من الأبواب التي ينبغي أن تطرق في دراسة الأحاديث النبوية باب: (حفظ المال) وهذا باب مهم في زمن الرأسمالية والهوس الاستهلاكي، وقد نهى النبي ﷺ عن إضاعة المال، غير أن حفظ المال مراتب، بعضها زائد على عدم التضييع.
خذ مثلاً الحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- :
«أن قدح النبي ﷺ انكسر، فاتخذ مكان الشَّعبِ سلسلةً من فضة».
أقول: هذا من حفظ المال، فاليوم لو كُسِر إناء أحدنا فإنه غالباً يُبدله ولا يُعنى بإصلاحه، إلا إذا كان غالي الثمن.
ففي هذا الحديث: سُنة الانتفاع بـ(المال) قدر المستطاع اقتصاداً (والمال كل ما يُملك، لا يختص ذلك بالنقود).
وفي هذا المعنى حديث: «إذا دُبِغ الإهاب فقد طهُر» والإهاب جلد الميتة، فانتُفع بجلدها بعد وفاتها من باب تَتْميم النفع بالمال.
قال قوام السنة الأصبهاني في «الترغيب والترهيب»: “١٢٢٦- أخبرنا محمد بن أحمد بن هارون، أنبأ أبو بكر بن مردويه، ثنا إبراهيم بن أبان بن أستة، ثنا أحمد بن يحيى بن خالد الرقي، ثنا هاشم بن القاسم الحراني، ثنا عبد الله بن وهب عن موسى بن علي، عن أبيه، قال: سمعت عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يقول:
«لا أملُّ ثوبي ما وسعني، ولا أملُّ زوجتي ما أحسنت عشرتي ولا أملُّ دابتي ما حملت رجلي، إن الملالة من سيء الأخلاق»”.
أقول: تأمل قوله «لا أملُّ ثوبي ما وسعني» ومغايرته لحال أهل الزمان من سرعة الملل وحب التغيير، بفعل الانفتاح الاستهلاكي وكثرة الإعلانات التجارية المحفزة.
وفي حفظ المال فائدة: وهي أن يفيض عندك ما يمكن أن تتصدق به، فيكون باباً لتجارتك مع الله ونجاتك في الآخرة.
كما في الحديث المشهور بين الخطباء والوعاظ: «نِعم المال الصالح للمرء الصالح» رواه أحمد والبخاري في «الأدب المفرد».
وتأمَّل حال أبي بكر الصديق، فقد ورد فيه حديث: «ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مالُ أبي بكر».
ونفقته في السيرة مشهورة، ونزل فيه قوله تعالى:
{ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}
[النور].
لمَّا كان ينفق على مسطح وعزم على قطع النفقة لما كان منه في حادثة الإفك، فنزلت الآية تحثه على العفو.
فالشاهد أنه مقتصد غير مسرف ومنفق لأمواله بأوجه الخير؛ حتى نال عند الله منزلة عظيمة.
وكلمة «ما عال من اقتصد» رويت في الحديث ولا تصح، ورويت عن غير النبي ﷺ وجرت مجرى الأمثال، ومعناها: لا يفتقر من يحفظ ماله من السرف والتبذير.
وأما الصدقة: فتلك زيادة وبركة «ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ»، والزكاة سمِّيت زكاةً من التطهير (التزكية) ومن معنى النماء أيضاً.