هذه الكلمة (ما عليك أمر) تُستخدم عندنا في مجالس الرجال إذا طلب أحدهم من الآخر شيئاً، فيقول (ما عليك أمر أعطني الشيء الفلاني) أو (أحضر الشيء الفلاني)، والقصد من هذه الكلمة التحبب وبيان أن الطلب ليس معناه أنك ترى نفسك أرفع منه فتأمره أمر الكبير للصغير أو أمر الرئيس لمرؤوسه، وإنما هو طلب أخوي.
الطريف أنني وجدت أثراً عن ابن عباس رضي الله عنهما يستخدم كلمة نحوها في السياق نفسه.
قال أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب «أخلاق النبي ﷺ»: “598- حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن علي، نا الحسن بن عرفة، نا مبارك بن سعيد، عن عمر بن سعيد الثوري، عن عكرمة، قال: صنع سعيد بن جبير طعاما، ثم أرسل إلى ابن عباس: أن ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، قال: فجاء ابن عباس وقال: إني لست أتأمَّر على أحدٍ وإنما أعدُّك منا أهل البيت، ائتنا بالثريد، فإنه كان أحبُّ الطعام إلى رسول الله ﷺ الثريد من الخبز”.
الخبر رجاله ثقات، غير أن ذِكر النبيِّ ﷺ في آخره يجعلنا نصنِّفه من غرائب أبي العباس (هذا كلام يفهمه المشتغلون بالعلل).
قول ابن عباس “إني لست أتأمَّر على أحدٍ وإنما أعدُّك منا أهل البيت” هو بنفس معنى قولنا (ما عليك أمر).
فقد قالها لسعيد بن جبير قبل أن يطلب منه الثريد، ولما كان ابن عباس سيداً قرشياً وسعيد بن جبير مولى فقد يتوهم السامع أو سعيد نفسه أن ابن عباس يأمره أمراً لفارق السن والمكانة، فدفع ابن عباس ذلك بتواضع وقال: “إني لست أتأمَّر على أحدٍ وإنما أعدُّك منا أهل البيت” يعني أطلب منك طلب الأخ من أخيه أو كما يطلب أهل البيت من بعضهم البعض دون أدنى كلفة.
وهذا من طريف الفوائد أن يعتاد الناس أمراً يرونه من الأدب ويكون له أصل عند السلف الأوائل في أثر مغمور.