ما أشبه الليلة بالبارحة !

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد دب مع الأسف الشديد داء التقليد إلى الكثير من المنتسبين إلى المنهج
السلفي ، وصار أحدهم إذا حكى لك قول عالم فذكرت له قول آخر متقدم ، قال لك ( الشيخ
فلان أعلم بكلام المتقدمين منك )!

فإذا ذكرت له معاصراً ( والمعاصرون أجل وأعلم عندهم ) قال لك ( لا تضرب
كلام أهل العلم بعضهم ببعض )

فلا سبيل إلا أن تكون مقلداً مثله وإلا نسبك إلى الطعن في العلماء ( زعم
)

وإذا خالفت عالماً في مسألة قال لك ( وهل بلغت من الاجتهاد ما بلغ الشيخ
فلان ) ، وكأنك إذا خالفته في مسألة ولك سلف فهذا يعني أنك تقول ( أنا أعلم منه مطلقاً
)!

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كما في الرسائل الشخصية له
(1/213) :” وهل يتصور شيء أصرح مما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق
على أكثر من سبعين فرقة، أخبر أنهم كلهم في النار إلا واحدة.

 ثم وصف تلك الواحدة أنها التي
على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

 وأنتم مقرون أنكم على غير طريقتهم،
وتقولون: ما نقدر عليها، ولا يقدر عليها إلا المجتهد، فجزمتم أنه لا ينتفع بكلام الله
وكلام رسوله إلا المجتهد.

 وتقولون: يحرم على غيره أن يطلب
الهدى من كلام الله وكلام رسوله وكلام أصحابه، فجزمتم وشهدتم أنكم على غير طريقتهم،
معترفين بالعجز عن ذلك.

وإذا كنتم مقرين أن الواجب على الأولين: اتباع كتاب الله وسنة رسوله، لا
يجوز العدول عن ذلك، وأن هذه الكتب والتي خير منها لو تحدث في زمن عمر بن الخطاب لفعل
بها وبأهلها أشد الفعل، ولو تحدث في زمن الشافعي وأحمد لاشتد نكيرهم لذلك، فليت شعري
متى حرم الله هذا الواجب، وأوجب هذا المحرم؟

ولما حدث قليل من هذا، لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام، اشتد إنكاره
لذلك.

 ولما بلغه عن بعض أصحابه أنه يروي
عنه مسائل بخراسان، قال: أشهدكم أني قد رجعت عن ذلك، ولما رأى بعضهم يكتب كلامه، أنكر
عليه وقال: تكتب رأياً لعلّي أرجع عنه غداً، اطلب العلم مثلما طلبناه.

 ولما سئل عن كتاب أبي ثور قال:
كل كتاب ابتدع فهو بدعة. ومعلوم أن أبا ثور من كبار أهل العلم، وكان أحمد يثني عليه.
وكان ينهى الناس عن النظر في كتب أهل العلم الذين يثنى عليهم ويعظمهم.

ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبي حنيفة، هجره أحمد، وكتب إليه: إن تركت
كتب أبي حنيفة، أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك. ولما ذكر له بعض أصحابه أن هذه الكتب
فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة، قال: إن عرفتَ الحديث لم تحتج إليها، وإن لم
تعرفه لم يحل لك النظر فيها.

 وقال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد
وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله يقول:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1، قال: أتدري
ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك. ومعلوم أن الثوري عنده غاية، وكان يسميه: أمير المؤمنين”

فهذا الإمام المجدد ينعى على أهل عصره قولهم ( لا يجوز لنا الانتفاع بالكتاب
والسنة وأقوال الصحابة إلا بكلام المجتهدين ) وهذا نظير قول لا يؤخذ بأقوال السلف إن
لم يقل بها المعاصرون ثم يأتي ببعض المعاصرين ويجعلهم الفيصل ، ولما يستقصي المعاصرين
حتى

وفي هذه الدعوى من الجور على السلف ودعوى أن كلامهم معجم مستشكل مبهم ،
وأن كلام من بعدهم أجلى وأوضح

والبيان في العلم فضيلة فقد مدح الله عز وجل كتابه بقوله ( تبياناً لكل
شيء )

وقوله تعالى ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )

وقال سبحانه لنبيه ( وأنزلنا عليك الذكر لتبين للناس ما نزل عليهم )

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :” خير الناس قرني ثم الذين يلونهم
ثم الذين يلونهم “

فكيف يكونون الأخير وهم أقل بياناً وكلامهم أقل نفعاً من كلام ممن جاء
بعدهم بل من قرأ كلامهم واقتفاه يكون ضالاً إن لم يسعف نفسه بكلام من جاء بعدهم

ولا يعني هذا التزهيد بكلام المعاصرين مطلقاً

وإنما نريد الترغيب بالنظر في كلام السلف ، بل الواجب أن يكون كلام السلف
حاكماً على كلام المعاصرين عند الاختلاف لا العكس ، على أن ذلك ( يعني مخالفة جميع
المعاصرين لجميع السلف ) غير واقع وإن ادعاه بعضهم في بعض المسائل فهو مخطيء في ذلك

وقال العلامة عبد الرحمن ابن قاسم في حاشية كتاب التوحيد ص268 :”
وقد عمت البلوى بهذا المنكر، خصوصا ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصد عن
الكتاب والسنة، كقولهم: لا يستدل بالكتاب والسنة إلا المجتهد والاجتهاد قد انقطع. وقولهم:
الذي قلدناه أعلم منك بالحديث وبناسخه ومنسوخه، ونحو ذلك من الأقوال التي غايتها ترك
الكتاب والسنة، والاعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ، ومعه بعض العلم لا كله، وإن
ظنوا أنهم اتبعوا الأئمة، فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم واتبعوا غير سبيلهم، وذلك إنما
نشأ عن الإعراض عن تدبر الكتاب والسنة، والإقبال على كتب من تأخر، والاستغناء بها عن
الوحيين، والواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه من
خالفه كائنا من كان”

وهذا كلام جليل غاية وتأمل قوله ( والإقبال على كتب من تأخر، والاستغناء
بها عن الوحيين) وما فيه من مطابقة أحوال بعض الناس ممن لو قلت هذه الكلمة أمامه لاتهمك
بكل نقيصة

وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر ص23 :” وهذه شبهة ألقاها الشيطان
على كثير ممن يدعي العلم، وصار بها أكثرهم، فظنوا أن النظر في الأدلة أمر صعب لا يقدر
عليه إلا المجتهد المطلق، وأن من نظر في الدليل، وخالف إمامه لمخالفة قوله لذلك الدليل
فقد خرج عن التقليد، ونسب نفسه إلى الاجتهاد المطلق.

واستقرت هذه الشبهة في قلوب كثير، حتى آل الأمر بهم إلى أن {فَتَقَطَّعُوا
أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}1. وزعموا
أن هذا هو الواجب عليهم، وأن من انتسب إلى مذهب إمام فعليه أن يأخذ بعزائمه ورخصه،
وإن خالف نص كتاب أو سنة؛ فصار إمام المذهب عند أهل مذهبه كالنبي في أمته، لا يجوز
الخروج عن قوله، ولا تجوز مخالفته”

هذا كلامهم فيمن ترك النظر في الكتاب والسنة اتباعاً لأقوال المتأخرين
أو إمام المذهب فكيف لو رأوا من ترك كلام السلف ( الذي هو شرح للكتاب والسنة ) لأجل
أقوال بعض المعاصرين

قال أبو شامة المقدسي في المؤمل ( ص 144 ) :” ومما يتعجَّب منه أيضا
من هؤلاء أنَّهم يرون مصنَّفات الشَّيخ أبي إسحاق وغيره مشحونة بتخطئة المزنيِّ وغيره
من الأكابر فيما خالفوا فيه مذهبهم ، فلا تراهم ينكرون شيئا من هذا ، فإن اتفق أنَّهم
يسمعون أحدا يقول : ” أخطأ الشيخ أبو إسحاق في كذا بدليل كذا وكذا ” انزعجوا
وغضبوا وأنكروا ورأوا أنه قد ارتكب كبيرا من الإثم ، فإن كان الأمر كما ذكروا فالَّذي
ارتكبه أبو إسحاق أعظم ، فما لهم لا ينكرون ذلك ولا يغضبون منه ، لولا قلَّة العلم
وكثرة جهلهم بمراتب السَّلف رضي الله عنهم … “

وهذا البعض اليوم يغضب لشيخه إذا خولف ولا يغضب للصحابة

وليعلم أن من يقول ( أنا آخذ بقول الشيخ فلان وهو أعلم مني بالكتاب والسنة
أو بأقوال السلف ) أن هذا مقلد ، والمقلد ليس من أهل العلم بالإجماع ، فلا يجوز له
المناظرة

على أن التقليد السليم هو تقليد الأقدم والأعلم لا تقليد المتأخر

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في قرة عيون الموحدين ص191
:” وحكى ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد لا يكون من أهل العلم، والأئمة لم
يقصروا في البيان بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة. قال أبو حنيفة: إذا جاء الحديث
عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة – رضي الله
عنهم – فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال. وقال: إذا قلت
قولا وكتاب الله يخالفه فاتركوا قولي لكتاب الله تعالى، قيل: إذا كان قول رسول الله
صلي الله عليه وسلم يخالفه ؟ قال: اتركوا قولي لخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم.
قيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه ؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة. وتقدم قول الإمامين
مالك والشافعي. فعلى من اشتغل بمصنفات أهل مذهبه أن ينظر في أقوال المخالفين وما استدلوا
به فيكون متبعا للدليل مع من كان معه وبالله التوفيق”

وأما اليوم فيأتي من يريد أن يجعل العالم المعاصر الذي يقلده في مسألة
ما فوق الصحابة حتى !

فلا يقول ( اتركوا قول الشيخ لقول الصحابة ) بل يقول ( أقوال الصحابة ليست
بحجة أو يقول الشيخ أدرى بها )

وقال الإمام المجدد في الأصول الستة :” رد الشبهة التي وضعها الشيطان
في ترك القرآن والسنة، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهي أن القرآن والسنة
لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافا لعلها لا توجد
تامة في أبي بكر وعمر؛ فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضا حتما لا شك ولا إشكال
فيه؛ ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق، وإما مجنون لأجل صعوبة فهمها . فسبحان الله
وبحمده، كم بين الله سبحاله شرعا وقدرا خلقا وأمرا في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه
شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ
عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً
فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ
عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ
مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ
وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}”

ولو أدرك أهل التحذلق الإمام المجدد لقالوا به ( نعم يا إمام لا يفهم الكتاب
والسنة إلا العالم لصعوبة فهمها وحتى كتب السلف هي بمنزلة كتب المنطق والفلسفة خطيرة
ومن طلب الهدى منها ضل )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (20/ 212) :” وَالِاجْتِهَادُ
لَيْسَ هُوَ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يَقْبَلُ التجزي وَالِانْقِسَامَ بَلْ قَدْ يَكُونُ
الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا فِي فَنٍّ أَوْ بَابٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ دُونَ فَنٍّ وَبَابٍ وَمَسْأَلَةٍ
وَكُلُّ أَحَدٍ فَاجْتِهَادُهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ فَمَنْ نَظَرَ فِي مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَ
الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَرَأَى مَعَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نُصُوصًا لَمْ يَعْلَمْ لَهَا
مُعَارِضًا بَعْدَ نَظَرِ مِثْلِهِ فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:إمَّا أَنْ يَتَّبِعَ
قَوْلَ الْقَائِلِ الْآخَرِ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ الْإِمَامَ الَّذِي اشْتَغَلَ عَلَى
مَذْهَبِهِ؛ وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةِ شَرْعِيَّةٍ بَلْ مُجَرَّدُ عَادَةٍ يُعَارِضُهَا
عَادَةُ غَيْرِهِ وَاشْتِغَالٌ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ آخَرَ. وَإِمَّا أَنْ يَتَّبِعَ
الْقَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ فِي نَظَرِهِ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ
فَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِإِمَامِ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الْإِمَامَ وَتَبْقَى النُّصُوصُ
سَالِمَةً فِي حَقِّهِ عَنْ الْمُعَارِضِ بِالْعَمَلِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ.
وَإِنَّمَا تَنَزَّلْنَا هَذَا التَّنَزُّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ نَظَرَ هَذَا
قَاصِرٌ وَلَيْسَ اجْتِهَادُهُ قَائِمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِضَعْفِ آلَةِ
الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ. أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ التَّامِّ الَّذِي
يَعْتَقِدُ مَعَهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ النَّصَّ
فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ النُّصُوصِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُتَّبِعًا
لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَكَانَ مَنْ أَكْبَرِ الْعُصَاةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ: قَدْ يَكُونُ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ حُجَّةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى
هَذَا النَّصِّ وَأَنَا لَا أَعْلَمُهَا فَهَذَا يُقَالُ لَهُ: قَدْ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
وَاَلَّذِي تَسْتَطِيعُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ
دَلَّكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ “

وتلخيص كلام شيخ الإسلام أن من يثرب على من خالف إماماً متبوعاً بحجة أنه
ليس له أهلية النظر يجاب بوجهين

الأول : أن الاجتهاد يتجزأ وقد يجتهد الإنسان في مسألة ولا يكون مجتهداً
في غيرها

الثاني : أن الله عز وجل كلف الخلق ما يستطيعون وهذا الذي استطاعه المرء
في هذه المسألة إذ لم يجد للأدلة الشرعية التي معه معارض ، وقول من يقول ( العالم الفلاني
أعلم منك بالأدلة ) يعارضه أنه قد خالفه عالم آخر وأن هذا العالم يجوز عليه الخطأ والزلل

وقال أحمد في مسنده 3121 : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أُرَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
” فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ
. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ

ولو أدرك أهل التحذلق ابن عباس لكان الجواب جاهزاً ( أبو بكر وعمر أعلم
بالسنة منك ) !

ولا شك أنهما أعلم وأن هذا لا يخفى عليه ، ولكنه رأى نفسه مصيباً فيما
قال ومعه الحجة وقد يدرك المفضول ما لا يدرك الفاضل فكيف إذا رأى المفضول أن معه النبي
صلى الله عليه وسلم أو رأى أن معه الأئمة أمثال أحمد وسفيان والأوزاعي

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (6/430) :” وكثير من الناس فيهم من
الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلو في الأئمة “

وقال السيوطي في الاكليل ص95 :” 82- قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ} الآية.

فيه الحث على تدبر القرآن قال الكرماني في عجائبه: وفيه رد على من زعم
من الرافضة أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول أو تفسير الإمام، وفي بقية الآية
العذر للمصنفين فيما يقطع لهم من الاختلاف والتناقض لأن السلامة عن ذلك من خصائص القرآن”

وأخس أنواع التعصب والتقليد التعصب لمعاصر في مقابل السلف ، والذي لو شاء
العاقل لقلب عليهم كل شبههم الباردة

فلو قال ( لا شك أن الشيخ فلان اطلع ) فيقال له ( لا شك الإمام الذي أنا
أتبعه قد اطلع وإلا لما قال كذا وهو أولى بالتقليد )

وإذا اعتبر مخالفة العالم الذي يقلده طعناً فيه ، اعتبرنا مخالفته للسلف
وتنفيره من كتبهم ودعوى أنها لا تصلح للهداية طعناً أيضاً

فالحق أنهم أولى بكل نقيصة يلحقونها بأهل الحق

قال الإمام المجدد في الرسائل الشخصية ص38 وهو يحكي مناظرته لقبورية عصره
:” قالوا _ يعني القبورية _ : القرآن، لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا، ولا بكلام
الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون. قلت لهم: أنا أخاصم
الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي كلٌ أخاصمه بكتب المتأخرين
من علمائهم الذين يعتمدون عليهم. فلما أبوا ذلك، نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب،
وذكرت ما قالوا بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها، فصرفوا ذلك وتحققوه، ولم
يزدهم إلا نفوراً”

فهل علمت من أين جاء هذا المنهج ؟

وشبهتهتم في هذا واضحة ( المتأخر قرأ وعلم كلام المتقدم والنصوص وفهمه
مقدم على فهمنا )

 فما أشبه الليلة بالبارحة !

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم