أن عددا من الفيزيائيين المنتسبين للملة خلطوا بين قول الشيخ وبعض النظريات الفيزيائية الحديثة التي تحاول أن تجد سببا لنشأة الكون غير الخلق المباشر
وهذه النظريات منتهاها إلى سفسطة فإنك إن قلت أن سبب مجيء الكون هو سبب حادث فإن هذا الحادث سيفتقر إلى سبب يوجده حتى نصل لله تبارك وتعالى
وإن كان المقصود القول بكون العالم قديما ولو بالتفاف فالشيخ لا يقول بهذا
وقول الشيخ بوجود مخلوقات قبل عالمنا هذا من جنس العرش والماء لا ينفي حجة دليل منع التسلسل في المؤثرات على الخالق فكل مخلوق له بداية ونهاية وهو يفتقر في بدايته إلى مسبب أول لا بداية له
فهناك فرق بين تسلسل المؤثرات وهو ممتنع وتسلسل الحوادث وهو جائز
فكل مخلوق قبله مخلوق إلى ما لا بداية وكل مخلوق يدل على الخالق لأن له بداية هذا معنى معقول كما نعقل انه لا نهاية للمخلوقات فأفعال أهل الجنة والنار لا نهاية لها
وكما أن أفعال الله لا بداية لها كما في القرآن صريحا وجحدت به المعطلة ( وكان الله سميعا بَصِيرا ) قال ابن عباس لم يزل كذلك
وقال أحمد لم يزل الله متكلما اذا شاء .
وما جاز في الأفعال جاز في المفعولات
وأما التسلسل في المؤثرات الذي نستدل على الملاحدة به فهو ما يقضي أن المخلوق بعينه لا يجوز أن يكون سبب وجوده سلسلة لا نهائية من الأسباب لا بداية لها لأن ذلك يقتضي عدم وجوده اذ توقف وجود الشيء على سلسلة لا بداية لها من الأسباب يقتضي عدم وجوده لأنه لا أمد يوصل إليه
وعوداً على مسألتنا كثيرون يخلطون بين منع التسلسل في المؤثرات وتجويز التسلسل في الحوادث
وهما شيئان مختلفان بل يلتقيان تماماً -بمعنى نفي أحدهما واثبات الآخر -فمنع التسلسل في المؤثرات هو منع تسلسل في الفاعلين وتجويز التسلسل في الحوادث هو تجويز تسلسل في الأفعال
فكل فعل لله عز وجل قبله فعل قبله فعل إلى ما لا بداية وكل فعل له بداية ونهاية وهذا كاف في كون قانون السببية ينطبق عليه والمؤثر هنا هو الله عز وجل أو نقول الفعال لما يريد سبحانه
فكلاهما إثبات لقدرة الله عز وجل فمنع التسلسل في المؤثرات إثبات لكمال قيومته وحياته وإثبات التسلسل في القدم والمستقبل ( كما في أفعال أهل الجنة ) إثبات لكمال قدرته وأنه لم يكن معطلاً عن الفعل ثم فعل
والذي تقترحه النماذج الفيزيائية هو تسلسل في المؤثرات وقول الشيخ تسلسل في الحوادث والخلط الغبي بينهما هو سبب تجني الناس عليه وخلطهم بين كلامه وكلام الملاحدة ولا يكفي أن تذرف دموع التماسيح على أعلام الأمة ثم تجريء الصبية والسفهاء على أعلام بسبب عجلت
فباختصار المشكلة أن يوجد حوادث لا لها أول كل واحد منها وجوده متوقف على وجود الذي قبله هذا مستحيل ولا يقول به عاقل وأما وجود حوادث لا أول لها كلها وجودها يتوقف على وجود الله الأول الذي لا بداية له فهذا معقول تماما وحتى لو وجدت للحادث بعض الأسباب الحادثة فلا بد أن ينتهي التسلسل إلى الله الأول والقول باستحالته يتضمن الطعن بالقدرة وبالأولية