لماذا ينبغي أن يكونوا قدوات؟
انتشر في مواقع التواصل ( الفيس بوك تحديداً ) تعليقات كثيرة على سجود ممثل بلباس غير لائق وحوله صخب موسيقي ونساء بلباس سيّء
كثرت التعليقات جداً وتألم كثيرون من هذه الاستهانة خصوصاً وأن هذا الممثل يعتبر قدوة للشباب
وصار من عادة كثيرين أنهم إذا أرادوا أن يدللوا على تردي ذوق المجتمع أن يضعوا صورة لمطرب هابط شهير وممثل سيّء المادة شهير أيضاً ثم يكتبوا إذا كان هذا هو الممثل الأول وهذا هو المطرب الأول فمن الطبيعي أن يكون ( ويضعوا صورة لأي أحد في مجال آخر يريدون أن يعبروا عن امتعاضهم من شهرته في هذا المجال )
غير أن السؤال هنا : لماذا ينبغي أن يكون هؤلاء قدوات ومعيار قياس الذوق المجتمعي ؟
منذ كنّا صغاراً كان الممثل والمطرب والرياضي ( خصوصاً لاعب كرة القدم ) محل احتفاء كبير حتى أن وسائل الإعلام تعنى بتعريف الناس بكل شيء عنهم لأنهم قدوات ومعشوقي الجماهير
وكنت أتساءل منذ زمن طويل ما الذي أستفيده إذا عرفت أن اللاعب الفلاني يحب المعكرونة وأن الممثل الفلاني يفضل اللون الأخضر فحتى لو أحببت ما يفعلون في أعمالهم فلن تهمني مثل هذه الأمور كما أنني لا آبه كثيراً لكون بائع العصير المفضل عندي حياته الزوجية مستقرة أم لا ؟!
غير أن الأمر أعمق من هذا التسطيح
الأمر له اتصال بمنظومة الأهداف المعلمنة والعقلية الرأسمالية
فإذا سألنا سؤالاً ما حكمة اقتدائنا بالأنبياء ومحبتنا لهم وحرصنا على دراسة أحوالهم تفصيلياً ( هذا الذي ينبغي وإلا فهو غير واقع ) وكون أعلى رتبة عندنا هي للعلماء ورثة الأنبياء ؟
فسيكون الجواب : أن هناك اتصالاً وجدانياً إيجابياً مع الأنبياء لأن أسماءهم اتصلت ببلوغ هدى الله إلى الخلق والذي به حصلت الطمأنينة للكثير من النفوس (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) فمعرفة التوحيد وأسماء الله وصفاته وحكمته من خلقه وتأنيس أهل البلاء وترغيب أهل الطاعات وغيرها من المعاني الطيبة جاء بها هؤلاء من عند رب العالمين
وفِي نمط الحياة الحديث تحت وطأة ضعط العمل المستمر والكدح وراء متطلبات الهوس الإستهلاكي ومخاوف المستقبل التي لا تنتهي في الحياة عند الحديثة إلا عند من استأنس بالله وحسن إيمانه وفهمه للقضاء والقدر ، يصير صناع المحتوى المسلي من مطربين وممثلين ورياضيين لهم حضور إيجابي في نفوس الناس في هذا الزمن في حالة الاغتراب التي يعيشونها ، في رحلة الهروب من الذات ومن الأسئلة الوجودية خوفاً من أن يجعلنا هذا نراجع أمورا محورية في حياتنا
وأيضا نحن نحب الأنبياء ونقتدي بهم لأنهم خير من حقق الغاية التي من أجلها خلقنا
وأما الإنسان الحديث في منظومة أهدافه المعلمنة فخير من حقق هذه الأهداف ( المشاهير ). الذين حققوا ( الشهرة ) و ( المال ). ويتبع هذين بقية الملذات لذا يعتبر أي مهرج أو لاعب أو داعر حقق هذين الأمرين قدوة بوجه من الوجوه ولهذا صرنا نجد بعض صناع المحتوى في اليوتيوب صار يهتم بجمع المشاهدات التي تحقق له المال والشهرة ولو بعرض ( لحم ) زوجته أو تصويرها وهي تلد ابنه !
قد يقول قائل : هل تريد القول أن القوم يحلون في قلوبنا محلاً ينبغي أن يحله الأنبياء وورثتهم ؟
الجواب : نعم وبلا شك وكل ذلك فرع عن منظومة الأهداف المعلمنة والتي يدعمها الإعلام الرأسمالي الذي يسعى في تعظيم هؤلاء لأن المؤسسات الرأسمالية تستفيد منهم في ترويج سلعها وتوكيد الهوس الإستهلاكي الذي يستعبد بسببه ملايين في دول مثل الهند والصين ولكننا لا نرى سوى ذاك المشهور وهو يروج للسلعة في إعلان تجاري
أي إنسان يُؤْمِن بالله ورسوله ويتبع هدي السلف يعلم أن هوس (المال ) و(الشهرة ) ليسا طريق رضا الله عز وجل
قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة ) قال عدد من السلف : بالقناعة . الدنيا ممر والمال والشهرة إن وجدا فهما وسيلة لا غاية ومن حازهما في حرام هو أهل للشفقة عليه أو البغض في الله لا التعظيم والإحترام وقد قص الله علينا نبأ قارون وفيه عبرة عظيمة
ونخدع أنفسنا حين نخاطب أناساً تشبعوا بهذا الهوس بحديث ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) دون أن نذكر لهم بقية الأخبار في الباب التي تضبط لهم الأمور وتشرح لهم معنى الخبر فهم مع خطاب مجتزأ سيفهمون الأمور على ما نشأتهم عليه الآلة الإعلامية الرأسمالية وتتم الغفلة عن دلالة كلمة ( الصالح )
والعجيب أنه في هذا الزمان الذي نعرف فيه تفاصيل التفاصيل عن التافهين والتافهات بحجة أنهم حققوا المال والشهرة يتذمر البعض من دراسة الشمائل المحمدية أو السنة النبوية ككل وأن ذلك الذي سيعيق رحلاتهم إلى القمر !