لماذا أخفي قبر الفخر الرازي؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

لماذا أخفي قبر الفخر الرازي؟

قال جمال الدين القفطي المتوفى عام 646 في كتابه إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص219 في ترجمة الفخر الرازي: “كان في زمننا الأقرب قرأ علوم الأوائل وأجادها، وحقق علم الأصول، ودخل خراسان، ووقف على تصانيف أبي علي بن سينا والفارابي، وعلم من ذلك علما كثيرا، ورحل إلى جهة ما وراء النهر لقصد بني مازة ببخارى ولم يلق منهم خيرا، وكان فقيرا يومئذ لا جدة له، وذكر لي داود الطبي التاجر المدعو بالنجيب وكان يشارك في أخبار الناس قال: رأيت ابن الخطيب ببخارى مريضا في بعض المدارس المجهولة وشكا إلى إقلاله، فاجتمعت بالتجار المستعربين وأخذت منهم شيئا من زكاة أموالهم وأرفقته بذلك وخرج من بخارى وقصد خراسان، واتفق اجتماعه بنحو أرزمشاه محمد بن تكش فقربه وأدناه ورفع منزلته وأسنى رزقه، واستوطن مدينة هراة وتملك بها ملكا وأولد أولادا وأقام بها حتى مات ودفن بظاهر هراة عند جبل قريب منها، وأظهر ذلك، والحقيقة أنه دفن في داره وكان يخشى أن العوام يمثلون بجثته لما كان يظن به من الانحلال“.

هذه الترجمة من أقدم التراجم للفخر الرازي، إذ أن بين وفاة الرازي ووفاة المترجم أربعين عاما فقط، وهذا يظهر من قوله (كان في زمننا الأقرب).

وفي هذه الترجمة معلومة أهملها عامة من ترجم للرازي ممن تأخر، إما عصبية له أو غفلة، وهي أن الرازي أوصى بأن يظهر أنه يدفن في مكان وسيدفن في آخر، خشية من أن ينبش العوام قبره لأنهم كانوا ينسبونه للانحلال.

هذه المعلومة فاتت ابن تيمية الذي كان دائما ما يضرب بالرازي المثل في طرد القواعد الكلامية وإلى أين يوصل الأمر.

فتجده يقول مثلا في بيان التلبيس (3/53): “هو الذي اتخذ أبا معشر أحد الأئمة الذين اقتدى بهم الأمر في عبادة الأوثان لما ارتد عن دين الإسلام، وأمر بالإشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان في كتابه الذي سماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم، وقد قيل إنه صنفه لأم الملك علاء الدين محمد ابن تكش أبي جلال الدين وأنها أعطته عليه ألف دينار، وكان مقصودها ما فيه من السحر والعجائب والتوصل بذلك إلى الرئاسة وغيرها من المآرب“.

ويقول أيضا كما في مجموع الفتاوى: “فتجد أبا عبد الله الرازي يطعن في دلالة الأدلة اللفظية على اليقين وفي إفادة الأخبار للعلم. وهذان هما مقدمتا الزندقة كما قدمناه”.

ويقول أيضا في الدرء (7/ 275): “وأما الرازي وأمثاله، فقد زادوا في ذلك على المعتزلة، فإن المعتزلة لا تقول: إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين، بل يقولون: إنها تفيد اليقين، ويستدلون بها أعظم مما يستدل بها هؤلاء“.

ويقول في التسعينية أيضا (3/774_775): “وقد قيل: إن الأشعري في آخر عمره أقر بتكافؤ الأدلة، واعتبر ذلك بالرازي فإنه في هذه وهي مسألة حدوث الأجسام -يذكر أدلة الطائفتين، ويصرح في آخر كتبه وآخر عمره، وهو كتاب “المطالب العالية” بتكافؤ الأدلة وأن المسألة من محارات العقول. ولهذا كان الغالب على أتباعهم الشك والارتياب في الإسلام، كما حدثني من حدثه ابن باده أنه دخل على الخسرو شاهي -وهو أحد تلامذة ابن الخطيب _ يعني الرازي _ – الذي قدم إلى الشام ومصر، وأخذه الملك الناصر صاحب الكرك إلى عنده، وكان يقرأ عليه، حتى قيل: إنه حصل له اضطراب في الإيمان من جهته وجهة أمثاله.
قال: دخلت عليه بدمشق، فقال لي: يا فلان ما تعتقد؟ قلت: أعتقد ما يعتقده المسلمون، قال: وأنت جازم بذاك وصدرك منشرح له قلت: نعم، قال: فبكى بكاء شديدا عظيما، أظنه وقال: لكني والله ما أدري ما أعتقد؟ لكني والله ما أدري ما أعتقد؟ لكني والله ما أدري ما أعتقد؟
“.

وأما أمر توبته فلا يعكر على هذا كله، فالناس يتكلمون عن تراثه المشهور الذي ظهرت فيه هذه المقالات على نزاع الناس في حقيقة توبته.

وكون العوام في بلده كانوا ينسبونه للانحلال هذا يبدو سمعوه من بعض المنتسبين للعلم أو رأوا له أمارات، وهذا يقترب من كلام الشيخ عنه وفقا لما يظهر من مؤلفاته.