مبحث متعلق بالأسماء الحسنى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أرسل إلي أحد الأخوة مبحثا لبعض الناس حول موضوع أسماء الله الحسنى وهل هي قديمة أم لا مع القطع أنها غير مخلوقة وقال أَن إنكار السلف على من قال بمخلوقيتها وتكفيرهم له ليس يقتضي القول بقدمها وكأنه يقيسها على صفة الكلام التي فيها جعفر الصادق : القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق وإنما كلام الله ( يعني فعله وليس هو المفعول ولا الفاعل )

وهذا البحث قد يبدو معقدًا ولكن تبسيطه في أَن الله تعالى فاعل وله فعل يقوم في ذاته وله مفعولات منفصلة بمعنى مخلوقات

أفعاله غير مخلوقة لأنها تقوم في ذاته وليس شيء منه مخلوق والا اجتمع النقيضان وهذا محل اتفاق ومفعولاته مخلوقة مباينة والنصوص بينت الفرق بين الأمرين

( ألا له الخلق ) المفعولات.

(والأمر ) الأفعال

( إنما أمره إذا أراد شيئًا أَن يقول له كن فيكون )

( كن ) فعل ( فيكون ) المفعول

(فلما آسفونا ) يعني أغضبونا فعل ( انتقمنا منهم ) مفعول فيهم

ولا يوجد فعل بدون مفعول وهذا الأكمل المتكلمون نازعوا في وجود فعل اختياري قائم بالذات والفلاسفة القائلين بقدم العالم نازعوا في وجود الفعل والمفعول والنصارى جعلوا المسيح القائم بذاته ( المفعول ) هو نفس الفعل والفاعل فهو آب وابن وكلمة متأنسنة وذلك أعظم السفسطة

هذه المقدمة لا بد منها بين يدي المسألة حتى يفهم الناس ما نحن فيه وقد حكيت الكلام على طريقة العرب في لسانهم فاعل وفعل ومفعول لأن ذلك أقوم في الذهن من لسان أرسطو وعمدا أفعل للبعد عن سفسطة القوم ففصاحة العرب ليست ألفاظًا مجردة بل ألفاظًا ومعاني

البحث المطروح في أسماء الله هل هي قديمة أم لا بحث ما بحثه السلف الأوائل بهذه الطريقة بل هو إلى الأغاليط أقرب كما وصف الطبري بحث الإسم والمسمى

فهذا الباحث افترض أَن اسم الله هو نفس التسمية والتسمية لها بداية ونهاية والتسمية ( فعل ) والواقع أَن الإسم هو مجموع التسمية والمعنى القديم الذي تدل عليه التسمية فاسم القدير يدل على صفة قديمة بمعنى لم يسبقها عدم وحتى الصفات الفعلية جنسها قديم وهذا في النصوص ( وكان الله سميعًا بصيرا ) لم يزل كذلك

فالتسمية ( الفعل ) كلام الله القائم بذاته اختيارًا والمسمى هو المعنى القائم الذي دل عليه الاسم ولهذا يقال أسماء الله أعلام ونعوت لهذا هي الأسماء الحسنى لدلالتها على معاني حقيقية في الخارج وهي علم على الذات فَلَو أعلاما مجردة لصح الإشكال

لهذا هذه الأسماء لا يقال عنها ( فعل ) بل يقال ( اسم فاعل ) أعلام على ذاته والفاعل هو القائم بذاته وفي القائم بذاته لا يوجد شيء يقال عنه حادث وليس بمخلوق فهذا خاص في الأفعال القائمة بالذات العلية بل الفاعل إما خالق أو مخلوق إما فاعل أو مفعول به لا يكون فعلا أبدًا وهذا الباحث غلط فأسقط على الفاعل صفة الفعل وخرج بهذا البحث المحدث ( هل يقال أسماء الله غير مخلوقة وليست قديمة ) ! والتحرز هنا وعدم الإطلاق هو نظير تحرزهم في مبحث اللفظ بالقرآن وعدم إطلاق المخلوقية أو عدمها لاشتمال اللفظ على معنيين متداخلين كمثل أمر الاسم مع التنبيه على إطلاق الجهمية الذين يريدون به نفي الصفات الفعلية

ولهذا السلف ما كانوا يطلقون أَن الإسم غير المسمى فيقولوا أنها أعلام فقط والجهمية كانوا يقولون هذا ويقصدون أَن الاسم مخلوق لأنهم أصلا لا يثبتون لله فعلا اختياريا غير مخلوق يرجع إليه ابتداء التسمية فهم حصروا الاسم بالتسمية ثم انتهوا إلى هذا ، وما كان السلف يقولون الاسم هو المسمى بمعنى أنه نعوت فقط ومن قاله من السلف قصد أَن الأسماء دالة على معنى قديم وأما من قاله ممن تأثر بأصل الجهمية فهو ممن يأبى إثبات الأفعال الاختيارية وأراد الهروب من القول بخلق الأسماء الذي يلزمه إن قال الاسم غير المسمى وإنما كانوا يقولون ما في القرآن الاسم للمسمى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) فتضمن ذلك إثبات أنها أعلام ( الأسماء ) ونعوت ( الحسنى ) وأنها علم على الذات ( فادعوه بها )

ولهذا السلف كانوا يشتدون على الجهمية القائلين بأن أسماء الله مخلوقة ويقولون هذا كفر أظهر من الشمس لأنه يقتضي جواز دعاء المخلوق وتسبيحه وغير ذلك من الكفر الذي يعظم علي كتابته وما كنت أحب الكتابة في هذا نهائيًا لولا أَن الأمر أحدث تشويشا بين الناس ودائما أوصي أَن تدرس العقيدة السلفية على طريقة السلف لا طريقة المتكلمين ويكتفى بنقض كلام المتكلمين فيما خالفوا فيه طريقة السلف لا أَن تقلد طريقتهم في تتبع الأغلوطات وتوليد الاعتراضات تلو الاعتراضات والتفنن في طرح الوساوس والإشكالات