول الخليل إن ربي لسميع الدعاء ومرة يقرنه
بالعلم ومرة بالبصر لاقتضاء حال المستعيذ ذلك فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله
تعالى يراه ويعلم كيده وشره فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته أي
مجيب عليم بكيد عدوه يراه ويبصره لينبسط أمل المستعيذ ويقبل بقلبه على الدعاء
وتأمل حكمة القرآن الكريم كيف جاء في الإستعاذة
من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ السميع العليم في الأعراف والسجدة وجاءت
الإستعاذة من شر
الإنس الذين يؤنسون ويرون بالإبصار بلفظ
السميع البصير في سورة حم المؤمن فقال إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان
أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير غافر
56 لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر
وأما نزع الشيطان فوساوس وخطرات يلقيها في القلب
يتعلق بها العلم فأمر بالإستعاذة بالسميع العليم فيها وأمر بالإستعاذة بالسميع
البصير في باب ما يرى بالبصر ويدرك بالرؤية والله أعلم
السبب الثاني تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه
فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره قال تعالى وإن تصبروا وتتقوا لا
يضركم كيدهم شيئا آل عمران 120 وقال النبي لعبدالله بن عباس احفظ الله يحفظك احفظ
الله تجده تجاهك // صحيح // فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه ومن
كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف ولمن يحذر
السبب الثالث الصبر على عدوه وأن لا يقاتله ولا
يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل
على الله ولا يستطل تأخيره وبغيه فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جندا وقوة للمبغي
عليه المحسود يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر فبغيه سهام يرميها من نفسه ولو رأي
المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي دون آخره
ومآله وقد قال تعالى ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله الحج 60
فإذا كان الله قد ضمن فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقه أولا
فكيف بمن لم يستوف شيئا من حقه بل بغى عليه وهو صابر وما من الذنوب ذنب أسرع عقوبة
من البغي وقطيعة الرحم وقد سبقت سنة الله أنه لو بغى جبل على جبل جعل الباغي منهما
دكا
السبب الرابع التوكل على الله من يتوكل على الله
فهو حسبه الطلاق 3 والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى
الخلق وظلمهم وعدوانهم وهو من أقوى الأسباب في ذلك فإن الله حسبه أي
كافية ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع
فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره
بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدا وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له وهو
في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه وبين الضرر الذي يتشفى به منه قال بعض السلف
جعل الله تعالى لكل عمل جزاء من جنسه وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده فقال
ومن يتوكل على الله فهو حسبه ولم يقل نؤته كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال
بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه فلو توكل العبد على الله
تعالى حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجا من ذلك وكفاه ونصره
وقد ذكرنا حقيقة التوكل وفوائده وعظم منفعته
وشدة حاجة العبد إليه في كتاب الفتح القدسي وذكرنا هناك فساد من جعله من المقامات
المعلولة أنه من مقامات العوام وأبطلنا قوله من وجوه كثيرة وبينا أنه من أجل
مقامات العارفين وأنه كلما علا مقام العبد كانت حاجاته إلى التوكل أعظم وأشد وأنه
على قدر إيمان العبد يكون توكله وإنما المقصود هنا ذكر الأسباب التي يندفع بها شر
الحاسد والعائن والساحر والباغي
السبب الخامس فراغ القلب من الإشتغال به والفكر
فيه وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له فلا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ
قلبه بالفكر فيه وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره فإن
هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه فإذا لم يتعرض له ولا تماسك هو وإياه بل
انعزل عنه لم يقدر عليه فإذا تماسكا وتعلق كل منهما بصاحبه حصل الشر
وهكذا الأرواح سواء فإذا علق روحه وشبثها به
وروح الحاسد الباغي متعلقة به يقظة ومناما لا يفتر عنه وهو يتمنى أن يتماسك
الروحان ويتشبثا فإذا تعلقت كل روح منهما بالأخرى عدم القرار ودام الشر حتى يهلك
أحدهما
فإذا جبذ روحه عنه وصانها عن الفكر فيه والتعلق
به وأن لا يخطره بباله فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر والإشتغال بما هو
أنفع له وأولى به بقي الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضا فإن الحسد كالنار فإذا لم تجد
ما تأكله أكل بعضها بعضا
وهذا باب عظيم النفع لا يلقاه إلا أصحاب النفوس
الشريفة والهمم العالية وبين الكيس الفطن وبينه حتى يذوق حلاوته وطيبه ونعيمه كأنه
يرى من أعظم عذاب القلب
والروح اشتغاله بعدوه وتعلق روحه به ولا
يرى شيئا ألم لروحه من ذلك ولا يصدق بهذا إلا النفوس المطمئنة الوارعة اللينة التي
رضيت بوكالة الله لها وعلمت أن نصره له خير من انتصارها هي لنفسها فوثقت بالله
وسكنت إليه واطمأنت به وعلمت أن ضمانه حق ووعده صدق وأنه لا أوفى بعهده من الله
ولا أصدق منه قيلا فعلمت أن نصره لها أقوى وأثبت وأدوم وأعظم فائدة من نصرها هي
لنفسها أو نصر مخلوق مثلها لها ولا يقوى على هذا إلا
بالسبب السادس وهو الإقبال على الله والإخلاص له
وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها تدب فيها دبيب
الخواطر شيئا فشيئا حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية فتبقى خواطره وهواجسه
وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره كما يذكر
المحب التام المحبة لمحبوبه المحسن إليه الذي قد امتلأت جوانحه من حبه فلا يجعل
بيت إنكاره وقلبه معمورا بالفكر في حاسده والباغي عليه والطريق إلى الإنتقام منه
والتدبير عليه هذا ما لا يتسع له إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب
مرضاته
بل إذا مسه طيف من ذلك واجتاز ببابه من خارج
ناداه حرس قلبه إياك وحمى الملك إذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء حل فيها
ونزل بها ما لك ولبيت السلطان الذي أقام عليه اليزك وأدار عليه الحرس وأحاطه
بالسور
قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس أنه قال فبعزتك
لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ص آية 81 82 قال تعالى إن عبادي ليس لك
عليهم سلطان الحجر 42 وقال إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون
إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون النحل 100 وقال في حق الصديق
كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين يوسف 24
فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن وصار داخل
اليزك لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به ولا ضيعة على من آوى إليه ولا مطمع
للعدو في الدنو إليه منه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
الجمعة 4
السبب السابع تجريد التوبة إلى الله من الذنوب
التي سلطت عليه أعداءه فإن الله تعالى يقول وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
الشورى 30 وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه دونه أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم
مثلها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم
آل عمران 165 فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه وما لا يعلمه
العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره
وفي الدعاء المشهور اللهم إني أعوذ بك أن أشرك
بك وأنا أعلم وأستغفرك لم لا أعلم فما يحتاج العبد إلى الإستغفار منه مما لا يعلمه
أضعاف أضعاف ما يعلمه فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب
ولقي
بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه فقال له قف حتى أدخل البيت ثم أخرج إليك فدخل
فسجد لله وتضرع إليه وتاب وأناب إلى ربه ثم خرج إليه فقال له ما صنعت فقال تبت إلى
الله من الذنب الذي سلطك به علي
وسنذكر إن شاء الله تعالى أنه ليس في الوجود شر
إلا الذنوب وموجباتها فإذا عوفي من الذنوب عوفي من موجباتها فليس للعبد إذا بغي
عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح وعلامة سعادته أن يعكس
فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه فيشغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها فلا يبقى
فيه فراغ لتدبر ما نزل به بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه والله يتولى نصرته
وحفظه والدفع عنه ولا بد فما أسعده من عبد وما أبركها من نازلة نزلت به وما أحسن
أثرها عليه ولكن التوفيق والرشد بيد الله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع فما
كل أحد يوفق لهذا لا معرفة به ولا إرادة له ولا قدرة عليه ولا حول ولاقوة إلا
بالله
السبب الثامن الصدقة والإحسان ما أمكنه فإن لذلك
تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد ولو لم يكن في هذا إلا تجارب
الأمم قديما وحديثا لكفى به فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق
وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملا فيه باللطف والمعونة والتأييد وكانت له فيه
العاقبة الحميدة
فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته عليه من
الله جنة واقية وحصن حصين وبالجملة فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببا لزوالها
ومن أقوى الأسباب حسد الحاسد والعائن فإنه لا
يفتر ولا يني ولا يبرد قلبه حتى تزول النعمة عن المحسود فحينئذ يبرد أنينه وتنطفيء
ناره لا أطفأها الله فما حرس العبد نعمة الله تعالى عليه بمثل شكرها ولا عرضها
للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله وهو كفران النعمة وهو باب إلى كفران المنعم
فالمحسن المتصدق يستخدم جندا وعسكرا يقاتلون عنه
وهو نائم على فراشه فمن لم يكن له جند ولا عسكر وله عدو فإنه يوشك أن يظفر به عدوه
وإن تأخرت مدة الظفر والله المستعان
السبب التاسع وهو من أصعب الأسباب على النفس
وأشقها عليها ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله وهو إطفاء نار الحاسد والباغي
والمؤذي بالإحسان إليه فكلما ازداد أذى وشرا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا وله
نصيحة وعليه شفقة وما أظنك تصدق بأن هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه فاسمع الآن قوله
عز و جل ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه
عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وأما
ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم فصلت 34 36 وقال أولئك
يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون القصص 54
وتأمل حال النبي الذي حكى عنه نبينا أنه ضربه
قومه حتى أدموه فجعل يسلت الدم عنه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون // رواه
البخاري ومسلم // كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات من الإحسان قابل بها إساءتهم
العظيمة إليه أحدها عفوه عنهم والثاني استغفاره لهم الثالث اعتذاره عنهم بأنهم لا
يعلمون الرابع استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال اغفر لقومي كما يقول الرجل لمن
يشفع عنده فيمن يتصل به هذا ولدي هذا غلامي هذا صاحبي فهبه لي
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه
إليها وينعمها به اعلم أن لك ذنوبا بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو
عنها ويغفرها لك ويهبها لك
ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى
ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله فإذا كنت ترجو هذا
من ربك أن يقابل به إساءتك فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم
ليعاملك الله هذه المعاملة فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في إساءتهم
في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقا فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن أو
اترك فكما تدين تدان وكما تفعل مع عباده يفعل معك فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره
هان عليه الإحسان إلى ما أساء إليه هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعيته
الخاصة كما قال النبي للذي شكى إليه قرابته وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال
لا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك // رواه مسلم // هذا مع ما يتعجله من
ثناء الناس عليه ويصيرون كلهم معه على خصمه فإنه كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير
وهو مسيء إليه وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء وذلك أمر فطري فطر الله
عباده فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكرا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه
إقطاعا ولا خبرا هذا مع أنه لا بد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين إما أن يملكه
بإحسانه فيستعبده وينقاد له ويذل له ويبقى من أحب الناس إليه وإما أن يفتت كبده
ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه
بانتقامه ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة والله هو الموفق المعين بيده الخير كله لا
إله غيره وهو المسئول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه
وفي الجملة ففي هذا المقام من الفوائد ما يزيد
على مائة منفعة للعبد عاجلة وآجلة سنذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى
السبب العاشر وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار
هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز
الحكيم
والعلم بأن هذه آلات بمنزلة حركات الرياح وهي
بيد محركها وفاطرها وبارئها ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه فهو الذي يحسن عبده بها
وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه قال تعالى وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له
إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله الأنعام 17
وقال النبي لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما
واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ولو
اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك // صحيح // فإذا جرد العبد
التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله
تعالى بل يفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به
وفكره فيه وتجرد الله محبة وخشية وإنابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره فيرى أن
إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده
وإلا فلوجرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل
والله يتولى حفظه والدفع عنه فإن الله يدافع عن الذين آمنوا فإن كان مؤمنا فالله
يدافع عنه ولا بد وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه فإن كمل إيمانه كان دفع الله
عنه أتم دفع وإن مزج مزج له وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة كما قال بعض السلف
من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه جملة ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله
عنه جملة ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة
فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من
الآمنين قال بعض السلف من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء
فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن
والساحر وليس له أنفع من التوجه إلى الله وإقباله عليه وتوكله عليه وثقته به وأن
لا يخاف معه غيره بل يكون خوفه منه وحده ولا يرجوا سواه بل يرجوه وحده فلا يعلق
قلبه بغيره ولا يستغيث بسواه ولا يرجو إلا إياه ومتى علق قلبه بغيره ورجاه وخافه
وكل إليه وخذل من جهته فمن خاف شيئا غير الله سلط عليه ومن رجا شيئا سوى الله خذل
من جهته وحرم خيره هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا”
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم