أرسل لي بعض الأخوة تغريدات لبعض الحسابات الشهواتية بإطار شرعي والتي قررت حرب كل التراث لأنه ضد شهواتهم فبدأ الأمر من الغناء وانتهى إلى الطعن في الصحيحين فأورد صاحب الحساب أحاديث في الصحيحين فيها ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على بعض الناس وسب بعض الناس
ثم عارض بينها وبين قوله تعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وقوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
وهذه شبهة مشهورة في المواقع التنصيرية ومواقع الروافض والروافض في العادة يعترضون على كون قوله تعالى ( عبس وتولى ) نزل في النبي صلى الله عليه وسلم وعامة محققيهم يقولون أن الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم ويردون على الاعتراضات الضعيفة في الباب
والجواب على هذه الشبهة سيكون مفيداً في إصلاح خلل مشهور عندنا في فهم الخلق الحسن والرحمة وأن ذلك يوازي اللين مطلقاً
قال الله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم )
وقال الله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)
فهل غلظ النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين تنافي الخلق العظيم والرحمة ، وهل إقامته للحدود تنافي ذلك ؟
في الواقع هي لا تنافيها بل هي منها فإن الحدود كفارات فهي رحمة ، والغلظة على الكافر والمنافق رحمة وعزة للمؤمن وتحذير له عن مسالكهما بل رحمة بالكافر والمنافق نفسه لئلا يستمر على هذا الشيء الذي سيؤدي إلى هلاكه الأبدي ، فالناس يأخذون الأدوية المرة استحساناً لما ينتج عن ذلك من الشفاء ويستسحنون بتر بعض الأعضاء إذا كان في ذلك سلامة الجسد كله
وكما قلنا الحدود رحمة وكفارة مع ما فيها من الشدة نقول في حديث ( اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة ) فيصير سب النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر عارض نادر جداً بمنزلة الحد الشرعي شيء فيه غلظة ولكنه فيه كفارة أيضاً وقد ورد ذلك صريحا في لفظ ( فاجعله له كفارة ) وأيضا قوله صلوات الله وسلامه عليه : إنما أنا بشر . ولولا هذا المعنى لما كان الاقتداء به ممكنا بل هو بشر يعتريه ما يعتري البشر ولكنه لا يحيد عن الصلاح فهو يسهو ويصلح سهوه ويغضب ويتحالم صلوات الله وسلامه عليه وهذا موسى من أولي العزم المطلوب الاقتداء بهم أخذ برأس أخيه حمية لتوحيد الله
وهذا الفهم التجريدي لمعنى ( الرحمة ) و ( حسن الخلق ) هو الذي جعل النصارى في حرج من العهد القديم في كتابهم المقدس الذي فيه عقوبات الأقوام الذين كفروا وجعلهم في حرج من بعض نصوص الإنجيل كقوله ( فاذبحوهم قدامي ) وهو الذي سلط عليهم بعض الفلاسفة مثل نيتشة والذي زعم أن الأخلاقية النصرانية غير واقعية ولا تحقق العدل وأنها تنظر للجاني على أنه ضحية وتنسى المجني عليه ، هذه النظرة لا زالت موجودة فيما يسمونه بالإنسانية وهي مسيحية نزع منها اسم المسيح في هذا السياق وتأثر بهذه الناس الكثير من المنتسبين للإسلام وهي نظرة تتناسى صفات الجلال لله عز وجل وتركز على صفات الجمال فحسب ، والواقع أن الأنبياء كمالهم في عبوديتهم لله بأسماء الله كلها المتضمنة للجلال والمتضمنة للجمال بل كل جلال جمال وكل جمال جلال
والخلاصة أن هذا الاعتراض على الأحاديث ينتهي بالاعتراض على القرآن ثم بالاعتراض على ما تقتضيه ضرورة العقل