سفيان بن سعيد الثوري كان إماماً في الحديث إماماً في الزهد إماماً
في السنة إماماً في الفقه
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر :
” [1732 ]: واعلم أني قد تصفحت التابعين ومن بعدهم، فما رأيت أحظى بالكمال
من أربعة أنفس: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل رضي الله
عنهما، وقد كانوا رجالًا؛ وإنما كانت لهم همم ضعفت عندنا، وقد كان في السلف خلق كثير
لهم همم عالية، فإذا أردت أن تنظر إلى أحوالهم، فانظر في كتاب صفة الصفوة وإن شئت تأمل
أخبار سعيد، والحسن، وسفيان، وأحمد رضي الله عنهم، فقد جمعت لكل واحد منهم كتابًا”
وهذا الرجل سفيان الثوري قد بلغ به من التحرق على الإسلام أنه كان إذا
رأى منكراً فلم ينهَ عنه يبول الدم
وقد علمت ما في الجهاد والرباط من الفضائل العظيمة ، وكون من مات وما
غزا أو يحدث نفسه بالغزو قد يكون قد مات على شعبة من النفاق ( وإن كان بعض أهل العلم
حمل هذا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ) غير أنه رحمه الله كان قد ترك الغزو في بعض
عمره
فلماذا ؟
قال أبو نعيم في الحلية (7/81)
: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ
, ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ:
جَلَسْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
بْنِ أَدْهَمَ , فَذَكَرَ سُفْيَانَ فَكَأَنَّهُ عَابَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْغَزْوِ
, قَالَ: هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو أَسَنُّ مِنْهُ يَغْزُو .
فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: مَا
كَانَ يَعْنِي سُفْيَانَ فِي تَرْكِ الْغَزْوِ؟
قَالَ: كَانَ يَقُولُ: إِنَّهُمْ يُضَيِّعُونَ الْفَرَائِضَ.
شيخ أبي نعيم ما عرفته ولكنه أكثر عنه عن ابن أبي عاصم
فسفيان هنا شاهد أمراً وهو أن الجهاد إنما قام لإعلاء كلمة الله عز
وجل لا لتوسيع النفوذ ولا للفرح بقهر الأعداء فلما كان من دأب المجاهدين تضييع الفرائض
كانوا هم أهل لئن يجاهدوا ويعلموا لا أن يقروا على حالهم هذا
فكيف لو رأى سفيان الجهاد الأفغاني وما ضارعه من إقرار البدع بل الشركيات
بحجة الاجتماع أمام العدو المشترك وليس هذا من دين الله في شيء
فالمقصود من الجهاد إعلاء كلمة الله وفي السكوت عن هذه البلايا تضييع
لدين فكيف نجمع بين النقيضين
وقد قضى سفيان حياته كلها في مجاهدة ما يرى من المنكرات فأصلح الله
به خلقاً كثيراً في حياته وبعد وفاته وإلى عصرنا
وقال عبد الله بن أحمد في السنة [ 436 ]:
حدثني عباس بن محمد الدوري
، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام ، يقول :
كلمت الناس وكلمت أهل الكتاب ، فلم أر قوما أوسخ ولا أقذر ولا أطفس
من الرافضة ، ولقد نفيت ثلاثة رجال إذ كنت بالثغر قاضيا جهميين ورافضيا أو رافضيين
وجهميا وقلت مثلكم لا يجاور أهل الثغور .
ولم يقل لهم ( اجلسوا نحارب العدو المشترك )
وقال ابن قدامة في المغني :
” [ 7420 ] فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ
: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ الْقَائِدِ إذَا عُرِفَ بِالْهَزِيمَةِ
وَتَضْيِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّمَا يَغْزُو مَعَ مَنْ لَهُ شَفَقَةٌ وَحَيْطَةٌ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
فَإِنْ كَانَ الْقَائِدُ يُعْرَفُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْغُلُولِ
، يُغْزَى مَعَهُ ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ ، وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ
}”
فكيف بإمام يضيعهم في أمر أخراهم وعقيدتهم فيعلمهم البدع والشركيات
وذلك أخطر من القتل وتسلط العدو ؟
واعلم أن من أهمه إعلاء كلمة الله عز وجل كره كل بدعة وكل ضلالة فضلاً
عن الشرك وسعى في إزالته بكل ما أوتي من قوة ولم يبال أن يصيبه ما أصابه في سبيل ذلك
ولم يفعل كمن ينتقي من أعداء الله من يترتب على إزالة منكره فوز بالحكم أو السلطة أو
الشهرة فتلك علامة عطب القلب
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم