فقال الخطيب في الكفاية (1/160) أخبرنا أبو بكر احمد بن عمر بن أحمد الدلال
قال ثنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي املاء قال ثنا عبد الله بن الصقر السكري قال ثنا
إبراهيم بن المنذر قال ثنا معن ومحمد بن صدقة أحدهما أو كلاهما قال سمعت مالك بن أنس
يقول :
“لا يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك لا يؤخذ من رجل صاحب هوى
يدعو الناس الى هواه ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس ولا من رجل يكذب
في أحاديث الناس وان كنت لا تتهمه ان يكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا من
رجل له فضل وصلاح وعبادة لا يعرف ما يحدث “.
قلت : تأمل نهي الإمام مالك عن الكتابة عن المبتدع الداعية مطلقاً سواءً
كان ثقةً أو غير ثقة سواءً كان فقيهاً أو غير فقيه ، فلا يقال والحال هذه أن الإمام
مالك ( يحذر من دروس الحديث والفقه ) وإنما هو يحذر من البدعة التي تأتي مشفوعةً بهذا
العلم.
قال ابن حجر في هدي الساري ص358 :” مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل
آخر فيه فقال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو اخماد لبدعته واطفاء لناره وأن لم يوافقه
أحد ولم يوجد ذلك الحديث الا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين
وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة
على مصلحة اهانته وإطفاء بدعته والله أعلم “.
قلت : هذا الفقه العالي من أبي الفتح القشيري لما ذهب إليه بعض الحذاق
في هذا العصر ، اعتبرهم بعض الناس من المتشددين !! وليتهم علموا ما في هذا (
التشدد ) من الفقه العميق الذي يجمع بين جلب المصالح وتجنب المفاسد.
والقشيري هذا هو ابن دقيق العيد وهو أشعري متعصب وكذا ابن حجر كان أشعرياً ولكنهما هنا أصابا الحق ومثل هذا يذكر للإلزام وبيان أنه لا يخالف فيه حتى من انحرف في عقيدته
قال ابن حبان في الثقات :” شداد بن حكيم البلخي أبو عثمان يروى عن
زفر بن الهذيل روى عنه البلخيون وكان مرجئا مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات غير أنى
أحب مجانبة حديثه لتعصبه في الارجاء وبغضه من انتحل السنن أو طلبها “.
قلت : انظر كيف مال ابن حبان إلى ترك الرواية عنه مع استقامة حديثه حرصاً
على إخماد ذكره لما كان يكن لأهل الحديث من عداوةٍ وبغض ، والسنن التي يبغضها هذا المرجيء
هي المتعلقة بمخالفة مذهبه كما هو شأن في عامة أهل البدع.
وابن حبان في نفسه كان على طريقة ابن كلاب في الصفات ويبدو أنه في الإيمان على غير طريقته
واعلم – رحمك الله – أنه من العجب والغرابة أن ننسب شخصاً إلى منهجٍ كان
يصرح بعداوة أهله ونبزهم بالألقاب المنفرة وإلحاق التهم الباطلة بهم.
ونبرأه من منهج كان يوالي أهله ويثني عليهم ويدافع عنهم بالباطل ويهاجم
منتقديهم.
فإننا إن صنعنا ذلك اتهمناه في عقله وأنه كان لا يعرف موافقه من مخالفه
وهذا يخالف المنقول والمعقول، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :” الأرواح جنودٌ
مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف “.
وجاء في ترجمة شبابة بن سوار من تهذيب التهذيب :” قال أحمد بن حنبل
تركته لم اكتب عنه للإرجاء قيل له يا أبا عبد الله وأبو معاوية قال شبابة كان داعية
“.
قلت : شبابة هذا ثقة راوية أحاديث شعبة وقد تركه الإمام أحمد إخماداً لذكره
، ولما خلط خالط بينه وبين أبي معاوية أبان له الإمام أحمد الفرق ، وهكذا يخلط كثيرون
في هذه المسائل فيجعلون من يسب أهل السنة ويصفهم بأنهم ( جواسيس ) ويثني على رؤوس الضلال
ويجعلهم من ( المجتهدين ) كمن أخطأ في بعض المسائل التي هي دون ذلك.
وجاء في ترجمة الحسن بن صالح بن حي في الضعفاء الكبير و تهذيب التهذيب
:” أن زائدة بن قدامة كان يستتيب من يذهب للحسن بن صالح “.
قلت : والحسن بن صالح بن حي كان ثقةً ثبتاً فقيهاً يقارن بسفيان في الفقه
والورع ، ولكنه كان يرى السيف وليس في مبتدعة عصرنا من يحتاج إليه مثل هذا الرجل ،
ولم يشنع أحدٌ على زائدة في حرصه على الناس من بدع هذا الرجل ، ولم يقل أحد أنه يحذر
من مجالس ( الحديث والفقه والزهد ) نسأل الإخلاص والسلامة من العجب.
قال العقيلي في ترجمة حماد بن أبي سليمان من الضعفاء الكبير (1/303)
:” حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال سمعت عبيد الله بن موسى يقول سمعت سفيان يقول
ما كنا نأتي حمادإلا خفية من أصحابنا وقال شريك ترونى لم أدرك حمادا كنت أختلف إلى
الضحاك أربعةأشهر وكنت أدعه خوفا من أصحابنا وقال إسرائيل لم يكن يمنعني منه إلا فرقا
من أبى إسحاق “.
قلت : فانظر كيف أنهم لم يكتفوا بالتحذير من حماد بن أبي سليمان بلشنعوا
على من يأتي عنده حتى استخفى بعض من كان يأتيه _ فهل نقول هذا غلو وامتحانٌ بالأشخاص
وتفريق للناس ؟
هذا مع كونه فقيهاً وراوياً من رواة الأحاديث وقد يترتب على عدم الأخذ
عنه خفاء بعض السنة ، والسلف لم يعتبروا هذه المصالح أمام مفسدة ابتداعه ودعوته للبدع
واغترار الناس به إذا رأوه يحيط به أهل الحديث، فما بالك بمن لا يوجد عنده علم إلا
وهو عند علماء أهل السنة.
وقال العقيلي (4/444) :” حدثنا عبد الله بن أحمد قال سألت أبي عن
أسد بن عمرو وأبو يوسف فقال أصحاب أبي حنيفة لا ينبغي أن يروى عنهم “.
قلت : الله أكبر ! ومَن مِن مبتدعة عصرنا في منزلة هؤلاء الذي يشهد لهم كثير من أهل العصر بأنهم ( فقهاء الملة ) وهذه مع بطلانها أذكرها إلزاماً و ما قال أحمد هذا إلا
إخماداً لذكرهم لأنهم كانوا على الإرجاء وإلا أبو يوسف لم يصل إلى درجة ( الترك ) لسوء
الحفظ ، فهل يقال في أحمد أنه يحذر من رواية ( الفقه والحديث ).
وقال شيخ الإسلام كما في الفتاوى (28/205) :” وهذا حقيقة قول من قال
من السلف والأئمة ان الدعاة الى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم
العلم ولا يناكحون فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية
لأنالداعية اظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم “.
قلت : هؤلاء الدعاة قد يكونون فقهاء ومحدثين ويردون على أهل الكفر وأهل
البدع _ غيرهم _ ، ومع ذلك جاء نهي فقهاء السلف عن مجالستهم وأخذ العلم عنهم.
وقال أيضاً (10/376) :” وعلى هذا فما امر به آخر اهل السنة من ان
داعية اهل البدع يهجر فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من
هذا الباب فانهجرة تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة او
غيرها وانكان فى نفس الامر تائبا او معذورا “.
قلت : وليس كل أهل البدع دعاة ، ولكن هل تعلمون دعوةً إلى البدع أبلغ من
سب أهل السنة والتشهير بهم والدفاع عن أهل البدع والنصح بعدم طبع الكتب التي ترد عليهم؟
!!
ومن الدعوة إلى البدع طبع المجلات التي تدعو إلى الديمقراطية باسم الإسلام
مثل مجلة ( الفرقان ).
وقال الجوزجاني في أحوال الرجال ص270 :”
فيا لعباد الله أما لكم في المقانع من المبرزين وأهل الأمانة من المحدثين
سعة ومنتدح أن تحووا حديثهم الذي رووه عن الثقات
والمتقنين من أهل كل بلدة فتعتقدونه فإن في حديثهم لذي فهم غنى لا ولكن
كثير منكم جار عن الطريق وجعل طلبه لهذا الشأن وجمعه نزهة وشهوة فإذا استعتب فيه قال
إنما أكتبه للمعرفة فيا سبحان الله تكتب حديث أهل الصدق للمعرفة وحديث المتهمين للمعرفة
فمتى تترك هذا وعسى أن ينشأ بعدنا قوم فإن عوتبوا فيهم قالوا قد روى عنه فلان فيتخذوه
حجة فكما نقول نحن اليوم لبعض البله لم تروي عن فلان قال أليس قد روى عنه فلان فقد
صار حديث أهل الزيغ أيضا يطلب بالطرق المظلمة بعد الحجة الواضحة.
الحديث حديثان؛ حديث يراد به الله يقيم به المرء دينه ووظيفته فلا يقبل
منه غدا إذا سئل في القيامة عن علمه أهل التهم في الدين وأهل الميل عن القصد من الاتباع
للحق من قبل الله بأن الله قال{ فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين }
وقد حدثني علي بن الحسن قال سمعت
عبد الله يعني ابن المبارك يقول إذا ابتليت بالقضاء
فعليك بالأثر قال علي فذكرته لأبي حمزة محمد بن ميمون السكري من أهل مرو
لا بأس به
فقال هل تدري ما الأثر أن أحدثك بالشيء فتعمل به فيقال لك يوم القيامة
من أمرك بهذا فتقول أبو حمزة فيجاء بي فيقال إن هذا يزعم أنك أمرته بكذا وكذا فإن قلت
نعم خلي عنك ويقال لي من أين قلت هذا ، فأقول قال لي الأعمش فيسأل الأعمش فإذا قال
نعم خلي عني ويقال للأعمش من أين قلت فيقول قال لي إبراهيم فيسأل إبراهيم فإن قال نعم
خلي عن الأعمش وأخذ إبراهيم فيقال له من أين قلت فيقول قال لي علقمة فيسأل علقمة فإذا
قال نعم خلي عن إبراهيم ويقال له من أين قلت فيقول قال لي عبد الله بن مسعود فيسال
عبد الله فان قال نعم خلي عن علقمة ويقال لابن مسعود من أين قلت قال فيقول قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال نعم خلي عن ابن
مسعود فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول قال لي جبريل حتى ينتهي إلى الرب تبارك
وتعالى
فهذا الأثر فالأمر جد غير هزل إذ كان يشفي على جنة أو نار ليس بينهما هناك
منزل وليعلم أحدكم أنه مسؤول عن دينه وعن أخذه حله وحرامه كالذي
حدثني أشهل بن حاتم عن ابن عون عن محمد قال إن هذا العلم دين فلينظر امرؤ
عمن يأخذ دينه
وحديث يراد به المذاكرة فإذا ذكرته عند أهل العلم لم يقبلوه منك حجة وعبسوا
في وجهك منكرين عليك فيشغلكم طلب هذا عن حفظ كثير مما يعنيكم من التفقه في حديث الأعلام
الذين هم الأئمة
ولو نبذتم هذا وأقبلتم على حديث أولئك خفت مؤونتكم وأعنتم على حفظه والتفقه
فيه
ولا أحسب يعدل غدا إذا محصنا وسئلنا في الموقف بين يدي الله عن الحجة فيما
سعينا فيه من أمر ديننا إسناد فيه رجل زائغ عن الحق متهم
ولا إسناد فيه رجل مجهول عند أهل العلم
وإسناد نير ليس فيه من يغمز في الدين قناته ولا يقرع في اتباع السنن صفاته
وإن قل ذلك قال الله تعالى(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث )
ولا تصعروا بخدودكم إلى ما يبرق حائد عن هذه الطريقة أو يرعد بفلان وفلان
فإنكم إن لزمتموها تحرزوا بها الغاية القصوى التي فيه درك الآخرة والدنيا
ولا يغرنكم لوث من أدبر عنها وتولى إعجابا منكم بسرده عليكم الأباطيل التي
لا متون لها تنبعث ولا أجنحة لها تقل
فإن الطريق نهج والمأخذ مما حذيتموه
نحوه قريب واعلموا أن قد استشرفكم النهم وقد شملنا زيغ الفتن واستولت علينا غشوة الحيرة
وقارعنا الذل والصغار لما نرى في أنفسنا وفي العامة والخاصة من سخنة العين وما يخاف
أن يكون طبع
على قلوبنا بالرين وقد اختلط بالأئمة المأمونين من أهل العلم غير المأمونين
على دين الله”.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم