معالم التوحيد في حديث الأعمى

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن خزيمة في صحيحه 1219 : حدثنا محمد بن بشار و أبو موسى قالا : حدثنا
عثمان بن عمر نا شعبة عن أبي جعفر المدني قال : سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان
بن حنيف : أن رجلا ضرير أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أدع الله أن يعافيني
قال : إن شئت أخرت ذلك وهو خير وإن شئت دعوت قال أبو موسى قال : فادعه وقالا فأمره
أن يتوضأ

 قال بندار : فيحسن وقالا : ويصلي
ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا
محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه في زاد أبو موسى : وشفعني
فيه قال : ثم كأنه شك بعد في : وشفعني فيه

هذا الخبر كثيراً ما يستدل به القبورية على التوسل والاستغاثة .

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة جليلة غلطهم في الاستدلال ، وأن
الحديث في باب طلب الدعاء من الحي القادر وهذا لا يمنع منه أحد مطلقاً ، وإنما كره
جماعة من أهل العلم المداومة لما يجر من الاعتقاد بالحي

غير أن المتأمل في متن الحديث يجد فيه رداً بليغاً عليهم

فملخص القصة أن رجلاً أعمى طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله
له أن يرد بصره

فهل أجابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يريد رأساً ؟

الجواب : لا

بل خيره بين الصبر وبين أن يدعو له فاختار الدعاء فهل أجابه مباشرة ودعا
له ؟

الجواب : بل أمره أن يتوضأ ويصلي ويتوجه هو أيضاً إلى الله عز وجل بالدعاء
ولا يعتمد على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بل أبلغ من ذلك كله أنه أمره أن يقول
في دعائه (اللهم شفعه في ) فأمره أن يدعو الله عز وجل أن يقبل الله دعاء النبي صلى
الله عليه وسلم فيه

فلما برء كان ذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وبركة دعائه هو
أيضاً !

ولكي يتضح لك الأمر أكثر أمثل لك بمثال : لو جاءك رجل وقال لك ( ادع لي
يا شيخ ) فقلت له : ادع الله أن يقبل دعائي فيك ، لتفطن الرجل إلى أنه ما دام دعاء
الرجل قد لا يقبل إلا بدعائي ، فلم لا أدعو الله عز وجل مباشرة في حاجتي ، وفي من الانكسار
والحرارة في طلب الحاجة ما به تستمطر الرحمة

قال الله تعالى : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )

جاء في تفسير ابن رجب (2/12) :” روى الإمامُ أحمدُ – رحمه اللَّه
تعالى – في كتابِ “الزهد” بإسنادِهِ عن

عمرانَ القصير قال: “قال موسى بنُ عمرانَ – عليه السلام -:

أي ربِّ أين أبغيكَ؟

قال: ابغِني عندَ المنكسرةِ قلوبُهم، إنَّي أدنو منهُم كل يومٍ باعًا،
ولولا

ذلكَ لانهدمُوا”.

وروى إبراهيمُ بن الجُنَيد – رحمه اللَّه تعالى – في كتابِ “المحبةِ”:
عن

جعفر بنِ سليمانَ قال: سمعتُ مالكَ بنَ دينار يقول: “قال موسى – عليه

السلام -: إلهي أين أبغيكَ؟ فأوحَى اللَّهُ عز وجلَّ إليه: أن يا موسى
ابغني

عند المنكسرةِ قلوبُهم، فإني أدنُو منهم في كلِّ يومٍ وليلةٍ باعًا ولولا
ذلك

لانهدمُوا، قال جعفر: فقلتُ لمالكِ بن دينار: كيف المنكسرةُ قلوبُهم؟

فقال: سألتُ الذي قرأ في الكتب فقال: سألتُ الذي سألَ عبد الله بن سلام

فقال: سألت عبدَ اللَّهِ بنَ سلامِ عن المنكسرةِ قلوبُهم ما يعني؟

قال: المنكسرةُ قلوبُهم بحبِّ اللهِ عز وجل عن حبِّ غيرهِ “.

وقد جاءَ في السنةِ الصحيحةِ ما يشهدُ لقربِ اللَّهِ من القلبِ المنكسرِ
ببلائِهِ

الصابِرِ على قضائِهِ أو الراضِي بذلكَ، كما في “صحيح مسلم
” عن أبي

هريرةَ – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:

“يقولُ اللَّه عز وجل يومَ القيامةِ: يا ابنَ آدمَ مرضتُ فلم

تَعُدْني، قال: يا رب كيف أعودُك وأنتَ رب العالمينَ؟

قال: أمَا علمتَ أن عبدي فُلانًا مرضَ فلم تَعُدْه، أما عِلمْت أنَّكَ
لو عُدتَهُ لوجَدْتني عندَهُ “

وهؤلاء القبورية فمن منهم إذا جاءه عامي وقال ( ادع لي ) ، فهل سيقول له
اذهب وتوضأ وصل وادع الله أن يقبل دعائي فيك

فلم يهجرون هذه السنة ، وما دل عليه الحديث دلالة مطابقة ، مع إدخالهم
في معناه ما ليس منه وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي أمر الأعمى أن يدعو
الله أن يقبل الله دعاءه فيه ، فأنتم أولى بذلك فدعاؤكم أبعد عن الإجابة

وهل القبوري إذا ذهب يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ( ولا دلالة في
الحديث على الاستغاثة ) يذهب بعد ذلك ويصنع كما صنع الأعمى من الوضوء والصلاة والدعاء
أن يقبل الله إغاثة النبي صلى الله عليه وسلم له ؟!

فتأمل كيف أن هذا الحديث الذي بالغوا في نشره وألفوا فيه الرسائل المفردة
فيه النقض المبرم لمسالكهم الردية

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم