لماذا أورد البربهاري في شرح السنة مسألة قصر الصلاة في السفر ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال المزني في شرح السنة :” وإقصار الصَّلَاة فِي الْأَسْفَار وَالِاخْتِيَار فِيهِ بَين الصّيام والإفطار فِي الْأَسْفَار إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطر”

وقال البربهاري في شرح السنة : وتقصير الصلاة في السفر سنة.

أقول : استشكل بعض المعاصرين على البربهاري إيراده لهذه المسألة في كتاب عقيدة وكان أولى أن يذكروا معه المزني أيضاً

وأولى من ذلك كله طلب حل الإشكال بدلاً من التسرع في النقد

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى :” قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَإِنَّهُ أَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطَيْنِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ وَخَوْفِ الْكُفَّارِ. وَلِهَذَا اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْقَصْرَ مُجَرَّدُ قَصْرِ الْعَدَدِ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ فَمِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ إلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ حَتَّى رَوَى الصَّحَابَةُ السُّنَنَ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْأَمْنِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ فَقَدْ كَفَرَ. فَإِنَّ مِنْ الْخَوَارِجِ مَنْ يَرُدُّ السُّنَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الرَّسُولَ سَنَّهَا”

وقال أيضاً :” وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا مَعَ الْخَوْفِ وَيَذْكُرُ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ آمَنَ مَا كَانَ النَّاسُ}”

ولا يختلف الفقهاء في مشروعية القصر في السفر وإنما وقع الخلاف في وجوب القصر أو استحبابه فقول بعض منتقدي البربهاري أنه أورد هذه المسألة وقد اختلف فيها السلف قديماً وحديثاً غلط وعجلة ظاهرة

وهذا مثل عجلتهم في إنكارهم عليه قوله أن أرواح الكفار في برهوت مع أن في ذلك آثاراً عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري ولا مخالف لهما

ومثل عجلتهم عليه في قوله أن مع كل قطرة ينزل ملك بحجة أنه لا خبر مرفوع في الباب هذا مع أنهم يقبلون إجماع حرب على أن إسرافيل نافخ الصور والعمدة على أثر لعكرمة وقبولهم إجماع ابن النحاس على أن للميزان لساناً والعمدة في ذلك على أثر للحسن البصري فكذلك العمدة في هذه العقيدة على آثار مقطوعة انتشرت ولم ينكرها أحد ولا معارض لها فعلم أن لها أصلاً ولهذا حتى الغزالي في كتابه الأسنى ذكر هذه العقيدة متقبلاً لها ، وكما قبل الجاحظ المعتزلي عقيدة صور الملائكة حملة العرش مع كونها العمدة فيها على أثر عن هشام بن عروة ( وذلك في كتاب الحيوان له )

وأيضاً مسألة الجنة التي أخرج منها آدم ذهب ابن القيم إلى أن سفيان بن عيينة قال بأنها جنة أرضية وليست الجنة السماوية ولكن الأثر لا يصح عن سفيان وإنما ذكره وذكر ذلك عن غيره وهو المنذر بن سعيد البلوطي وقد اعتمد ابن القيم نقولاته وربما حصل لابن القيم اغترار لما ذكر في ترجمته من المناقب الكبيرة ولم يعلم بكونه تأثر بالمعتزلة ولهذا هذه النقولات التي لم توجد إلا عنده وبلا بينات قوية لعلها من باب تأثره بهم ونقله عنهم بل هناك من ينقل عن تفسيره كلاماً اعتزالياً صرفاً فلا أدري هل اطلع ابن القيم على كلامه أم نقل عنه بواسطة ( والثاني هو الأقرب )

قال السكوني في كتابه لحن العوام ص115 :” وليحترز أيضاً من مواضع في كتاب منذر بن سعيد البلوطي فإنه دخل المشرق زمان هيجان فتنة المعتزلة فرجع إلى الأندلس وقد اعتل كلامه بالاعتزال وخالطه فاسد آرائهم “

فليس بنقولات هذا الرجل وإن اغتر بها بعض الأجلة الكبار يتعقب على البربهاري

وأيضاً لما ذكر البربهاري مسألة التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ذكر هذه المسألة لأن الرافضة ينكرون هذا أشد الإنكار ويقولون هي خمس تكبيرات نعم هذا اختيار لبعض الفقهاء ولكن عامة أهل السنة آل أمرهم على القول بالأربع تكبيرات وصار القول بعدم جواز الأربع علامة على الرافضة فهذا مثل ذكرهم المسح على الخفين في كتب العقيدة لما صار القول بعدم المسح أمارة على أهل البدع وانقرض القول بالإنكار بين أهل السنة لضعفه

والمبالغة في الاعتذار للواقعين في الشرك أو التعطيل مع المبالغة في تتبع عثرات الأئمة أمارة سوء طوية