مسألة في المعارف القبلية

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

القول بنفي المعارف القبلية يلزم منه تصويب قول من قال أنه لا يصح إيمان أحد حتى يستدل هذا أمر مقطوع به إذا كان مبدأ المعارف من الحس لا طريق لتحصيل الإيمان إلا بالاستدلال الذي مبدأه من نظر حسي يقترن بمباديء عقلية فينتج نتيجة

قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/406) :” وذكر غير واحد أن هذا قول جمهور المسلمين، كما ذكر ذلك أبو محمد بن حزم في كتابه المعروف بـ الفصل في الملل والنحل فقال في مسألة: (هل يكون مؤمناً من اعتقد الإسلام دون استدلال، أم لا يكون مسلماً إلا من استدل؟) .
قال: (وذهب محمد بن جرير والأشعرية إلا أبا جعفر السمناني إلى أنه لا يكون مسلماً إلا من استدل، وإلا فليس مسلماً) .
قال: (وقال الطبري: من بلغ الاحتلام أو الإشعار من الرجال أو النساء، أو بلغ المحيض من النساء، ولم يعرف الله بجميع أسمائه وصفاته من طريق الاستدلال، فهو كافر حلال الدم والمال: وقال إنه أذا بلغ الغلام أو الجارية سبع سنين وجب تعليمهما وتدريبهما على الاستدلال على كل ذلك) .
قال: (وقالت الأشعرية: لا يلزمهما الاستدلال على ذلك إلا بعد البلوغ) قال: وقال سائر أهل الإسلام: كل من اعتقد بقلبه اعتقاداً لا يشك فيه، وقال بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن كل ما جاء به حق، وبرىء من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه مسلم مؤمن، ليس عليه غير ذلك.

تعليق ابن تيمية
قلت: القول الأول هو في الأصل معروف عمن قاله من القدرية والمعتزلة ونحوهم من أهل الكلام، وإنما قاله من قاله من الأشعرية موافقة لهم، ولهذا قال أبو جعفر السمناني: القول بإيجاب النظر بقية بقيت في المذهب من أقوال المعتزلة، وهؤلاء الموجبون للنظر يبنون ذلك على أنه لا يمكن حصول المعرفة الواجبة إلا بالنظر، لا سيما القدرية منهم، فإنهم يمنعون أن يثاب العباد على ما يخلق فيهم من العلوم الضرورية، وليس إيجاب النظر على الناس هو قول الأشعرية كلهم، بل هم متنازعون في ذلك”

تأمل أن الشيخ ينسب للمعتزلة أنهم يقولون بأنه لا يمكن حصول المعرفة الواجبة إلا بالنظر _ يعني الاستدلال _ وهذا القول أهون من قول نفاة المعارف القبلية مطلقاً لأنهم يثبتون وجود معارف أولية بدون استدلال ولكنها ليست الواجبة التي ينبني عليه الثواب والعقاب فهم معترفون بوجود علوم ضرورية لا تفتقر إلى أي نوع من الاستدلال