ما من مبطل إلا وفي القرآن ما يرد باطله

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الهروي في ذم الكلام 197 – أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرْبَرِيُّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ حَدَّثَنَا
وَهِيبٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ مَا أَحَدٌ
مِنْ أَصْحَابِ الَأَهْوَاءِ إِلَا فِي الْقُرْآنِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّا
لَا نَهْتُدَي لَهُ

سعيد بن هبيرة مجروح بكلام شديد غير أن معنى الأثر صحيح

وقال الخلال في السنة 914- قَالَ حَنْبَلٌ : وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ حَرْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ دَاوُدَ , عَنِ الشَّعْبِيِّ
, قَالَ : مَا ابْتُدِعَ فِي الإِسْلاَمِ بِدْعَةٌ إِلاَّ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ مَا يُكَذِّبُهُ.

وهذا إسناد صحيح

وقال الخلال في السنة 912- أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى , أَنَّ حَنْبَلَ
بْنَ إِسْحَاقَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَنُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ
, خَيْرِهِ وَشَرِّهِ , قَالَ : وَمَنْ قَالَ بِالْقَدَرِ وَعَظَّمَ الْمَعَاصِيَ فَهُوَ
أَقْرَبُ , مِثْلُ الْحَسَنِ وَأَصْحَابِهِ .

 قُلْتُ : مَنْ مِنْ أَصْحَابِ
الْحَسَنِ ؟ قَالَ : عَلِيُّ الرِّفَاعِيُّ , وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ , وَنَحْوُهُمْ
, وَمَنْ قَالَ بِالإِبْطَالِ بِالرُّؤْيَةِ كَانَ أَشَدَّ قَوْلاً وَأَخْبَثَ .

 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَنُظَرَاؤُهُ يَقُولُونَ بِهَذَا : ثُمَّ قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ : فِي الْقُرْآنِ كَذَا وَكَذَا مَوْضِعٌ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ
, قُلْتُ : فَالَّذِي يَلْزَمُ الْقَدَرِيَّةَ , قَالَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
, {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} , وَقَالَ : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} , وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , وَلَوْ تَدَبَّرَ إِنْسَانٌ الْقُرْآنَ
كَانَ فِيهِ مَا يَرُدُّ عَلَى كُلِّ مُبْتَدِعٍ بِدْعَتَهُ.

موطن الشاهد قول أحمد ( وَلَوْ تَدَبَّرَ إِنْسَانٌ الْقُرْآنَ كَانَ فِيهِ
مَا يَرُدُّ عَلَى كُلِّ مُبْتَدِعٍ بِدْعَتَهُ)

وقال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (5/57) :” فالقرآن قد
دل على جميع المعاني التي تنازع الناس فيها دقيقها وجليلها كما قال الشعبي ما ابتدع
أحد بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها وقال مسروق ما نسأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه
في القرآن ولكن علمنا قصر عنه “

وهذا يدل على عظيم عنايتهم بكتاب الله عز وجل في الرد على أهل الباطل خلافاً
لشقشقات من شقشق

وليكن مقدمة هذا عند المرء المسلم أن يعلم بعض الأدلة التي استفيد منها
قواعد كلية تنقض بها جميع البدع

قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )

فما لم يكن آنذاك ديناً فليس اليوم بدين فالدين قد اكتمل ولا يحتمل الزيادة

وقال الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

فدل على أنه ليس لأحد أن يستغل بفهمه للقرآن اعتماداً على معرفته باللغة
دون النظر في السنة المبينة فإذا كان الصحابة وهم العرب الأقحاح قد احتاجوا إلى بيان
النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن جاء بعدهم فليس لأحد أن ينتزع من القرآن أمراً
ما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا الأئمة المهديون

قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

فهذه الآية نص في اتباع السابقين الأولين وأن سبيلهم هو الصراط المستقيم

قال الله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ
أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ
الْفَاسِقُونَ)

فجعل خيرية هذه الأمة مرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يتصور
في السابقين الأولين أن يتكلم أحد بين ظهرانيهم بمنكر ويسكتوا عليه أو أن يضيع المعروف
بينهم فلا يأمر به أحد

فأي استدلال لمبطل خارج عن هذه الأصول الكلية فهو من اتباع المتشابه ،
وهذه الأصول الكلية تنقض على كل مبتدع بدعته ، مع ما في القرآن من النقض على كل مبتدع
بخصوصه علمه من علمه وجهله من جهله

قال الشاطبي في الاعتصام (1/234) :” وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ
لَا تَجِدُ مُبْتَدِعًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إلى الملة إِلَّا وَهُوَ يَسْتَشْهِدُ عَلَى
بِدْعَتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَيُنْزِلُهُ عَلَى مَا وَافَقَ عَقْلَهُ وَشَهْوَتَهُ،
وَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي الْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا،
قَالَ تَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} ، وَقَالَ: {كَذَلِكَ
يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ، لَكِنْ إِنَّمَا يَنْسَاقُ
لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَشَابِهُ مِنْهَا لَا الْوَاضِحُ، وَالْقَلِيلُ مِنْهَا
لَا الْكَثِيرُ ، وَهُوَ أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْمُعْظَمَ
وَالْجُمْهُورَ مِنَ الْأَدِلَّةِ إِذَا دَلَّ عَلَى أمر بظاهره فهو الحق، فإن جاء
مَا ظَاهِرُهُ الْخِلَافُ فَهُوَ النَّادِرُ وَالْقَلِيلُ، فَكَانَ من حق الناظر رَدُّ
الْقَلِيلِ إِلَى الْكَثِيرِ، وَالْمُتَشَابِهِ إِلَى الْوَاضِحِ، غَيْرَ أَنَّ الْهَوَى
زَاغَ بِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ زَيْغَهُ، فَهُوَ فِي تِيهٍ، مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ
عَلَى الطَّرِيقِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْهِدَايَةَ
إِلَى الْحَقِّ أَوَّلَ مَطَالِبِهِ، وَأَخَّرَ هَوَاهُ ـ إِنْ كَانَ فَجَعَلَهُ بِالتَّبَعِ،
فَوَجَدَ جمهور الأدلة ومعظم الكتاب واضحاً في المطلب الذي بحث عنه، فركب الجادة إليه
، وَمَا شَذَّ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ
يَكِلَهُ إِلَى عَالِمِهِ ، وَلَا يَتَكَلَّفُ الْبَحْثَ عَنْ تَأْوِيلِهِ”

وقد جاء في القرآن ما يفضح مسلك هؤلاء الذين ذكرهم الشاطبي

قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم