منع بناء الكنائس هل هي فكرة عثمانية ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

انتشر فيديو لبعض الشباب صانعي الفيديوهات المحسوبين على الإسلاميين ممن يسيطر على عقولهم الكثير من القيم العالمانية

وزعم أن المنع من بناء الكنائس في ديار المسلمين فكرة عثمانية ! وأن الليث بن سعد أجاز بناء الكنائس في مصر

والذي عند العلماء أن البلد إذا فتحت صلحاً تقر كناؤسها واختلفوا في ترميمها وأما البلاد التي مصرها المسلمون والتي فتحت عنوة فلا تبنى فيها الكنائس إجماعاً

قال ابن المنذر في الأوسط :” وَإِن كَانَ بِمصْر الْمُسلمين لَهُم كَنِيسَة، أوبناء طائل كبناء الْمُسلمين، لم يكن للْإِمَام هدمها وَلَا هدم بنائهم، وَترك كلا على مَا وجد عَلَيْهِ، وَمنع من إِحْدَاث الْكَنِيسَة” وقد نقل على هذا المعنى اتفاق العلماء فليس الأمر مختصاً بالعثمانيين واليوم الناس يستثقلون هذا لأنه أفهموهم بأن الدولة ينبغي أن تتعامل مع الدين على أنه قيمة محايدة لا يحصل فيه تفرقة بين الناس على أساسه ويا ليت شعري كيف أمر يترتب عليه دخول الجنة أو دخول النار يكون قيمة محايدة فإذا كان الدولة مبنية على أساس ديني كان من المعقول المفارقة بين الناس على هذا الأساس والدين أمر يمكن تغييره بخلاف القيم الاضطرارية من اللون والجنس وسمات الجسد ، والقوم الذين يبحيون بناء المساجد في ديارهم ما أباحوها إلا بعدما ملأت الكنائس والحملات التنصيرية بلداننا وصار الدين أمراً محايداً فالخمارات ودور الدعارة وغيرها تملأ بلدانهم أيضاً فالدين والأخلاق صارت قيماً محايدة ونحن نظرتنا للحياة تختلف جذرياً فلا نلزم بما يلتزمون

وغاية ما اعتمدوه فيما نسبوه لليث بن سعد ما ورد في كتاب ولاة مصر للكندي :” ثم وليها موسى بن عيسى بن موسى بن محمد من قبل أمير المؤمنين هارون الرشيد على صلاتها فجعل على شرطه أخاه إسماعيل بن عيسى، فسخط ذلك، فعزله وولى عسامة بن عمرو، ثم أذن موسى بن عيسى للنصارى في بنيان الكنائس التي هدمها علي بن سليمان، فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، وقالا: هو من عمارة البلاد.
واحتجا أن عامة الكنائس التي بمصر لم تبن إلا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين

والكندي لا يعرف بتوثيق وهو عاش في زمن كافور الاخشيدي فهو لم يدرك هذه الحقبة وروايته فيها نظر تاريخياً فالنصارى لهم كنائس كثيرة قبل الصحابة والتابعين فالرواية إما تدفع أو تحمل على أنها كنائس في أرض فتحت صلحاً ( والليث يرى أن مصر كلها فتحت صلحاً إلا الاسكندرية ) وأطلقوا على الترميم بناء تجوزاً فمن الكنائس كنيسة بابليون في قبليّ قصر الشمع بطريق جسر الأفرم وهذه الكنيسة قديمة جدًّا وهي لطيفة ويذكر أن كنيسة تاودورس الشهيد: بجوار بابليون نسبت للشهيد تاودورس الاسفهسلار.)
وغيرها من الكنائس

ومن اللطيف أن أشهر الأخبار التي يستدل بها العلماء على المنع من بناء الكنائس في ديار الإسلام هي من رواية الليث بن سعد وابن لهيعة !

وذلك ما رواه الإمام أحمد قال: ثنا حماد بن خالد الخياط أخبرنا الليث بن سعد عن توبة بن نمر الحضرمي قاضي مصر عمن أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خِصَاء في الإسلام ولا كنيسة.

وهو في كتاب الأموال

وهناك رواية عن عمر رواها ابن زنجوية في الأموال 399 – حدثني أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، قال: قال عمر بن الخطاب: لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء.

وعلى هذه الأخبار إجماع العلماء على ما فصلت وأجاز بعض المالكية للنصارى البناء في دار للنصارى تحت حكم المسلمين لا يسكنها غيرهم وأما ديار المسلمين وما فتحوه عنوة وما مصروه فلا تبنى فيه كنيسة قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة :” فلو أقرهم الإمام على أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة أو يظهروا فيها خمرا أو خنزيرا أو ناقوسا لم يجز، وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان العقد والشرط فاسدا، وهو اتفاق من الأمة لا يعلم بينهم فيه نزاع