فإن جماع تعريف النفاق هو إظهار الخير وإبطان الشر ، فإن أظهر الإيمان
وأبطن الكفر فذلك النفاق الأكبر ، وإن كان أبطن الخيانة أو الغدر أو غيرها من سمات
الشر وأظهر الأمانة والصدق والوفاء فذلك النفاق العملي الأصغر
والمسلم لا بد ألا يأمن من مكر الله عز وجل وأن يخاف على نفسه النفاق بنوعيه
ولا شك أن النفاق العملي يؤدي إلى النفاق الأكبر إذا كثر وتراكم والمعصوم من عصمه الله
عز وجل
قال البخاري في صحيحه بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ
وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى
عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ
ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ
يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَنْ الْحَسَنِ مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ
إِلَّا مُنَافِقٌ وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ
مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا
وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
وقال الفريابي في صفة النفاق 75 : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جعفر بن
سليمان ، عن الجعد أبي عثمان ، قال : قلت لأبي رجاء العطاردي : هل أدركت ممن أدركت
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخشون النفاق ؟ وكان قد أدرك عمر رضي
الله عنه قال : نعم إني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا ، نعم شديدا نعم شديدا
76 : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حبيب
بن الشهيد ، أن الحسن ، كان يقول : إن القوم لما رأوا هذا النفاق يغول الإيمان لم يكن
لهم هم غير النفاق
فإذا كان هؤلاء الأخيار يخشون النفاق على أنفسهم فما عسانا أن نقول نحن
؟
لذا بدا لي أن أجمع ما تيسر لي من أسباب البراءة من النفاق ليكون المرء
المسلم على بينة مما ينفعه
السبب الأول من أسباب البراءة من النفاق : حب الصحابة …
قال البخاري في صحيحه 17 : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ
سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْإِيمَانِ
حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ
وقال الإمام مسلم في صحيحه 152- [131-78] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ (ح)
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ زِرٍّ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ
: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ
الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ : أَنْ لاَ يُحِبَّنِي إِلاَّ
مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضَنِي إِلاَّ مُنَافِقٌ.
أهل النفاق يبغضون ظهور الدين ، ويبغضون كل من كان على يديه ظهور الدين
، ورأس هؤلاء صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان وأئمة أهل الحديث
الذين حفظ الله عز وجل بهم الدين فحب هؤلاء من أظهر علامات والبعد عن النفاق
والحب ليس مجرد دعوى بل من أحب قوماً اقتفى آثارهم
السبب الثاني : حب الجهاد في سبيل الله
قال الله تعالى : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طائفة
مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ
مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ
يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا )
قال الإمام مسلم في صحيحه 4966- [158-1910] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
، عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ
سُمَيٍّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ
بِهِ نَفْسَهُ ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ.
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ : قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : فَنُرَى
أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
غير أن جهاد الحجة واللسان باق إلى يوم القيامة وهو الجهاد الكبير وهو
الجهاد الذي جاهده جميع الأنبياء
قال الله تعالى : ( وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا )
وهذا في سورة الفرقان وهي مكية يعني قبل فرض القتال
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (4/13) :” فالراد على أهل البدع
مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول الذب عن السنة أفضل من الجهاد والمجاهد قد يكون عدلا
في سياسته وقد لا يكون وقد يكون فيه فجور كما قال النبي صلى الله عليه و سلم إن الله
يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم ولهذا مضت السنة بأن يغزى مع كل
أمير برا كان أو فاجرا والجهاد عمل مشكور لصاحبه في الظاهر لا محالة “
فالراد على أهل البدع بعيد عن هذه الشعبة من شعب النفاق إذا ما أخلص لله
عز وجل والمخذل عن الرد عليهم متلبس بشعبة من شعب النفاق
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )
والمنافقون ما جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وإنما جاهدهم بالحجة
والمنافقون لا يتركون الجهاد فقط بل يرجفون على أهله ويخوفونهم
قال الله تعالى : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا
وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)
وقال الله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )
بل الجهاد بالمال أغاضهم فصاروا يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات
قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ
سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قال ابن خزيمة في صحيحه 1634: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ
، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ
، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : كَانَ
مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ
، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ ، فَرَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَلَّى بِهِمْ
، وَصَلَّى خَلْفَهُ فَتًى مِنْ قَوْمِهِ ، فَلَمَّا طَالَ عَلَى الْفَتَى صَلَّى وَخَرَجَ
، فَأَخَذَ بِخِطَامِ بَعِيرِهِ ، وَانْطَلَقُوا ، فَلَمَّا صَلَّى مُعَاذٌ ذُكِرَ
ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَنِفَاقٌ ، لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ مُعَاذٌ بِالَّذِي صَنَعَ الْفَتَى ، فَقَالَ
الْفَتَى : يَا رَسُولَ اللهِ ، يُطِيلُ الْمُكْثَ عِنْدَكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُطَوِّلُ
عَلَيْنَا ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَتَّانٌ
أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟ وَقَالَ لِلْفَتَى : كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ
؟ قَالَ : أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، وَأَسْأَلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ
بِهِ مِنَ النَّارِ ، وَإِنِّي لاَ أَدْرِي ، مَا دَنْدَنَتُكَ وَدَنْدَنَةُ مُعَاذٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي وَمُعَاذٌ حَوْلَ
هَاتَيْنِ ، أَوْ نَحْوَ ذِي ، قَالَ : قَالَ : الْفَتَى : وَلَكِنْ سَيَعْلَمُ مُعَاذٌ
إِذَا قَدِمَ الْقَوْمُ وَقَدْ خَبَرُوا أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ دَنَوْا ، قَالَ : فَقَدِمُوا
، قَالَ : فَاسْتُشْهِدَ الْفَتَى ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ : مَا فَعَلَ خَصْمِي وَخَصْمُكَ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ
، صَدَقَ اللَّهَ ، وَكَذَبْتُ ، اسْتُشْهِدَ.
فاستدل على براءته من النفاق باستشهاده في سبيل الله على أن هذا السياق
فيه زيادة على سياق الصحيحين ففي القلب من تثبيته شيء
وشتان بين الجهاد في سبيل الله والإلقاء بالنفس في التهلكة ، وشتان بين
الجهاد في سبيل الله والقتال تحت راية عمية ، وشتان بين القتال في سبيل الله لإعلاء
كلمة التوحيد ، والقتال من أجل الديمقراطية والحرية فلا تخلط الأوراق بارك الله فيكم
السبب الثالث من أسباب البراءة من النفاق : التدين بالسمع والطاعة
قال البخاري في صحيحه 7113 : حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ
قَالَ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ
قال ابن حجر في فتح الباري (20/120) :” قالَ اِبْن بَطَّال : إِنَّمَا
كَانُوا شَرًّا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ لِأَنَّ الْمَاضِينَ كَانُوا يُسِرُّونَ قَوْلهمْ
فَلَا يَتَعَدَّى شَرّهمْ إِلَى غَيْرهمْ ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَصَارُوا يَجْهَرُونَ
بِالْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّة وَيُوقِعُونَ الشَّرّ بَيْنَ الْفِرَق فَيَتَعَدَّى
ضَرَرهمْ لِغَيْرِهِمْ “
وقال البيهقي في الشعب 9406 : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد
الله بن جعفر نا يعقوب بن سفيان نا سعيد بن أسد نا ضمرة عن رجاء عن عبادة بن نسي قال
: كانت لأبي الدرداء إلى معاوية حاجة قال : فحجبه لشغل كان فيه فوجد في نفسه فقال
: من أتى باب السلطان قام و قعد و من وجد بابا مغلقا وجد إلى جنبه بابا فتحا رحبا إن
سأل أعطى و إن دعى أجيب و إن أول نفاق المرء طعنه على إمامة
وهذا منقطع غير أنه يحتمل في مثل هذا
قال أحمد في مسنده 24566 : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْنَا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَتْ إِحْدَانَا عَلَى الْأُخْرَى،
فَكَانَ مِنْ آخِرِ كَلَامٍ كَلَّمَهُ، أَنْ ضَرَبَ مَنْكِبَهُ، وَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ،
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَسَى أَنْ يُلْبِسَكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ
عَلَى خَلْعِهِ، فَلَا تَخْلَعْهُ حَتَّى تَلْقَانِي، يَا عُثْمَانُ، إِنَّ اللَّهَ
عَسَى أَنْ يُلْبِسَكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى خَلْعِهِ،
فَلَا تَخْلَعْهُ حَتَّى تَلْقَانِي» ثَلَاثًا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،
فَأَيْنَ كَانَ هَذَا عَنْكِ؟ قَالَتْ: نَسِيتُهُ، وَاللَّهِ فَمَا ذَكَرْتُهُ. قَالَ:
فَأَخْبَرْتُهُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمْ يَرْضَ بِالَّذِي أَخْبَرْتُهُ
حَتَّى كَتَبَ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ بِهِ، فَكَتَبَتْ
إِلَيْهِ بِهِ كِتَابًا
فسمى النبي صلى الله عليه وسلم قتلة عثمان منافقين ، مع إظهارهم الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
وليعلم أن النصح السري للولاة أبعد عن الرياء والسمعة الذي هو يعسوب النفاق
السبب الرابع من أسباب البراءة من النفاق : ترك مداهنة الولاة …
قال أبو يعلى في مسنده 5679 : حدثنا الحكم بن موسى السمسار حدثنا هقل عن
الأوزاعي قال : حدثني الزهري عن عروة قال : قلت ل ابن عمر : يا أبا عبد الرحمن إنا
لندخل على الإمام يقضي بالقضاء نراه جورا فنقول : وفقك الله وننظر إلى الرجل منا فنثني
عليه ؟ ! فقال : أما نحن معشر أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فكنا نعد هذا
نفاقا فما أدري ما تعدونه أنتم ؟!
وليعلم أنه كما لا يجوز الخروج على أئمة الجور لا يجور أيضاً الثناء عليهم
بما ليس فيهم أو بما يزين لهم البناء على أحوالهم الردية
وأما من يقول نثني عليهم بما ليس فيهم أو نعطيهم أكثر من حقهم ليلتف الناس
حولهم ، فهذا كمن يقول ( الغاية تبرر الوسيلة ) والله المستعان
قال البخاري في صحيحه 7212 : حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ
عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ
يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا
لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ
يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ
بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا
وهذا الحديث يبين لنا أننا إذا نصحنا الناس بالسمع والطاعة فيجب ألا نتكلم
معهم في أمر الدنيا فقط فنقول ( أنتم في عيش رغيد وكذا وكذا ) فإنهم يخشى عليهم إن
سمعوا وأطاعوا لهذا الداعي أن يدخلوا في هذا الحديث
وإنما نخبرهم أن الأمر سنة وإن جار واستأثر
وأما مسألة الدخول على الولاة فكلام أهل العلم في ذلك كثير وليراجع ما
كتبه ابن حبان في روضة العقلاء فإنه من أحسن من حرر المسألة
السبب الخامس من أسباب البراءة من النفاق : كراهية إشاعة الفاحشة بين
المؤمنين
قال الله تعالى (: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
قال البخاري في صحيحه 2442 : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا
يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ
عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 15076: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ
فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ, ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ, عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ,
عَنْ عَطَاءٍ, قَالَ:”مَنْ أَشَاعَ الْفَاحِشَةَ, فَعَلَيْهِ النَّكَالُ وَإِنْ
كَانَ صَادِقًا”.
قال ابن أبي الدنيا في الصمت 261 : حدثنا أحمد بن جميل ، أنا ابن المبارك
، أنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن شبيل بن عوف رحمه الله ، قال : كان يقال
: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أبداها .
شبيل تابعي مخضرم ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره
وقال البخاري في الأدب المفرد 324: حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
قَالَ: حَدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ
أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
حَسَّانَ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
الْقَائِلُ الْفَاحِشَةَ، وَالَّذِي يُشِيعُ بِهَا، فِي الإِثْمِ سَوَاءٌ.
حسان بن كريب ذكره ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار وقال :” من جلة
تابعي مصر ” ، وروى عنه جمع من الثقات
ومن إشاعة الفاحشة ما تفعله بعض المجلات والجرائد ، التي تخصصت بنشر أخبار
الجرائم وهذا لا شك أنه من إشاعة الفاحشة وإن كانت حقاً ، فكيف وهذه تقتات على الأكاذيب
في عامة أحوالها
ومن إشاعة الفاحشة ما تنشره القنوات الإخبارية خصوصاً في أيام الثورات
، من حصول حالات اغتصاب هنا أو هناك ، وهذه لو تكلم فيها ثلاثة من العدول لما جاز نشرها
فكيف بما تنشره القنوات الإخبارية المشهورة بالكذب والفسق ، وقد قال الله عز وجل (
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) ، وأمر الفروج عظيم فحد الزنا هو
الحد الوحيد الذي لا يثبت إلا بأربعة شهود حضاً على ستر المسلمين وعدم إشاعة الفاحشة
وقال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (1/117) في ترجمة الوزير ابن هبيرة
نقلاً عن ابن الجوزي :” وسمعته _ يعني ابن هبيرة _ يقول لبعض من يأمر بالمعروف:
اجتهد أن تستر العصاة فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب”
وبمثل هذا ينصح الذين يعملون في هيئات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
أو الشرط ، فإنك إذا جالست بعضهم صار يحدثك بما رأيت عينيه وسمعت أذنيه مما يرى من
الفواحش وغيرها ، ولا شك أن هذا من إشاعة الفاحشة
السبب السادس من أسباب البراءة من النفاق : البعد عن سماع الغناء
…
قال المروزي في تعظيم قدر الصلاة 587 : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد
بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله بن مسعود ،
قال : « الغناء ينبت النفاق في القلب »
السبب السابع من أسباب البراءة من النفاق : صدق الحديث والوفاء بالوعد
وإرجاع الأمانة
قال البخاري في صحيحه 33 : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ
كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ
وقال البخاري في صحيحه 2459 :حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ
كَانَ مُنَافِقًا أَوْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ
مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا
عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ
والفجور في الخصومة صار علامة على كثير من المنتسبين للعلم في هذا الزمان
والله المستعان
السبب الثامن من أسباب البراءة من النفاق : الحرص على تفهم القرآن
…
قال ابن أبي شيبة في المصنف 8828: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ
، قَالَ : حدَّثَنَا بَيَانٌ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ حُذَيْفَةُ
: إنَّ مِنْ أَقْرَأِ النَّاسِ مُنَافِقًا لاَ يَتْرُكُ وَاوًا ، وَلاَ أَلِفًا يَلْفِتُهُ
بِلِسَانِهِ كَمَا تَلْتَفِتُ الْبَقَرَةُ الْخَلاَ بِلِسَانِهَا ، لاَ يُجَاوَزُ تَرْقُوَتَهُ.
فهذا يحكم أحكام التجويد ولا يكاد ينسى ولكنه منافق لأنه لم يفهم القرآن
على فهم السلف ولم يجاوز ترقوته وكذا كان حال الخوارج
قال ابن بطة في الإبانة الكبرى 945 : حدثنا النيسابوري ، قال : نا يونس
، قال : نا ابن وهب ، قال : أنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاغان ، عن عقبة بن عامر الجهني
، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر منافقي
أمتي قراؤها .
قال الشيخ عبيد الله بن محمد
: فإن سأل سائل عن معنى هذا الحديث ، وقال : لم خص القراء بالنفاق دون غيرهم ؟ فالجواب
عن ذلك : إن الرياء لا يكاد يوجد إلا في من نسب إلى التقوى ، ولأن العامة والسوقة قد
جهلوه ، والمتحلين بحلية القراء قد حذقوه ، والرياء هو النفاق ، لأن المنافق هو الذي
يسر خلاف ما يظهر ، ويسر ضد ما يبطن ، ويصف المحاسن بلسانه ، ويخالفها بفعله ، ويقول
ما يعرف ، ويأتي ما ينكر ، ويترصد الغفلات لانتهاز الهفوات . وقال عبد الله بن المبارك
رحمه الله : هم الزنادقة ، لأن النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الزندقة
من بعده
السبب التاسع : الحرص على التبكير إلى الصلوات وجميع وجوه الخير
قال الله تعالى في شأن أهل النفاق : ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ
مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ
الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ )
السبب العاشر من أسباب البراءة من النفاق : كثرة ذكر الله عز وجل
قال الله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ
خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ
وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)
قال أحمد في الزهد 1562: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ
، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : {ولاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} قَالَ : إِنَّمَا
قَلَّ ؛ لأَنَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قال الحاكم في المستدرك 3565: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ
بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
، فَقَالَ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ مَنَامِي أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ
تُصَلِّي عَلَيْكَ كُلَّمَا دَخَلْتَ ، وَكُلَّمَا خَرَجْتَ ، وَكُلَّمَا قُمْتَ ،
وَكُلَّمَا جَلَسْتَ . قَالَ أَبُو أُمَامَةَ : اللَّهُمَّ غُفْرًا دَعُونَا عَنْكُمْ
وَأَنْتُمْ لَوْ شِئْتُمْ صَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ ، ثُمَّ قَرَأَ : {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.
وهذا إسناد صحيح
وقد بسط ابن القيم في الوابل الصيب فوائد الذكر بسطاً عجيباً لا تكاد تجده
في مكان آخر إلا مقتبساً منه ، فأنصح كل مسلم أن يقرأ هذا الكتاب بل حبذا لو قام كل
رب أسرة بقراءة هذا الكتاب العظيم مع أسرته فإن له أثراً طيباً في تهذيب النفوس
وبكثرة ذكر الخوارج لله , برأهم علي من النفاق
السبب الحادي عشر : التسليم لله ورسوله وترك الإحداث في الدين
قال مسلم في صحيحه 2413- [142-1063] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ
بْنِ الْمُهَاجِرِ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ ،
وَفِي ثَوْبِ بِلاَلٍ فِضَّةٌ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْبِضُ مِنْهَا ، يُعْطِي النَّاسَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اعْدِلْ ، قَالَ
: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ
إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: دَعْنِي ، يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : مَعَاذَ
اللهِ ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ
يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
وهذا هو أصل كل إحداث وهو إساءة الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم
يبلغ الدين كاملاً وأن الأمر بحاجة إلى تعديل أهل البدع وزياداتهم
قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ
آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ
يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)
وكذا هم البدع فمنهم من يتحاكم إلى العقل ، ومنهم يتحاكم إلى رأيه وقياسه
ويقدمه على الكتاب والسنة ، ومنهم من يتحاكم إلى الذوق والوجد
وقال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
وهذا حال أهل البدع
والمقام يحتمل أكثر من هذا والمراد هنا الإشارة
السبب الثاني عشر من أسباب البراءة من النفاق : ترك موالاة المشركين
قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ
لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ
مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )
والموالاة لها صور كثيرة من تركها أجمع بريء من هذه الشعبة من شعب النفاق
قال ابن عقيل: (إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى
زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء
الشريعة).
ومن أعظم صور الموالاة المنتشرة اليوم ما يسمى بحرية الاعتقاد والدعوة
للديمقراطية الغربية وأنها الخيار الأمثل اليوم
ومن صور الموالاة التشبه بهم في اللباس والمنطق والتأريخ ، ومن أراد أن
ينظر بسط المسألة فليقرأ اقتضاء الصراط المستقيم
وفي سورة الفاتحة التي نقرأها في كل ركعة من كل صلاة نسأل الله عز وجل
أن يجنبنا طريقهم فنقول ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم