شخصية نابليون يراها كثير من الفرنسيين أعظم شخصية فرنسية في التاريخ لإنجازاته السياسية، وهكذا يقيِّمون الناس، وكثير من المؤرخين الأوروبيين يعظمونه جداً -على كل هناته- لإنجازاته وعبقريته العسكرية وثقافته العالية.
وأما نحن في بلاد الإسلام فنعلم مكره ودهاءه وإجرامه.
وهناك رأي له لا يعلمه كثيرون، وهو أنه كان مؤيداً لتعدد الزوجات.
جاء في كتاب «قصة الحضارة» الملحق صـ534: “وكان نابليون يؤمن بنظرة محمد (صلى الله عليه وسلم: المترجم) للزواج: إن هدفه هو إنجاب عدد كبير من الذرية في ظل ظروف يتمتع فيها الرجل بالحرية، وتتمتع فيها الزوجة المخلصة المطيعة بالحماية. وشعيرة الزواج -رغم إمكان عقد القران مدنياً- لا بد أن تكون ذات طابع مقدّس وقور يتم التأكيد خلالها على التزامات الطرفين.
ولا بد أن ينام الزوج والزوجة معاً، “فهذا يُقصي الفردية من الحياة الزوجية ويضمن وضع المرأة وارتباط الزوج بها، ويجعل بينهما مودة ورحمة intimacy ويضمن الفضيلة” وقد اتبع نابليون هذه العادات القديمة حتى استقر رأيه على الطلاق.
وعلى أية حال فإن كانت الزوجة المخلصة الواحدة غير كافية للرجل: “فإنني أجد أنه من السخرية ألّا يكون قادراً على أن يكون له أكثر من زوجة شرعية، ذلك أن المرء إذا كان لديه زوجة واحدة حُبلى، أصبح وكأنه لا زوجة”
لذا فتعدد الزوجات Polygyny أفضل من الطلاق أو الزنا. ويجب ألّا يُسمح بالطلاق بعد عشرة زوجية استمرت عشر سنوات. ويجب ألّا يُسمح للزوجة بالطلاق إلّا مرة واحدة وألّا يُسمح لها بالزواج -إن طُلقت- إلا بعد خمس سنوات”.
أقول: الذي يبدو لي والله أعلم أن رأيه هذا منطلق من رؤيته العسكرية، وليس تأثُّراً منه بالمسلمين.
وذلك أنه فقد كثيراً جداً من الجنود في حروبه: “لقد قيل إنه جند في جيوشه عدداً يبلغ إجمالية 2,613,000 فرنسي، مات منهم حوالي مليون في سبيل خدمته” «قصة الحضارة» [44/164].
(والمضحك أن كثيراً ممن يرون في جهاد الطلب شبهة يقتنعون بسهولةٍ بكلام المدافعين عن نابليون أنه كان مضطراً لعامة هذه الحروب وإلا ذهبت فرنسا).
والشعوب التي تمر بحروب أو أوبئة أو ثورات تفقد كثيراً من أبنائها ولا يمكنها تعويض هذا النقص إلا بتعدد الزوجات، حيث يمكن للرجل أن ينجب أكبر عدد أبناء في أقصر وقت.
لهذا فقه النكاح عندنا متصل بفقه الجهاد، وإن لم يُدرِك كثير من الناس ذلك، بل عموم الشريعة لو تأمَّلتها تتداخل، وإدراك صور التداخل يتطلب تأمُّلاً.
قد يسخر كثيرون من أفكار هذا الرجل، ولكنهم في الوقت نفسه يعلمون أنه مؤثِّر في التاريخ وأنه سبب من أسباب بقاء فرنسا التي تنشر العالمانية والليبرالية اليوم (والناس يتأثرون بهذه الأفكار) وأن هذا الرجعي كعامة الرجعيين القدامى لهم الفضل في بناء عامة الدول اليوم.
كما أن الإجرام الغربي هو الذي أقام دولاً تُحاضر علينا في حقوق الإنسان، ولولا هذا لكانت دولاً فقيرة لا تغرُّ الناظرين.
الأمر يشبه أن تكون رجل مافيا وتجمع ثروةً من ذلك، ثم بهذه الثروة تزعم أنك تعمل البر وتنهى بقية الناس عن أي أنشطة تشبه أنشطتك القديمة، والمضحك أنك تمارس هذه الأنشطة سراً وتستفيد من نتائجها.
جاء في كتاب «قصة الحضارة» الملحق صـ760: “وكان هؤلاء الأسرى (العبيد من الزنوج) يوضعون في جوف السفينة وفي أحيان كثيرة كانوا يُقيّدون بالسلاسل لمنعهم من التمرد أو الانتحار. وكانوا يُزوّدون بالماء والطعام بالقدر الذي يكفي -بالكاد- لإبقائهم على قيد الحياة، وكانت التهوية بائسة كما كانت وسائل التخلص من الإفرازات والفضلات في حدها الأدنى، وإذا ما هبت عاصفة شديدة وكان لا بد من تخفيف حمولة السفينة تم -أحياناً- إلقاء العبيد المرضى في عُرض البحر لتخفيف الحمولة، وفي بعض الأحيان كان يتم إلقاء غير المرضى أيضاً. فمن بين عشرين مليون زنجي كانوا يُنقلون إلى جزر الهند الغربية البريطانية لم يصل منهم على قيد الحياة سوى 20%”.
ثم النمو الاقتصادي الذي حققه هذا الإجرام صار مزكِّياً للأفكار الحضارية التي يكفر المؤمنون بها بالدين لشبهات يزعمون أنها أخلاقية، ولكن وفقاً لعقائدهم اللادينية لا ينبغي لهؤلاء الذين فعلوا هذا الإجرام أن يخافوا من شيء، وقد أفلتوا بجلدهم إذ لا توجد آخرة ولا إله يحاسب، ولو دار الزمان واحتاج الناس لفعل نحو هذا فسيفعلونه، واستعباد الناس في المصانع لا يزال حاضراً.
هؤلاء الأفارقة لم يكن يُسمح لهم بالتعدد بحسب النصرانية، مع أن كثيراً منهم كانوا مسلمين! وأُجبروا على ترك دينهم، ثم أحفاد القتلة البيض صاروا يقولون لأحفاد المقتولين السود: (لماذا دينكم يُقِرُّ الرِّق؟)، مع أنه مع إقراره الرِّق لا يُقِرُّ هذه الجرائم البتة، فالرِّق الأوروبي فريد من نوعه، والجرائم التي ارتُكبت في سياق بناء (الحضارة) و(الحضاري) لا تقف عند هذا، لكن كثيراً من (الرومانسيين) يظنون أن استيراد أحوال القوم الأخلاقية تضمن قيام أمم بقوَّتهم الاقتصادية، وليس الأمر كذلك.