من عجيب بلاغة القرآن لفظاً ومعنى
قوله تعالى: ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا)
ومثل هذا لا يكاد يخطر على قلب الإنسان وهو يتشوف للذة مفقودة ألا وهي أن كل لذة مملولة فقال سبحانه ( وأتوا به متشابها ) أي أن يشبه بعضه بعضا فِي الألوان مختلفا فى الطعم
وهنا لا مكان للملل مع تجدد الطعم وكان هذا معنى مفقوداً في كلام الناس فمنهم من لا يؤمن بنعيم حسي في الآخرة كمثل النصارى ومنهم من ينكر البعث وما عرفوا إلا لذات الدنيا فلما نبه على هذا المعنى العجب في القرآن استخدمه بعض الشعراء
ومن ذلك قول ابن الرومي:
فالعين لا تنفكُّ من نَظَرٍ … والقلب لا ينفكُّ من وَطَرِ
ومحاسن الأشياء فيكِ (معًا) … فَملَا لتِيك مَلالَتي بَصرِي
مُتعاتُ وجهك في بديهتها … جُدُد وفي أعقابِها الأخَرِ
فكأنّ وجهكِ من تجدُّدِه … مُتنقل للعين في صُوَرِ
فلما أراد أن يبالغ في مدح وجهها قال كأنه يتجدد كل حين ويظهر فيه وجه آخر فتتجدد اللذة وهذا أخذه من وصف القرآن لثمر الجنة