فكثير ممن يغضب من تجهيم بعض الأعلام
وتنزيل أحكام الجهمية عليهم لا يدري أن هؤلاء أنفسهم لو كانوا أحياءً لحكموا عليه بالكفر
بحسب مقتضيات عقيدتهم
ولولا أن عدم الحكم عليهم بالتجهم يقتضي
تضليل عامة السلف الذين نقلوا لنا الدين ما تكلفنا هذا
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى
(4/158) :” وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ:
” هُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَعَقْلٍ وَدِينٍ وَفَضْلٍ وَكُلِّ سَبَبٍ
يُنَالُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ يُدْرَكُ بِهِ هُدًى وَرَأْيُهُمْ لَنَا خَيْرٌ مِنْ رَأْيِنَا
لِأَنْفُسِنَا ” وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّة الْكُلَّابِيَة
– كَصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالِهِ – كَيْفَ تَدَعُونَ طَرِيقَةَ
السَّلَفِ وَغَايَةُ مَا عِنْدَ السَّلَفِ: أَنْ يَكُونُوا مُوَافِقِينَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ السَّلَفِ
مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ: هُوَ مَا اسْتَفَادُوهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ
وَهَدَاهُمْ بِهِ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ:
{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إلَى النُّورِ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا
تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ
الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وَقَالَ تَعَالَى:
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا
الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالُهُ قَدْ سَلَكُوا
مَسْلَكَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنْ الْحَقَّ
فِي بَابِ التَّوْحِيدِ وَلَا بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ
بَلْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ خِلَافَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ: إمَّا كَتَمَهُ وَإِمَّا أَنَّهُ
كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ”
فمن هو أبو محمد الذي وصفه ابن تيمية
أنه من الجهمية الكلابية وأنه يسلك مسالك الملاحدة
إنه العز بن عبد السلام ولا يوجد أي فارق
حقيقي لو أنصفنا بين العز والنووي وابن حجر وأضرابهم
وما قاله ابن تيمية هو مقتضى أصول أحمد
بل أصول السلف كلهم
فإذا كان أحمد جهم أبا ثور في حديث الصورة
فقط
ونقل حرب أبو حاتم وأبو زرعة الإجماع
على تجهيم الواقفة واللفظية
فما عسى يقال في منكري العلو والذين أنكروا
الكلام وخصوه بالكلام النفسي وهذا احتيال إذ الكلام النفسي في تعريفهم هو العلم فأنكروا
حقيقة الكلام
والأشعرية المتأخرون لا ينكرون الصورة
بل الصورة والوجه واليدان والحرف والصوت وعامة الصفات خصوصاً الفعلية إلا سبعة يثبتونها مقدمة ونتيجة بعرج ظاهر
قال البخاري في خلق أفعال العباد 63-
وَحَذَّرَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْجَهْمِيَّةِ فَقَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ
الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلاَفِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ
فَهُوَ جَهْمِيٌّ ، وَمُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ جَهْمِيٌّ .
فإذا كان الشيباني صاحب أبي حنيفة قيل
فيه هذا فكيف بغيره لا أنهم اختلفوا في رجوعه
وكلام العز الذي يناقشه ابن تيمية فيه
بلايا في اتهام السلف بالغفلة عن التوحيد وقد صرح في قواعده أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقر الصحابة على التجسيم
والآن مع غلو القوم بالتكفير
قال النووي في روضة الطالبين (10/64)
:” أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَالْأَلْوَانِ،
أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ، كَانَ كَافِرًا”
أقول : هذه عقيدة الجهمية في نفي أن الله
داخل العالم أو خارجه وهي أشنع من عقيدة الجهمية الأولى في أن الله في كل مكان
وتأمل قوله ( والانفصال ) وهذا عين قول
السلف ( بائن من خلقه ) ، ولعله يعني بالاتصال نفي ما ورد في بعض الأخبار من المسيس
ولكن خذ نصاً أظهر من هذا
قال النووي في روضة الطالبين (10/85)
:” وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الْمَالِكُ، أَوِ الرَّازِقُ،
لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ; لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ السُّلْطَانَ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ
الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ، وَلَوْ قَالَ: لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ
لَا رَازِقَ إِلَّا اللَّهُ، كَانَ مُؤْمِنًا، وَبِمَثَلِهِ أَجَابَ فِيمَا لَوْ قَالَ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَزِيزُ، أَوِ الْعَظِيمُ، أَوِ الْحَكِيمُ، أَوِ الْكَرِيمُ،
وَبِالْعُكُوسِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الَّذِي
فِي السَّمَاءِ، أَوْ إِلَّا مَلِكُ السَّمَاءِ، كَانَ مُؤْمِنًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.
وَلَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا سَاكِنُ
السَّمَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
سَاكِنُ السَّمَاءِ ; لِأَنَّ السُّكُونَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ
لَوْ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ إِنْ شَاءَ، أَوْ إِنْ كَانَ شَاءَ بِنَا، لَمْ يَكُنْ
مُؤْمِنًا، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْيَهُودِيَّ: أَنَا بَرِئٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ،
أَوْ نَصَرَانِيٌّ: أَنَا بَرِيءٌ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا
; لِأَنَّهُ ضِدُّ الْيَهُودِيَّةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْإِسْلَامِ”
فهنا النووي يكفر من يقول ( الله ساكن
السماء ) ولا تظنن أنه في كلامه الأول يثبت العلو فإن له عنده تأويلاً وكتبه تنضح بالتأويلات
فعبارة ساكن السماء قائلها عند النووي
ليس مؤمناً فمن قالها ؟
قال البغوي في الجعديات حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُسْلِمٍ، نا سَيَّارُ، نا جَعْفَرٌ، نا ثَابِتٌ قَالَ: ” كَانَ دَاوُدُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ،
ثُمَّ يَقُولُ: إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي يَا عَامِرَ السَّمَاءِ، نَظَرَ الْعَبِيدِ
إِلَى أَرْبَابِهَا يَا سَاكِنَ السَّمَاءِ “
وهذا إسناد قوي في المقطوع
وقد روى هذا الخبر اللالكائي في السنة
محتجاً به على الجهمية ، ورواه أبو نعيم في الحلية وهو منسوب للأشعرية الأولى ، وراه
ابن قدامة في إثبات صفة العلو محتجاً به على الجهمية ، وكذا رواه عبد الله بن أحمد
في زوائد الزهد
وقال الذهبي في كتابه العرش :”
133- وصح عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع، ثم يرفع
رأسه إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي [يا عامر السماء] ، نظر العبيد إلى أربابها
يا ساكن السماء”.
رواه اللالكائي بإسناد صحيح عن ثابت”
وكذا صححه في الأربعين في الصفات
وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة
:” ومن دعاء أهل الإسلام جميعا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل بهم
يقولون جميعا: يا ساكن السماء، ومن حلفهم جميعا: لا والذي احتجب بسبع سماوات”
وهذا نقل إجماع وقد نقل ابن تيمية وابن
القيم هذا النص وأقراه
قال الماوردي في تفسيره :” قال الشاعر:
(وما تَدري جذيمةُ مَنْ طحاها … ولا
من ساكنُ العَرْشِ الرّفيع)”
والماوردي معتزلي وكذا نقل هذا البيت
القرطبي الأشعري وابن عادل الحنبلي وهو أشعري وكذا الشوكاني
وهذا يدل على أن هذه العبارة موجودة في
أشعار العرب دون نكير
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق
(5/215) : أخبرنا أبو القاسم الشحامي أنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن قال سمعت الحاكم
أبا عبد الله الحافظ يقول ح وأخبرنا أبو المظفر بن القشيري أنا أبو بكر البيهقي قراءة
عليه قال أنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال سمعت علي بن حمشاذ العدل يقول سمعت
جعفر بن محمد بن الحسين يقول سمعت سلمه بن شبيب يقول كنا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس فقال من منكم أحمد قال
أحمد أنا ما حاجتك قال صرت وقال البيهقي ضربت إليك من أربعمائة فرسخ أريت الخضر عليه
السلام في المنام قال لي قم وصر إلى أحمد بن حنبل وقل له إن ساكن العرش والملائكة راضون
عنك بما صبرت نفسك.
وهذا إسناد صحيح وفيه حل الإشكال الوارد
في الرواية الأخرى فهذا ظاهر في أن هذه رؤيا منام
و(ساكن العرش ) و ( ساكن السماء ) بمعنى
واحد فالسماء في اللغة العلو وتطلق على كل ما سما فالعرش بهذا الاعتبار يسمى سماء
وهذه الكلمة ليس فيها إثبات شيء زائد
على ما ورد في الأخبار من علو الباري على عرشه
فإن قيل : من أين قلت أن النووي إمامه
الأشعري ؟
ظاهر من كتب النووي أشعريته وقد نص على
أشعريته السخاوي واليافعي
ولكن خذ هذا قال النووي في بستان العارفين
:” ومن المشهودين بكثرة التصنيف أمامنا الامام ابو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي
والإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنهما وقد عدد الامام أبو بكر البيقهي رحمه
الله تعالى مصنفات الشافعي وعدد الامام حافظ الشام بل حافظ الدنيا ابو القاسم المعروف
بابن عساكر رضي الله تعالى عنه في كتابه تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي
الحسن الأشعري تصانيف الأشعري أنها نحو ثلثمائة تصنيف”
قال الذهبي في تاريخ الإسلام
(15/324) :” والنووي رجل أشعري العقيدة معروف بذلك، يبدع من خالفه ويبالغ في التغليظ
عليه”
وما قاله الذهبي تشهد به طريقة الرجل
وكلمة الذهبي هذه في طبعة بشار عواد معروف وقال السخاوي في المنهل الروي :” قلت:
وصرح اليافعي والتاج السبكي ” ” أنه أشعري. وقال الذهبي في ” تاريخه
” إنه مذهب في الصفات السمعية: السكوت، وإمرارها كما جاءت، وربما تأويل قليلا
في ” شرح مسلم ” كذا قال: والتأويل كثير في كلامه، انتهى” وكلمة الذهبي
المذكورة استدراك جيد
والواقع أنه يكفر من خالف
قال سفر الحوالي في كتابه الأخير في الأشاعرة
:” وقال شارح (الجوهرة): «واعلم أن معتقد الجهة لا يكفر، كما قاله العز بن عبد
السلام، وقيده النووي بكونه من العامة، وابن أبي جمرة بعسر فهم نفيها، وفصَّل بعضهم
فقال: إن اعتقد جهة العلو لم يكفر؛ لأن جهة العلو فيها شرفٌ ورفعةٌ في الجملة (4)،
وإن اعتقد جهة السفل كفر»”
تأمل جيداً ما نقله الشارح عن النووي
وقد قال في شرحه على صحيح مسلم
:” وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَلِكَ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ
بِدَلَائِلِهِمُ الْقَطْعِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ”
وصرح في المجموع بوجوب تعلم علم الكلام
على الكفاية
وكذا في شرحه على صحيح مسلم حيث قال
:” قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ
وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ فَمِنَ الْوَاجِبَةِ نَظْمُ أدلة المتكلمين
لِلرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْهُ ذَلِكَ”
وأما ابن حزم فصرح بأن تسمية الله جواداً
سخياً كفر أكبر
قال ابن حزم في الفصل :” وَأما تَسْمِيَة
الله عز وَجل جواداً سخياً أَو صفته تَعَالَى بِأَن لَهُ تَعَالَى جوداً وسخاءً فَلَا
يحل ذَلِك الْبَتَّةَ وَلَو أَن الْمُعْتَزلَة المقدمين على تَسْمِيَة رَبهم جواداً
يكون لَهُم علم بلغَة الْعَرَب أَو يحقيقة الْأَسْمَاء ووقوعها على المسميات أَو بمعاني
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات مَا أقدموا على هَذِه الْعَظِيمَة وَلَا وَقَعُوا فِي الائتساء
بالكفار الْقَائِلين أَن عِلّة خلق الله تَعَالَى لما خلق إِنَّمَا هِيَ جودة حَتَّى
أوقعهم ذَلِك فِي القَوْل بِأَن الْعَالم لم يزل وَلَكِن الْمُعْتَزلَة معذورون بِالْجَهْلِ
عزرا يبعدهم عَن الْكفْر وَلَا يخرجهم عَن الْإِيمَان لَا عرزا يسْقط عَنْهُم الْمَلَامَة
لِأَن التَّعَلُّم لَهُم معروض مُمكن وَلَكِن لَا هادي لمن أضلّ الله تَعَالَى ونعوذ
الله من الخذلان”
وكفر من يقول أن أسماء الله تزيد على
التسعة والتسعين
مع تكفيره من يقول أن للسحر حقيقة
وخذ أيضاً القرافي المالكي كفر من يأخذ
بآثار الصحابة في هاروت وماروت
قال السيوطي في الحبائك في أخبار الملائك
:” قال القرافي: ومن اعتقد في هاروت وماروت أنهما بأرض الهند يعذبان على خطيئتهما
مع الزهرة فهو كافر، بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم تنزيههم عن كل ما
يخل بعظيم قدرهم، ومن لم يفعل ذلك وجب إراقة دمه”
هذا الذي يكفر به القرافي هو عقيدة الصحابة
الكرام وعامة التابعين وأتباع التابعين
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 1004 – حدثنا
أبي ، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله يعني ابن عمر ، عن زيد بن أبي أنيسة
، عن المنهال بن عمرو ، ويونس بن خباب ، عن مجاهد ، قال : كنت نازلا على عبد الله بن
عمر في سفر ، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه : « انظر طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا
أهلا ولا حياها الله ، هي صاحبة الملكين ، قالت الملائكة : رب كيف تدع عصاة بني آدم
وهم يسفكون (1) الدم الحرام ، وينتهكون (2) محارمك ، ويفسدون في الأرض ؟ قال : إني
قد ابتليتهم فلعلي إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم
به فعلتم كالذي يفعلون ، قالوا : لا ، قال : فاختاروا من خياركم اثنين ، فاختاروا هاروت
وماروت ، فقال لهما : إني مهبطكما إلى الأرض وعاهد إليكما أن لا تشركا ولا تزنيا ،
ولا تخونا ، فأهبطا إلى الأرض ، وألقى عليهما الشبق وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة
امرأة ، فتعرضت لهما ، فأراداها على نفسها ، فقالت : إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني
إلا من كان على مثله ، قالا : وما دينك ؟ قالت : المجوسية ، قالا : الشرك هذا شيء لا
نقر به ، فمكث عنهما ما شاء الله ، ثم تعرضت لهما ، فأراداها عن نفسها ، فقالت : ما
شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح فإن أقررتما لي بديني ،
وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت ، فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ، ثم
صعدا بها إلى السماء ، فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما ، وقطعت أجنحتها فوقعا
خائفين نادمين يبكيان ، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين ، فإذا كان يوم الجمعة أجيب
، فقالا : لو أتينا فلانا فسألناه يطلب لنا التوبة ، فأتياه فقال : رحمكما الله كيف
يطلب أهل الأرض لأهل السماء ؟ قالا : إنا ابتلينا ، قال : ائتياني في يوم الجمعة ،
فأتياه فقال : ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية ، فأتياه فقال : اختارا
فقد خيرتما إن أحببتما معاقبة الدنيا وعذاب الآخرة ، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما
يوم القيامة على حكم الله ، فقال أحدهما : الدنيا لم يمض منها إلا قليل ، وقال الآخر
: ويحك إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني
الآن ، إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى ، وإننا يوم القيامة على حكم الله ، فأخاف أن
يعذبنا ، قال : لا ، إني لأرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة
أن لا يجمعهما علينا ، قال : فاختاروا عذاب الدنيا ، فجعلا في بكرات من حديد في قليب
مملوءة من نار عاليهما سافلهما »
وهذا إسناد قوي إلى ابن عمر
قال ابن حجر في المطالب العالية 3615
– قال إسحاق : أنا جرير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عمير بن سعيد قال : سمعت عليا
، يخبر القوم أن هذه الزهرة ، تسميها العرب الزهرة وتسميها العجم أناهيد ، فكان الملكان
يحكمان بين الناس ، فأتتهما كل واحد منهما من غير علم صاحبه
فقال أحدهما لصاحبه : يا أخي إن في نفسي بعض الأمر
أريد أن أذكره لك ؟
قال : اذكره يا أخي ، لعل الذي في نفسي مثل الذي
في نفسك ، فاتفقا على أمر في ذلك
فقالت لهما : لا حتى تخبراني بما تصعدان به إلى السماء
، وبما تهبطان به إلى الأرض قالا : باسم الله الأعظم نهبط ، وبه نصعد
فقالت : ما أنا بمؤاتيتكما الذي تريدان حتى تعلمانيه
. فقال أحدهما لصاحبه : علمها إياه .
فقال : كيف لنا بشدة عذاب الله ؟
فقال الآخر : إنا نرجو سعة رحمة الله
. فعلمها إياه ، فتكلمت به فطارت إلى السماء ، ففزع ملك لصعودها ، فطأطأ رأسه ، فلم
يجلس بعد
ومسخها الله فكانت كوكبا في السماء.
وهذا إسناد صحيح ، ولا شك أن له حكم الرفع فعلي لا
يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل (على قول من يرد آثار الصحابة بهذه الدعوى)، ثم إنه في
سبب نزول آية، وقول الصحابي في التفسير وفي سبب النزول له حكم الرفع.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره 1005 – حدثنا
أبي ، ثنا مسلم ، ثنا القاسم بن الفضل الحداني ، ثنا يزيد يعني الفارسي ، عن ابن عباس
قال : « إن أهل السماء الدنيا أشرفوا على أهل
الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي ، فقالوا : يا رب ، أهل الأرض يعملون بالمعاصي ، فقال
الله تعالى : » أنتم معي ، وهم غيب عني « ، فقيل لهم : » اختاروا منكم ثلاثة « ، فاختاروا
منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض على أن يحكموا بين أهل الأرض ، وجعل فيهم شهوة
الآدميين ، فأمروا أن لا يشربوا خمرا ، ولا يقتلوا النفس ولا يزنوا ولا يسجدوا لوثن
، فاستقال منهم واحد فأقيل ، فأهبط اثنان إلى الأرض فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال
لها مناهيد ، فهوياها جميعا ، ثم أتيا منزلها
فاجتمعا عندها فأراداها ، فقالت : لا حتى تشربا خمري ، وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني
، فقالا : لا نسجد ، ثم شربا الخمر ، ثم قتلا ، ثم سجدا ، فأشرف أهل السماء عليهما
، وقالت لهما : أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما ، فأخبراها فطارت فمسخت جمرة
وهي هذه الزهرة ، وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب
الآخرة ، فاختاروا عذاب الدنيا ، فهما مناطان بين السماء والأرض »
وهذا إسناد قوي إلى ابن عباس
فهؤلاء الصحابة الثلاثة ينسبان الملكين
إلى ارتكاب المعصية وذلك أن الله أودع فيهما الشهوة ونزع منهما عصمة الملائكة ، وابن
عمر وابن عباس يقولان بأنهما يعذبان وبعض النظر عن تحديد مكان فقد وقع هؤلاء الثلاثة
فيما حذر منه القرافي الأشعري الجهمي من اعتباره نسبة هذا للملكين انتقاصاً لهما يوجب
الكفر
وهذا من حماقات القوم كتكفير ابن العربي
لمن يقول بأن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار ، وكتكفير كثير من علماء الماتردية
لمن يقول برؤية الله عز وجل في المنام
وقد نقل السيوطي في كتابه الحبائك
:” وقال البلقيني في منهج الأصوليين: العصمة واجبة لصفة النبوة والملائكية وجائزة
لغيرهما، ومن وجبت له العصمة فلا يقع منه كبيرة ولا صغيرة ولذلك نعتقد عصمة الملائكة
المرسلين منهم وغير المرسلين قال الله تعالى: (لا يَعصِونَ اللَهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ
ما يُؤمَرونَ) والايات في هذه المعنى كثيرة وإبليس لم يكن من الملائكة وإنما كان من
الجن ففسق عن أمر ربه، وأما هاروت وماروت فلم يصح فيهما خبر. انتهى. وفي كتاب الجامع
من المحلى لابن حزم: أن هاروت وماروت من الجن وليسا ملكين قلت: فإن صح هذا لم يحتج
إلى الجواب عن قصتهما كما أن إبليس لم يكن من الملائكة، وإنما كان بينهم وهو من الجن
ثم رأيت في عقيدة الإمام أبي منصور الماتريدي – وهو إمام الحنفية في الإعتقاديات كما
ان الشيخ أبا الحسن الأشعري إمام الشافعية في ذلك – مانصه: ثم إن الملائكة كلهم معصومون
خلقوا للطاعة إلا هاروت وماروت. هذا لفظه، وهذه العقيدة شرحها القاضي تاج الدين السبكي
يشرح في مجلد لطيف سماه ” السيف المشهور عن شرح عقيدة الإمام أبي منصور
“
قول البلقيني أن قصة هاروت وماروت لا
تصح مجازفة لا تستغرب من أشعري فقد صح عن الصحابة الذين ذكرتهم وصحح القصة عن عدد من
الصحابة تلميذه ابن حجر في العجاب وأما قول ابن حزم فهو ضحكة تليق برجل في مستواه العقلي
وولعه بالشذوذ
وقد رد تلميذه ابن حجر عليه
قال السيوطي في الحبائك :” لهذه القصة طرق أخرى كثيرة جمعها الحافظ ابن حجر
في جزء مفرد، وقال في كتابه) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد (: إن الواقف عليه
يكاد يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها وقد وقفت على
الجزء الذى جمعه فوجدته أورد فيه بضعة عشر طريقا، وقد جمعت أنا طرقها في التفسير فبلغت
نيفا وعشرين طريقا”
وخذ كلام الشيرازي أيضاً
قال أبو إسحق الشيرازي امام الأشاعرة
في وقته وصاحب كتاب المهذب ما نصه: (فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق
المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر. ومن نسب إليهم غير
ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما. .). انظر شرح اللمع له (1/ 111)
وقال ابن حجر في شرح البخاري (2/444)
:” وَقَدْ خَصَّ الْحَلِيمِيّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَع بِهِ الِاشْتِرَاك كَمَا
لَوْ قَالَ الطَّبَائِعِيّ : لَا إِلَه إِلَّا الْمُحْيّ الْمُمِيت ، فَإِنَّهُ لَا
يَكُون مُؤْمِنًا حَتَّى يُصَرِّح بِاسْمٍ لَا تَأْوِيل فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ مَنْ
يُنْسَب إِلَى التَّجْسِيم مِنْ الْيَهُود لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي فِي السَّمَاء
لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا كَذَلِكَ ، إِلَّا إِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يَفْقَهُ مَعْنَى
التَّجْسِيم فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي قِصَّة الْجَارِيَة الَّتِي سَأَلَهَا
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ مُؤْمِنَة ، قَالَتْ نَعَمْ ، قَالَ
فَأَيْنَ اللَّه ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاء ، فَقَالَ أَعْتِقهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة
، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَخْرَجَهُ مُسْلِم”
فتأمل تصريحه بأن اليهودي الذي يؤمن بالعلو
لا يكون مؤمناً ولو تلفظ بالشهادتين وذلك لأنهم يكفرون معتقد العلو ويردون على النبي
صلى الله عليه وسلم شهادته للجارية بالإيمان وتأمل ما في كلامه من نبز الجارية بالجهل
وعدم العلم بالتجسيم أي أنها لم تعلم من التوحيد ما علم هؤلاء
وقال ابن حجر أيضاً في شرح البخاري
(5/123) :” لَكِنْ قَالَ حُذَّاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ : مَا عَرَفَ اللَّهَ مَنْ
شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْيَدَ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ الْوَلَدَ
فَمَعْبُودُهُمْ الَّذِي عَبَدُوهُ لَيْسَ هُوَ اللَّهُ وَإِنْ سَمَّوْهُ بِهِ”
فجعل من يثبت اليد لله عز وجل كمن يقول
لله ولد ومن قال بهذا القول ينبغي أن يوصف بأنه من فجرة الملحدين لا حذاق المتكلمين
وقال ابن حجر في الدرر الكامنة
(1/49) :” ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا
يستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان أشد
الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما له عقد المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين
يعذر فقال البكري لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصاً يقتل وإن لم يكن تنقيصاً
لا يعذر”
فانظر كيف كفروه بالتوحيد المحض وحديث
( إنه لا يستغاث بي ) معلوم عند أهل العلم وإن كان فيه ضعيف إلا أنه نص في المسألة
ومشهور بين أهل العلم وما أنكر أحد متنه وتدل عليه قواطع الأدلة من الكتاب والسنة
وابن حجر ينقل هذا الهراء ساكتاً عليه
في سلسلة من الاتهامات الفاجرة في حق شيخ الإسلام سردها سرداً والله الموعد
وتكفير الأشعرية لعبد الغني المقدسي معلوم
مشهور لإثباته الصفات وامتحانهم له ، وكذا صنيعهم مع الهروي وعرضه على السيف عدة مرات
ليسكت عنهم
واستتابة القوم لابن أبي العز لقوله بحرمة
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم معلومة مشهورة
ولاحظ أنهم في كل هذا الغلو يكفرون بأمور
ظاهر الأدلة يعضدها !
وخذ أيضاً تكفير ابن فورك لمقالتها قالها
السلف
ال ابن فورك الأشعري في تفسيره
:” ومن زعم أن الصّمد بمعنى المصمت فقد جهل الله لأن المصمت هو المتضاغط الأجزاء
وهذا تشبيه وكفر بالله”
أقول : تفسير الصمد بالذي لا جوف له وهو
معنى المصمت هو تفسير عامة السلف !
والرمي بالتشبيه شبهة جهمية حمقاء لو
طردناها لكفرناه بإثباته للسمع والبصر والقدرة وغيرها
واللطيف أن صاحبه الاسفرائيني أبي المظفر
الأشعري اختار هذا التفسير وحمله على التجهم فقال في كتابه التبصير الذي حققه الحبشي
كمال الحوت :” قد جَاءَ إِيضَاح اللُّغَة فِي تَفْسِيره أَن الصَّمد هُوَ الَّذِي
لَا جَوف لَهُ وَهَذَا يتَضَمَّن نفي النِّهَايَة وَنفي الْحَد والجهة وَنفي كَونه
جسما أَو جوهرا لِأَن من اتّصف بِشَيْء من تِلْكَ الْأَوْصَاف لم يسْتَحل اتصافه بالتركيب
وَوُجُود الْجوف لَهُ وتقرر بِهَذِهِ الْجُمْلَة وجوب الْمعرفَة بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات
والتمييز بَين الْحق وَالْبَاطِل وَمن لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة نفي صفة الْبَاطِل
لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة إِثْبَات صفة الْمعرفَة بِالْحَقِّ”
وقال أيضاً :” وَهُوَ قَوْله {الله
الصَّمد} والصمد فِي اللُّغَة على مَعْنيين أَحدهمَا أَنه لَا جَوف لَهُ وَهَذَا يُوجب
أَن لَا يكون جسما وَلَا جوهرا لِأَن مَا لَا يكون بِهَذِهِ الصّفة جَازَ أَن يكون
لَهُ جَوف وَالْمعْنَى الثَّانِي للصمد هُوَ السَّيِّد الَّذِي يرجع إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج
وَهَذَا يتَضَمَّن إِثْبَات كل صفة لولاها لم يَصح مِنْهُ الْفِعْل كَمَا نذكرهُ فِيمَا
بعد لِأَن من لَا تصح مِنْهُ الْأَفْعَال الْمُخْتَلفَة لم يَصح الرُّجُوع إِلَيْهِ
فِي الْحَوَائِج المتباينة وَقد جمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِه السُّورَة
بَين صِفَات النَّفْي وَالْإِثْبَات”
فكأنه يرد على صاحبه ابن فورك
وقال الزجاج وهو جهمي أيضاً في اشتقاق
الأسماء :” ويقال: «صمدت صمده» أي: قصدت قصده. وقال عكرمة ومجاهد: هو الذي لا
جوف له. وروي عن ابن عباس أنه قال: هو الذي ليس بأجوف وكأنه ذهب إلى نفي التجسيم والتحديد
عند جل وعز فتكون الدال على هذا التقدير مبدلة من تاء في تقدير العربية”
وقال الأصبهاني في بيان الحجة
:” وفيه توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. وقال الأعمش عن شقيق أبي وائل: {الصَّمَدُ}
السيد الذي قد انتهى سُؤْدُدُهُ، وقال الحسن أيضا: {الصَّمَدُ} الحي القيوم الذي لا
زوال له، وقال الربيع بن أنس: هو الذي لم يلد ولم يولد، كأنه جعل ما بعده تفسيرا له،
وقال سفيان عن منصور عن مجاهد: {الصَّمَدُ} المُصْمَتُ الذي لا جوف له، قال أبو القاسم
الطبراني في كتاب السنة: وكُلُّ هذه صحيحةٌ، وهي صفات ربنا عز وجل”
وقال الطبري في تفسيره حَدَّثَنَا ابْنُ
بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، قَالَ: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] : «الْمُصْمَتُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ»
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ سَوَاءٌ
وهذا إسناد صحيح لمجاهد كله أئمة فهذا
إمام المفسرين مجاهد يفتي بهذا الذي يعده ابن فورك تشبيهاً
وقال الطبري أيضاً حَدَّثَنِي الْحَارِثُ،
قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
قَالَ: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] : «الْمُصْمَتُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جَوْفٌ»قَالَ:
ثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي
مُجَاهِدٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَسْأَلْهُ عَنِ {الصَّمَدِ} [الإخلاص: 2] ؟
فَقَالَ: «الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ»
وقال أيضاً حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] : «الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ»
وقال أيضاً حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ،
وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،
قَالَ: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] : «الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ»
وروي هذا التفسير عن عكرمة أيضاً
وقال الماوردي في المعتزلي في تفسيره
:” أحدها: أن الصمد المصمت الذي لا جوف له , قاله الحسن وعكرمه والضحاك وابن جبير
, قال الشاعر:
(شِهابُ حُروب لا تَزالُ جيادُه … عوابسَ
يعْلُكْنَ الشكيمَ المُصَمّدا)”
وقد تكلم ابن تيمية في بيان التلبيس بكلام
طويل حسن غاية الحسن في هذه المسألة وكان مما قاله :” وأما قول القائل إن الصمد
المصمت الذي هو شيء واحد فهذا يقوله المثبت ويقوله النافي فإن كونه لا يتبعض مُجمل
يراد به أنه لا ينفصل منه شيء وهو التفسير المأثور عن السلف ويراد به الذي لا يُعلم
منه شيء دون شيء وهو مراد نفاة الجسم وكذلك نفي التركيب مجمل يقوله المثبت والنافي
فإن التركيب يراد به التركيب المعروف في اللغة وهو أن يكون قد ركب الشيء والشيء كما
قال الله تعالى فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) [الانفطار 8] والله عز وجل
مقدس عن أن يكون ركَّبه مركِّب أو أن تكون ذاته كانت أجزاء متفرقة فاجتمعت وتركبت ويراد
بالتركيب أنه لا يُعلم منه شيء دون شيء فنفاة الصفات من الفلاسفة والمعتزلة يقولون
ثبوت الوجه واليدين تركيب وهؤلاء يقولون ثبوت الوجه واليدين تركيب وعدد ومعلوم أن هذا
الاسم لا ينفي هذا المعنى وإنما ينفي الأول لأن الصمد يتضمن معنى الاجتماع وقد أخبر
سبحانه وتعالى أنه هو الصمد بصيغة الحصر ليبين أنه الكامل في الصمدية المستحق لها على
الحقيقة والكمال دون غيره إذ كل ما سواه يقبل التفريق والتبعيض وهو سبحانه الصمد الذي
يجب له ذلك ويمتنع عليه ضد ذلك من الافتراق وأما كون الصمد يتضمن معنى الاجتماع وأنه
مصمت ونحو ذلك يقتضي تعدد الصفات إذ الاجتماع لا يكون إلاَّ فيما له عدد فلو لم يكن
منه وله صفات تقتضي التعدد لامتنع أن يقال له صمد أو مصمت أو يكون التصمد يقتضي معنى
الاجتماع فاسم الصمد بأي شيء فُسر يوجب وجود صفات واجتماعها له والدليل على ذلك أن
غاية ما يفسرونه به من نفي الصفات أنه هو المصمود إليه كما قال القرطبي الخلق كلهم
متوجهون إلى الله ومجتمعون بجملتهم في قضاء حوائجهم وطلبها من الله فهو الصمد على الإطلاق
والقائم بسد مفاقر الخلق فيقال كون الخلق يقصدونه ويسألونه هذا أمر حسي إذ القصد والسؤال
قائم بهم فهو لا يستحق الاسم بمجرد فعل غيره بحيث لو قدر أنهم لم يسألوه لم يكن صمدًا
بل لابد أن يقال هو المستحق لذلك في نفسه كما تقدم عن الحليمي وغيره وأيضًا فإن كونهم
يقصدونه ويحتاجون إليه يقتضي أمرًا ثبوتيًّا في ذاته لأن الأمور العدمية تمتنع أن تكون
مقصودة أو قاضية للحوائج فعلم أن كونه صمدًا بمعنى مقصود مصمود إليه يقتضي ثبوت أمور
وجودية بها يستحق أن يكون صمدًا وبها أمكن أن يكون مقصودًا معطيًا وليس ذلك لـ ـمجرد
موجود وإلاَّ لوجب أن يكون كل موجود هو الصمد ولا لمجرد أمر يتصف به المخلوق لأنه لو
كان هو الصمد لمعنى يقوم بالمخلوق لكان المخلوق هو الصمد أيضًا وقد بينا أن قوله هو
الصمد يبين أنه المستحق لهذا الاسم على الكمال والحقيقة وأيضًا فلو فرض أنه صمد وغيره
صمد فغيره لم يكن صمدًا إلاَّ بأمور وجودية أيضًا فهو أحق بأن لا يكون صمدًا إلاَّ
بأمور وجودية لا عدمية إذ هو أحق بالكمال من كل موجود فعلم أن الصمدية توجب أمورًا
وجودية على غاية الكمال ولهذا فسر الصمد بأنه الكامل في كل شيء كما قيل العظيم الذي
كمل في عظمته والحليم الذي كمل في حلمه والغني الذي كمل في غناه والجبار الذي كمل في
جبروته والعالم الذي كمل في علمه والحكيم الذي كمل في حكمته وهو الذي كمل في أنواع
الشرف والسؤدد وهو الله تعالى هذه صفته التي لا تنبغي إلاَّ له وقد تقدم ذكر ذلك في
تفسير الوالبي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومعلوم أن هذه صفات متعددة ونفاة الصفات
يسمون ذلك تركيبًا وأجزاء ويقولون إن البارئ منزه عن التركيب والأجزاء ونحو ذلك فعلم
أن الاسم يدل على ثبوت ما ينفونه وكذلك من قال إنه لا يُرى بعضه دون بعض أو لا يحجب
العباد عنه حُجُب ونحو ذلك لأن ذلك عنده تجسيم وتركيب”
–
فخلاصة كلام هؤلاء الذين تحمر لهم أنوف
تكفير كل أئمة السلف الذين رووا لنا الحديث والفقه والدين ككل وهم لا يلتزمون هذا بل
يتناقضون ولكن هذه حقيقة مقالتهم المتناقضة
يقول ابن رشد في فصل المقال :” وزائداً إلى هذا كله أن طرقهم التي سلكوها في اثبات تأويلاتهم ليسوا فيها لا مع الجمهور ولا مع الخواص، أما مع الجمهور فلكونها أغمض من الطرق المشتركة للأكثر، واما مع الخواص فلكنوها إذا تؤملت وجدت ناقصة عن شرائط البرهان، وذلك يقف عليه بأدنى تأمل من عرف شرائط البرهان. بل كثير من الأصول التي بنت عليها الأشعرية معارفها هي سوفسطائية، فانها تجحد كثيراً من الضروريات، مثل ثبوت الأعراض وتأثير الأشياء بعضها في بعض، ووجود الأسباب الضرورية للمسببات والصور الجوهرية والوسائط.
ولقد بلغ تعدي نظارهم في هذا المعنى على المسلمين أن فرقة من الأشعرية كفرت من ليس يعرف وجود البارىء سبحانه بالطرق التي وضعوها لمعرفته في كتبهم، وهم الكافرون والضالون بالحقيقة.
ومن هنا اختلفوا: فقال قوم اول الواجبات النظر، وقال قوم الايمان، اعني من قبل انهم لم يعرفوا اي الطرق هي الطرق المشتركة للجميع التي دعا الشرع من ابوابها جميع الناس، وظنوا أن ذلك طريق واحد. فأخطأوا، مقصد الشارع، وضلوا وأضلوا.”
ومن ادعى أن معرفة الدين متوقفة على هؤلاء
فقد جهل فالعقيدة لا تؤخذ من واحد من هؤلاء باعتراف الجميع
وأما الفقه فعامتهم مقلدون لأئمتنا معترفون
لهم بالفضل
وأما الحديث فعامة الكتب المسندة صنفت
في زمن السلف وأخذ فقهها وحرر الكلام في أصح الأخبار وأوهاها وبقي شيء يسير إنما يسلك
فيه المرء على سننهم
والمنافح عنهم لا بد أن يتلبس بشيء من
المكفرات التي يعدونها فلو كانوا أحياءً ومات هذا المنافح لأفتوا بعدم جواز الصلاة
عليه
فصدق الله حين يقول سبحانه وما يقول إلا الصدق ( ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ )
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم