من عجائب القرآن عند ابن تيمية ونحن أولى منه بالتعجب

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جاء في «جامع الفصول» لشيخ الإسلام ابن تيمية المجموعة الأولى ص١٢٨: “وأما قوله: {واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا}: فمَن دفَعَهم -آياتِه وإنذارَ أنبيائه- بحججهم التي يزعمها قواطعَ فلا ريب أنه يبقى مستخفاً بالآيات والنذر استخفافاً خالياً، ثم يقوى في كثير منهم حتى يصل إلى الاستهزاء كما هو واقع في كثير من هؤلاء المنافقين.

ومن عجائب القرآن: عطْفُه (ما أنذروه) على (آياته)، فإن استهزاء المنافقين بما يُنذَرونه من العذاب أكبرُ من استهزاء [لعله استهزائهم] بسائر مضمون الآيات” انتهى النقل.

أقول: وما قاله الشيخ من أن المنافقين يستهزئون بآيات العذاب أكثر من غيرها حقٌّ مشاهَد.

انظر إلى حملاتهم المستمرة على عذاب القبر وكثرة حديثهم عنه، ثم ما ينتهي كلامهم حتى يُخلَط بشوب من الاستهزاء والتهكم.

فتارة يقول قائلهم: دعونا من الحديث عن عذاب القبر وكلمونا عما يهمنا.

ولا يدري أن عذاب ونعيم القبر رُبِط بأعمال، فعذاب القبر رُبِط بالنميمة وعدم الاستنزاه من البول وعدم نصرة المظلوم وغيرها.

وتارة يقول قائلهم: مللنا من الوعظ الذي يرهِّب الناس ويخوفهم.

ويتجاهل أن كل ما رهَّبك من النار قرَّبك من الجنة، فكل وعظ لمن تدبر: فيه الترغيب صريحاً أو ضمناً، ويختلف ذلك بحسب الواعظ، غير أن هؤلاء يريدون ذم الوعظ كله فينتقون أمراً ربما يكون حاضراً بشكل نادر ليُنفِّروا من الوعظ كله.

وربما تأثر بهم بعض من فيه خير.

ومثَّلتُ بعذاب القبر لأنه الأمر الذي يمكن أن ينكره المرء ويبقى منتسباً إلى الملة بخلاف عذاب جهنم فهذا مَن أنكره كان مجاهراً بالكفر لا منافقاً مستتراً.

وما أكثر ما يحصرون أهل التدين بخطاب الترهيب ثم يرهبون الناس منهم بذلك.

ويقع لأناس من أهل التدين فعل ذلك مع خصومهم إذ يحصرونهم ببعض الأمور ويرهِّبون الناس منهم، وما رهبوا منه قد يكون حقاً ولكن ذكره مفرداً دون حججه وبقية أركان الخطاب مما قد ينفر كثيراً من الخلق.