ما عقله الفيلسوف الكافر في معضلة الشر وجهله كثير من الناس مع حضوره في الوحي…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جاء في كتاب «قصة الحضارة» [10/461] والمصنف يتحدث عن الإمبراطور الفيلسوف ماركس أورليوس: “وهو يعترف بما يجده الإنسان من صعوبة في التوفيق بين الشر والألم والشقاء الذي يبدو أن الإنسان لا يستحقه، وبين وجود قوة مدبرة خيّرة، ولكنه يعقب على هذا بقوله إننا لا نستطيع أن نحكم على موضع عنصر أو حادثة في نظام الأشياء إلا إذا رأينا هذه الأشياء كلها، ومن ذا الذي يدّعي أنه أوتي القدرة على أن ينظر إلى الأشياء هذه النظرة الجامعة ويدرك علاقتها بعضها ببعض؟ ولهذا كان من السخف والوقاحة أن نحكم على العالم؛ وإنما تكون الحكمة في الاعتراف بعجزنا وفي العمل على أن نكون أجزاء متناسقة مع النظام العام للكون، وأن نحاول أن نستشف ما وراء جسم العالم من عقل، وأن نتعاون معه راضين مختارين. ومتى أدرك الإنسان هذه الفكرة أدرك أن “العدل في كل ما يحدث” أي أنه يحدث وفقاً لمنهج الطبيعة، ولا يمكن أن يكون شيء يحدث وفقاً لمنهج الطبيعة شراً”.

أقول: الشر موجود ولكن في وجوده حكمة.

هم ينظرون للأمور بغضِّ النظر عن وجود حكمة لله عز وجل وغاية من الكون فيها صراع بين الحق والباطل، فيه فوائد ومنافع، وثمة آخرة.

غير أن ما قاله في أنك لا يمكنك أن تحكم على شيء حتى تحيط بكل شيء علماً، يعني تلازم فهم الحكمة مع سعة العلم أمر صحيح.

يظهر ذلك في قصة موسى والخضر، حيث استنكر موسى على الخضر أموراً وما فهم الحكمة فيها ورآها شراً، فلما ازداد علماً رآها عين الخير.

والعجيب أن عامة الاعتراضات التي يعترضها بعض الناس اللاجئين للإلحاد لا يجدون جواباً عليها في إلحادهم، فيسألون عن أصحاب الابتلاءات وكأنه لا توجد آخرة يُعوَّضون فيها، ثم يكفرون بعدها ولا يجدون في كفرهم أي عزاء.

للتو رأيت منشوراً لشاب لاديني ينصح أصحابه ألَّا يصرحوا بلادينيتهم، لأنه صرح بذلك ففقد أسرته وعمله ووظيفته، وهو مصاب بمرض مزمن مع صغره، لا أشك أنه يفكر الآن بالانتحار، لأنه لا يوجد في الإلحاد عزاء وتصبُّر ورجاء ثواب الآخرة.

جرت عادة من درسوا علم النفس التطوري أن يفسروا ميل الناس للتدين الذي يعطي الأمل بأنه أمر وضعته فيهم الطبيعة، ليميلوا للاستمرار في العيش ونقل جيناتهم والأداء الجيد في المجتمع، ويظنون أنهم بذلك هربوا من الفطرة.

ولكن هذا التفسير يمكن أن يصاغ بطريقة أخرى: وهي أن الله عز وجل أودع في عباده فطرةً تعينهم على تطبيق أوامره، فقد نهى عن الانتحار ورغَّب بالصبر على البلاء سبحانه.

وحقيقة قولهم أن الحقيقة ضارة ومدمرة، وعليه: لا أدري لماذا يبشرون بها والحال هذه؟ وهذا أمر يخالف الفطرة، ولكن وفقاً لاعتقادهم لا يوجد ضمان أن الحقيقة تتلازم مع السعادة أو الخير.

وكذلك الاعتراضات على الأوامر الشرعية من حدود وجهاد وغيرها، غالباً هم لا يدركون منافعها ولا يدركون أنها لو ذهبت لكان ضررها أعظم، كما أشير في قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} فمعناه أن قتل هذا الواحد يردع مئات أو آلاف أن يفعلوا فعله، فهذا القتل في حقيقته إحياء.

وهكذا ينبغي أن تفهم الأوامر الشرعية التي ثبت أنها من الله، وعندنا قطع أنه سبحانه عليم حكيم، فتارةً يطلعنا على بعض الحكمة وتارةً نوكل إلى التسليم.