قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (6/ 398_ 404) :
” قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي ، في كتابه
الذي سماه ( الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لأهل البدع والفضول ) ذكر فيه
الأئمة الأثني عشر المتبوعين في العلم ، وهم : الشافعي ومالك وسفيان الثوري وأحمد ابن
حنبل والبخاري وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق
بن راهويه ، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان .
وقد ذكر في ترجمة سفيان بن سعيد الثوري أنه سئل عن قوله تعالى : ( وهو
معكم أينما كنتم ) قال : علمه .
ثم ذكر في أثناء الترجمة : (( فإن قيل فقد منعتم من التأويل ، وعددتموه
من الأباطيل ، فما قولكم في تأويل السلف ؟ وما وجهه ؟ نحو ما يروى عن ابن عباس في معنى
( استوى ) : استقر ، وما رويتم عن سفيان في قوله ( وهو معكم ) قال علمه
الجواب : قلنا لعلتين لا ثالث لهما .
على أن الجواب عن السؤال أن يقال
: إن كان السلف صحابياً فتأويله مقبول متبع ، لأنه شاهد الوحي والتنزيل ، وعرف التفسير
والتأويل .
وابن عباس من علماء الصحابة وكانوا
يرجعون إليه في التأويل ، وكان يقول أنا من الراسخين في العلم .
إذ كان بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبين ظهراني الأئمة الأربعة ، وسائر المشايخ من الصحابة رضي الله عنهم
أجمعين يدأب ليلاً ونهاراً في البحث والتسآل عن النساء والرجال الذين عرفوا تأويل ما
لم يعرفه في صغره ، وشاهدوا تنزيل ما لم يشاهده في حاله من كبره ، وقد دعا له رسول
الله صلى الله عليه وسلم بمعرفة التأويل ، وكان رديفاً له فقال : ( اللهم علمه التأويل
وفقهه في الدين )
وكان لعمر مجلسان في كل يوم ، مجلس لكبار الصحابة ومشايخهم ، ومجلس لشبانهم
وكان يأمر ابن عباس أن يحضر مع كبار الصحابة مجلسه ، فكانت إذا ألقيت عليهم مسألة يجيبون
فيها ، قال لابن عباس : (( غص يا غواص دس يا دواس )) ، إذا أجاب ابن عباس بجواب صوبه
وقرره .
وإذا تقرر أن تأويل الصحابة مقبول فتأويل ابن عباس أولى بالاتباع والقبول
، فإنه البحر العباب وبالتأويل أعلم الأصحاب ، فإذا صح عنه تأويل الاستواء بالاستقرار
وضعنا له الحد بالإيمان والتصديق “
أقول : استحضر هذا الكلام الجليل في كل أثر غيبي يمر بك عن صحابي ، واستحضره
عند نظرك في أثر ابن عباس ( الكرسي موضع القدمين ) وأثره في كبس الأرض على ظهر الحوت
وأثره في تفسير الهم الوارد في سورة يوسف وأثره في أن إبليس من الملائكة وغيرها
ومسلك الكرجي هو مسلك الكبار مع الكبار
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 702 : حدثنا أحمد بن قاسم ،
وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي ، نا نعيم ،
نا ابن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن أبي أمية الجمحي ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن من أشراط الساعة ثلاثا إحداهن
أن يلتمس العلم عند الأصاغر .
قال نعيم : قيل لابن المبارك
: من الأصاغر ؟ قال : الذين يقولون برأيهم ، فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير .
وذكر أبو عبيد في تأويل هذا الخبر
عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن ، قال أبو عبيد
: وهذا وجه ، قال أبو عبيد : والذي أرى أنا في الأصاغر أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذاك أخذ العلم عن الأصاغر .انتهى
وقال الكرجي بعد الكلام السابق نقله :” فأما إذا لم يكن السلف صحابياً
نظرنا في تأويله فإن تابعه عليه الأئمة المشهورون ، من نقلة الحديث والسنة ، ووافقه
الثقات الأثبات تابعناه ، وقبلناه ووافقناه فإنه وإن لم يكن إجماعاً حقيقة إلا أن فيه
مشابهة الإجماع ، إذ هو سبيل المؤمنين وتوافق المتقين الذين لا يجتمعون على ضلالة ،
ولأن الأئمة لو لم يعلموا ذلك عن الرسول والصحابة لم يتابعوه عليه “
تأمل هذا فإنه في غاية الأهمية ، ولا يعزب عن ذهنك أن ابن تيمية أقر هذا
كله ، وليعلم أنه لما ذكر الأئمة الفحول اجتنب أهل الرأي فتأمل هذا
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم