فمن الأحكام
المستقرة المجمع عليها عند أهل العلم حكم قتل المرتد ، غير أنها اختلفوا في الاستتابة
على أنحاء
أولاً : في حكم الاستتابة هل هي واجبة أم مستحبة ؟
ثانياً : إلى كم تشرع الاستتابة ( مدة الاستتابة ) ؟
أما المسألة الأولى : فمن ذهب إلى الوجوب احتج بأثر عمر بن الخطاب الذي
رواه مالك في الموطأ 1414 – عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارىء عن أبيه
انه قال :قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره
ثم قال له عمر هل كان فيكم من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد إسلامه قال فما فعلتم
به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر أفلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه
لعله يتوب ويراجع أمر الله ثم قال عمر اللهم اني لم احضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني
وهذا الأثر ضعفه الألباني في الإرواء
قال الألباني في الإرواء (8/130) :” أخرجه مالك فى ” الموطأ
” (2/737/16) وعنه الشافعى (1484) والطحاوى (2/120) والبيهقى فى ” السنن
” (8/206) عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد القارى عن أبيه أنه قال:
” قدم على عمر بن الخطاب رجل…”.
هكذا وقع عندهم جميعا عن مالك عن عبد الرحمن عن أبيه , إلا الطحاوى فزاد
فيه من طريق ابن وهب عن مالك….” عن جده “.
وبذلك اتصل الإسناد , وبدونه يعتبر منقطعا ; لأن محمد بن عبد الله والد
عبد الرحمن من أتباع التابعين , أورده ابن أبى حاتم (3/2/300) فقال:
” هو جد يعقوب بن عبد الرحمن المدينى الأسكندرانى , روى عن أبيه عن
عمر وأبى طلحة , روى عنه الزهرى وابنه عبد الرحمن “.
وهكذا ذكر ابن حبان فى ” أتباع التابعين ” من ” الثقات
” (2/259).
لكن يؤيد القطع , أنه رواه يعقوب بن عبد الرحمن الزهرى فقال: عن أبيه عن
جده قال: ” لما افتتح سعد وأبو موسى (تستر) (1) أرسل أبو موسى رسولا إلى عمر
, فذكر حديثا طويلا , قال: ثم أقبل عمر على الرسول فقال: هل كانت عندكم مغربة خبر ؟
…”
أخرجه الطحاوى.
قلت: ويعقوب ثقة محتج به فى الصحيحين , فاتفاق روايته مع رواية الجماعة
عن مالك يرجح أن ذكر ” عن جده ” فى إسناد مالك شاذ , وأن الوصل غير محفوظ.
لكن قال ابن التركمانى: ” أخرج هذا الأثر عبد الرزاق عن معمر , وأخرجه
ابن أبى شيبة عن ابن عيينة كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن (!) بن عبد القارى عن أبيه
, فعلى هذا هو متصل , لأن عبد الرحمن (!) بن عبد سمع عمر “.
هكذا وقع عنده ” عبد الرحمن ” فى الموضعين والصواب ” عبد
الله ” كما وقع فى ” الموطأ ” وغيره.
وعلى كل , فإنه ولو فرض ثبوت اتصال الإسناد فإنه معلول بمحمد بن عبد الله
, فإنه لم يوثقه غير ابن حبان , فهو فى حكم مجهول الحال”
وقد أفتى الإمام أحمد بهذا الأثر فلعله احتمل ما في سنده لكونه موقوفاً
وهذا يبين لك الفرق بين منهج من تقدم في التعامل مع الآثار الموقوفة ومنهج بعض المعاصرين
وقد يستدل لهم أيضاً بما روى عبد الرزاق في المصنف 18710 – عَنِ ابْنِ
عُيَيْنَةَ , عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي , عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ , أَنَّ
الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ تَنَصَّرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ , فَبَعَثَ بِهِ عُتْبَةُ
بْنُ فَرْقَدٍ إِلَى عَلِيٍّ «فَاسْتَتَابَهُ , فَلَمْ يَتُبْ , فَقَتَلَهُ , فَطَلَبَتِ
النَّصَارَى جِيفَتَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا , فَأَبَى عَلِيٌّ وَأَحْرَقَهُ» قَالَ
ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ أَنَّ عَلِيًّا اسْتَتَابَهُ
, وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ , وَقَالَ: «إِنِّي أَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ» قَالَ:
وَأَنَا أَسْتَعِينُ الْمَسِيحَ عَلَيْكَ , قَالَ: فَأَهْوَى عَلِيٌّ إِلَى عُنُقِهِ
فَإِذَا هُوَ بِصَلِيبٍ فَقَطَعَهَا , وَقَالَ: «اقْتُلُوهُ عِبَادَ اللَّهِ» قَالَ:
فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلِيٌّ فِي الصَّلَاةِ قَدَّمَ رَجُلًا وَذَهَبَ ثُمَّ أَخْبَرَ
النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِحَدَثٍ أَحْدَثَهُ , وَلَكِنَّهُ مَسَّ هَذِهِ
الْأَنْجَاسَ , فَأَحَبَّ أَنْ يُحْدِثَ وُضُوءًا “
وهذا الأثر صحيح غير أنه أضعف في الدلالة على الوجوب من أثر عمر لأنه فعل
مجرد فلا يفيد الوجوب إلا بقرينة ، بخلاف قول عمر فإن فيه إنكاراً على من لم يستتب
واحتج القائلون بالوجوب بخبر منكر رواه الدارقطني 122 – نا إبراهيم بن
محمد بن علي بن بطحاء نا نجيح بن إبراهيم الزهري نا معمر بن بكار السعدي نا إبراهيم
بن سعد عن الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر أن أمرأة يقال لها أم مروان أرتدت عن
: الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يعرض عليها الإسلام فإن رجعت وإلا قتلت
ومعمر هذا لا يعرف ولا يحتمل منه التفرد بمثل هذا الخبر من طريق الزهري
عن ابن المنكدر !
وأما القائلون بالاستحباب دون الوجوب فحجتهم ما ساق ابن قدامة في المغني
(19/ 448) :” وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ
بْنِ عُمَيْرٍ ، وَطَاوُسٍ .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } .
وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِتَابَتَهُ .
وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاذًا قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ
رَجُلًا مُوثَقًا ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : رَجُلٌ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ
، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ دِينَ السَّوْءِ فَتَهَوَّدَ .
قَالَ : لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
.
قَالَ : اجْلِسْ .
قَالَ : لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
.
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِتَابَتَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ ، فَلَمْ
تَجِبْ اسْتِتَابَتُهُ كَالْأَصْلِيِّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ
، لَمْ يُضْمَنْ ، وَلَوْ حَرُمَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ ضُمِنَ”
وقد أجاب ابن قدامة على أدلتهم بقوله :” لَنَا حَدِيثُ أُمِّ مَرْوَانَ
، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تُسْتَتَابَ .
وَرَوَى مَالِكٌ ، فِي ” الْمُوَطَّأِ ” عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هَلْ
كَانَ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ ،
فَقَالَ : مَا فَعَلْتُمْ بِهِ ؟ قَالَ : قَرَّبْنَاهُ ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ .
فَقَالَ عُمَرُ : فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا فَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ
يَوْمٍ رَغِيفًا ، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ ، لَعَلَّهُ يَتُوبُ ، أَوْ يُرَاجِعُ أَمْرَ
اللَّهِ ؟ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ ، وَلَمْ آمُرْ ، وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي
.
وَلَوْ لَمْ تَجِبْ اسْتِتَابَتُهُ لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ .
وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِصْلَاحُهُ ، فَلَمْ يَجُزْ إتْلَافُهُ قَبْلَ
اسْتِصْلَاحِهِ ، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ .
وَأَمَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِهِ ، فَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ
، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا .
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِيهِ : وَكَانَ قَدْ اُسْتُتِيبَ
.
وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَتَابَهُ شَهْرَيْنِ قَبْلَ قُدُومِ
مُعَاذٍ عَلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : فَدَعَاهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، أَوْ قَرِيبًا
مِنْ ذَلِكَ ، فَجَاءَ مُعَاذٌ ، فَدَعَاهُ وَأَبَى ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ ، بِدَلِيلِ
نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ وَشُيُوخِهِمْ “
قد تبين لك أن أثر عمر وحديث أم مروان كلاهما لا يصح ، وفعل أبي موسى المجرد
لا يدل على وجوب بل أنكر عليه معاذ تطويل مدة الاستتابة
ولذا أميل إلى القول باستحباب الاستتابة دون وجوبها، والقول بالوجوب له
قوته لحرص ابن مسعود وعلي عليها
المسألة الثانية : في مدة الاستتابة
ذهب كثير من الفقهاء إلى الاستتابة ثلاثة أيام عملاً بأثر عمر
وقد تقدم معنا في أثر علي أنه أمره باستتابته فإن تاب وإلا قتل ولم يحدد
لذلك أياماً وهذا يقوي مذهب الشافعي في أنه يستتاب فإنْ تَابَ فِي الْحَالِ ، وَإِلَّا
قُتِلَ مَكَانَهُ ، وهذا ظاهر صنيع علي
وخبر معاذ مع أبي موسى يدل على هذا المعنى وأنه لا يمهل أياماً
قال مسلم في صحيحه 4745- [15-…] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ
، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، وَاللَّفْظُ لاِبْنِ حَاتِمٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ
بْنُ هِلاَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو مُوسَى : أَقْبَلْتُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ
، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي ، وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي ، فَكِلاَهُمَا سَأَلَ الْعَمَلَ
، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ ، فَقَالَ : مَا تَقُولُ
يَا أَبَا مُوسَى ؟ ، أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا ، وَمَا شَعَرْتُ
أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ ، قَالَ : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ
شَفَتِهِ ، وَقَدْ قَلَصَتْ ، فَقَالَ : لَنْ ، أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا
مَنْ أَرَادَهُ ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى ، أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ
بْنَ قَيْسٍ ، فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ، قَالَ : انْزِلْ ، وَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً وَإِذَا
رَجُلٌ عِنْدَهُ : مُوثَقٌ : قَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا كَانَ يَهُودِيًّا
فَأَسْلَمَ ، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ دِينَ السَّوْءِ فَتَهَوَّدَ ، قَالَ : لاَ أَجْلِسُ
حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَقَالَ : اجْلِسْ ، نَعَمْ ، قَالَ
: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَأَمَرَ
بِهِ فَقُتِلَ ، ثُمَّ تَذَاكَرَا الْقِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
، مُعَاذٌ : أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ ، وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو
فِي قَوْمَتِي.
وقال الشاشي في مسنده 683 – حدثنا عيسى بن أحمد ، أنا يزيد بن هارون ،
نا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، أتى ابن مسعود رجل فقال : إني مررت
بمسجد من مساجد بني حنيفة ، فسمعت يقرأ فيها بقراءة ما أنزلها الله على محمد عليه السلام
قال : ما يقولون ؟ قال : يقولون : والطاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا
، والثاردات ثردا ، واللاقمات لقما ، فأرسل إليهم عبد الله ، فأتى بسبعين منهم ، وأميرهم
عبد الله بن النواحة ، فقال له عبد الله : « ألم تكن تخبرنا أنك على ديننا ؟ » قال
: بلى ، ولكن كنت أسر هذا قال : فأمر به عبد الله فضربت عنقه ، ثم نظر إليهم فقال
: « ما نحن بمحدري هؤلاء الشياطين ، أجلوهم إلى الشام ، فإما أن يفنيهم الله تعالى
بالطاعون ، وإما أن يتوب على من يشاء أن يتوب عليهم »
وهذا إسناد قوي ، وقد قتل ابن النواحة دون استتابة وقد وردت الاستتابة
في خبر آخر
قال الطبراني في الكبير 8960 – حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا
المسعودي عن القاسم قال : أتي عبد الله فقيل له : يا أبا عبد الرحمن إن ههنا ناس يقرأون
قراءة مسيلمة فرده عبد الله فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم أتاه فقال : والذي أحلف به
يا أبا عبد الرحمن لقد تركتهم الآن في دار وإن ذلك المصحف لعندهم فأمر قرظة بن كعب
فسار بالناس معه فقال : ائت بهم فلما أتى بهم قال عبد الله : ما هذا بعد استفاض الإسلام
؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن نستغفر الله ونتوب إليه ونشهد أن مسيلمة هو الكذاب المفتري
على الله ورسوله قال : فاستتابهم عبد الله وسيرهم إلى الشام وإنهم لقريب من ثمانين
رجلا وأبى ابن النواحة أن يتوب فأمر به قرظة بن كعب فأخرجه إلى السوق فضرب عنقه وأمره
أن يأخذ رأسه فيلقيه في حجر أمه قال عبد الرحمن بن عبد الله : فلقيت شيخا منهم كبيرا
بعد ذلك بالشام فقال لي : رحم الله أباك والله لو قتلنا يومئذ لدخلنا النار كلنا
هذا الخبر يرويه القاسم عن أبيه بدليل ذكره في آخر ، وقد ذكر أباه في سند
الحاكم 8960 ، وإسناد الخبر قوي
وهنا ذكر قتل ابن النواحة بعد الاستتابة وفعل ابن مسعود كفعل علي ، وهذه
الرواية تفسر لنا سبب عدم قتل ابن مسعود للبقية في الرواية السابقة ، وهي أنهم أظهروا
التوبة ولكنه شك في أمرهم فنفاهم إلى الشام
والخلاصة أن المذهب الأقوى في المسألة هو أحد قولي الشافعي وهو أن المرتد
يستتاب فإن تاب وإلا قتل في الحال لا يلزم إمهاله ، وذلك لفعل علي وابن مسعود وعدم
صحة الخبر المخالف عن غيرهم من الصحابة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم