مروءة صاحب حديث

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

مروءة صاحب حديث

قال عفان: سمعت شعبة يقول: لولا حوائج لنا إليكم ما جلست لكم.
قال عفان: وكان حوائجه يسأل لجيرانه الفقراء.
[ مسند ابن الجعد ٤١ ]

وفِي «النوادر والنتف» لأبي الشيخ الأصبهاني أنه كان يقول لأهل الحديث: لي جيران فقراء فلا أحدثكم حتى تتصدقوا عليهم

قال مسلم بن إبراهيم: كان شعبة إذا قام في مجلسه سائل لا يحدث حتى يعطى.
فقام يوم سائل ثم جلس.
فقال: ما شأنه ؟
فقالوا: ضمن عبد الرحمن بن مهدي أن يعطيه درهما.
[ مسند ابن الجعد ٢٧ ]

قال يحيى بن سعيد: كان شعبة من أرق الناس كان ربما مر به السائل فيدخل إلى بيته فيعطيه ما أمكنه.
[ مسند ابن الجعد ٢٢ ]

شعبة بن الحجاج من طبقة مالك بن أنس وسفيان، وكان في المحدثين مثل مالك في الفقهاء، هو إمام الصنعة في الجرح والتعديل، واسمه مهيب، وشدته على الرواة الضعفاء معروفة.

فسبحان الله! من ينظر في أحواله مع المساكين لا يراه وهو شديد مع الوضاعين والضعفاء.

ولكنك لو تدبرت لوجدت أن الأمر كله بابه واحد، فصدقته على المساكين احتساباً وكلامه في الرجال احتساباً.

كشأن أبي بكر الصديق، كان أرق أصحاب رسول الله ﷺ حتى احتجَّت ابنته عائشة بكثرة بكائه على منعه من الصلاة بالناس، ثم بعد ذلك هو قائد حروب الردة.

وهذا الاتزان العجيب كان مشهوراً في أعيان السلف، وأما اليوم: فالناس إما لين لا ينضبط وإما شدة لا تنضبط، وقليل من يتَّزن ويضبط نفسه بالوحي وأولئك هم المُوفَّقون.