من منهج الإمام ابن القيم في تصحيح الأحاديث

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (3/587)بعد أن ذكر حديثاً طويلاً في
الصفات أعله جماعة من المعاصرين بجهالة بعض رواته :

” هذا حديث كبير جليل تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ
عَلَى أَنّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النّبُوّةِ لَا يُعْرَفُ إلّا مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَدَنِيّ

رَوَاهُ عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزّبَيْرِيّ وَهُمَا مِنْ كِبَارِ
عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ ثِقَتَانِ مُحْتَجّ بِهِمَا فِي الصّحِيحِ احْتَجّ بِهِمَا
إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيّ

وَرَوَاهُ أَئِمّةُ أَهْلِ السّنّةِ فِي كُتُبِهِمْ وَتَلَقّوْهُ بِالْقَبُولِ
وَقَابَلُوهُ بِالتّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ
وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ .

 فَمِمّنْ رَوَاهُ الْإِمَامُ ابْنُ
الْإِمَامِ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي
مُسْنَدِ أَبِيهِ وَفِي كِتَابِ ” السّنّةِ ” وَقَالَ كَتَبَ إلَيّ إبْرَاهِيمُ
بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ الزّبَيْرِ الزّبَيْرِيّ
كَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَضْته وَسَمِعْته عَلَى مَا كَتَبْتُ
بِهِ إلَيْك فَحَدّثْ بِهِ عَنّي .

 وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ الْجَلِيلُ
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النّبِيل ُ فِي كِتَابِ
” السّنّةِ ” لَهُ .

 وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ
مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَسّالُ فِي كِتَابِ
” الْمَعْرِفَةِ ” .

 وَمِنْهُمْ حَافِظُ زَمَانِهِ
وَمُحَدّثُ أَوَانِهِ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيّوبَ الطّبَرَانِيّ
فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ . وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
مُحَمّدِ بْنِ حَيّانَ أَبُو الشّيْخِ الْأَصْبَهَانِي ّ فِي كِتَابِ ” السّنّةِ
” . وَمِنْهُمْ الْحَافِظُ ابْنُ الْحَافِظِ أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ
إسْحَاقَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ حَافِظُ أَصْبَهَانَ . وَمِنْهُمْ
الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مِرْدَوَيْهِ .

 وَمِنْهُمْ حَافِظُ عَصْرِهِ أَبُو
نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ إسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيّ وَجَمَاعَةٌ
مِنْ الْحُفّاظِ سِوَاهُمْ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ .

 وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الصّنْعَانِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعِرَاقِ بِمَجْمَعِ الْعُلَمَاءِ
وَأَهْلِ الدّينِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمّةِ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ الرّازِيّ وَأَبُو
حَاتِمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ
وَلَمْ يُتَكَلّمْ فِي إسْنَادِهِ بَلْ رَوَوْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ

وَلَا يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا جَاحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُخَالِفٌ
لِلْكِتَابِ وَالسّنّةِ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَنْدَهْ”

أقول : فهنا قوى ابن القيم الخبر تبعاً لابن مندة بعدة أمور

أولها : أن هذا الحديث خرجه عدد من الأئمة النقاد في كتبهم المصنفة في
العقيدة كعبد الله بن أحمد ابن حنبل والطبراني وابن أبي عاصم وأبو الشيخ وأبو أحمد
العسال

ثانيها : سكوت بقية الأئمة عليهم وعدم إنكارهم كأبي زرعة وأبي حاتم والبخاري

ثالثها : عدم طعن من جاء بعدهم من أهل السنة على هذا الحديث ، لا في رواته
ولا في متنه

وهذا المنهج وافقناه أو خالفناه فهو منهج معتبر سلكه جماعة من الأجلة ،
وبهذه العين ينبغي أن ينظر لعامة الأحاديث التي توارد المصنفون في العقيدة على ذكرها
، فإن وجدت أحداً من أئمة العلل كأبي حاتم وأبي رزعة والبخاري والدارقطني تكلم فيه
فالترجيح إذن ، سواءً اتبعت طريقة ابن القيم أو طريقة الآخرين ، واما إن لم تجد فالتؤدة
التؤدة خصوصاً إذا كانت العلة جهالة راو تزول لأدنى سبب ، أو كان الخبر موقوفاً أو
مقطوعاً له نقد خاص يختلف عن نقد الأخبار المرفوعة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم