لن يسألك الله في قبرك عن نصرة أهل غزة!

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سمعت مقطعاً لأحد المشيخة يقول فيه إنك في قبرك ستُسأل عن التنزه من البول (وهذا حق وحسن) ولكنك لن تُسأل عن فلسطين!

وحقيقة أتعجب من هذه المقارنة، فهناك حساب يوم القيامة عن كل دقيق وجليل، ونصرة المظلوم سواءً كان في فلسطين أو سوريا أو السودان من الواجبات على من استطاع ذلك، وعملٌ صالح داخل في قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره • ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} [الزلزلة] وقوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق]، مع ما ورد في أخبار نصرة المظلوم خاصة. 

وعهدي بهذا المتحدث أنه معظم للألباني، وهنا حديث صححه الألباني في أنك ستُسأل في قبرك عن نصرة المظلوم.  

جاء في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني: “2774- «أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه نارا، فلما ارتفع عنه وأفاق قال: على ما جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره».

أخرجه الطحاوي في “مشكل الآثار” [4/231]: حدثنا فهد بن سليمان قال: حدثنا عمرو بن عون الواسطي قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن عاصم عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال “التهذيب” غير فهد هذا، وهو ثقة ثبت كما قال ابن يونس في “الغرباء” كما في “رجال معاني الآثار” (85/1)، وعاصم هو ابن أبي النجود وهو ابن بهدلة، قال الحافظ: “صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين”. والحديث أورده المنذري في “الترغيب” (3/148) برواية أبي الشيخ ابن حيان في “كتاب التوبيخ”، وأشار إلى تضعيفه! ففاته هذا المصدر العزيز بالسند الجيد. وليس الحديث في الجزء المطبوع من “كتاب التوبيخ””.

تأمل قوله في الحديث: «ومررت على مظلوم فلم تنصره» والنصرة بالمقدور عليه، الأمر بالمعروف؛ النهي عن المنكر؛ النصرة باللسان والسنان، لا خصوصية لأهل فلسطين على فضل ما يمرون به، بل كل مسلم في بورما والسودان وسوريا والعراق، بل والمظلوم في بلدك وأي بلد إن استطعت أن تنصره بشيء تعيَّن عليك ذلك، وفي الحديث: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».

بل حتى من يُظلم ويُفترى عليه من آحاد الناس من طلاب العلم وغيرهم، داخلون في ذلك. 

علماً أن تصحيح الألباني للخبر وهم، فجعفر بن سليمان الذي في السند هو حفص بن سليمان تصحف، فاغتر الألباني بهذا التصحيف فقوى الخبر، وحفص ضعيف، وقد شرحت ذلك في مقال بعنوان: «التنبيه على تصحيف في بيان مشكل الآثار للطحاوي».

غير أن الخبر ثابت من قول عمرو بن شرحبيل التابعي الكبير، ويغلب على الظن أنه أخذه من الصحابة.

وحتى حديث التنزه من البول أيضاً فيه أن المرء يعاقب في قبره على النميمة، واليوم توجد نميمة بين الشعوب في مواقع التواصل الاجتماعي ينبغي الوقوف لها، والنميمة ذُمَّت لأنها تفرق الناس بالباطل، فكذلك تُحمد النصرة للمظلوم لأنها تجمع قلوب الناس بالحق.

والنصرة لا تعني الموافقة على الحق والباطل، بل أحياناً يكون من النصرة النصيحة بالتزام الشرع والبعد عن تعظيم المشركين ووصفهم بالشهداء، وهذا لا ينافي نصرة المستضعفين والدعاء لهم والسعي في إيصال الخير لهم وحث أصحاب القرار على التحرك لنصرتهم ونفعهم، بل الحزن عليهم دون قنوط أو انكسار مشروع، لقوله ﷺ: «ألا إن مثل المؤمنين ومثل توادهم وتحابهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى».

وإذا كنا نتحدث عن نعمة الأمن دائماً، فينبغي أن نحب ذلك لإخواننا المسلمين ونرجو لهم أن ينعموا بها، وهذه عبادة، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

(علماً أنني بعد هذا رأيت مقطع المتحدث كاملاً، وسمعته يقول لا يجوز الفرح بانتصار اليهود على المسلمين فذلك يمسُّ الولاء والبراء، وهذا حسن، وذِكر أمر المستضعفين طيب، المستضعفون بابهم النصرة من استطاع إلى ذلك سبيلاً).