لكل موسى بن ميمون اسبنوزا..

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

موسى بن ميمون فيلسوف يهودي، له كتب بالعربية، سعى إلى تحريف التوراة بأداة (التأويل) التي تعلَّمها من الجهمية.

له كتاب «دلائل الحائرين» سار فيه على نهج الفلاسفة وتحريف التوراة، حتى تناسب عقائده الفلسفية.

صنيعه هذا كان مما أنتج لنا الفيلسوف الملحد اسبنوزا.

جاء في كتاب «قصة الحضارة» [14/132]: “وكان اسبنوزا ينتقد التفسير المجازي للكتاب المقدس الذي يقول به ابن ميمون ويصفه بأنه محاولة غير شريفة للمحافظة على منزلة الكتاب المقدس، ولعله وهو يفعل هذا كان ينقصه الإدراك السليم للتاريخ؛ ولكنه مع ذلك كان يصف الحبر العظيم بأنه “أول من جهر بأن الكتاب المقدس يجب أن يواءم بينه وبين العقل” ، وقد أخذ عن ابن ميمون بعض آرائه عن النبوءات والمعجزات وصفات الله”.

أقول: هذا الطرح الاعتذاري لا يدافع عن الكتب المقدسة أو الوحي، بل يفتح الباب للإلحاد حقاً.

كما حصل في زماننا لما استشكل بعض الناس ثوابت شرعية، لأنها تخالف أطروحات حقوق الإنسان الغربية، فتبرع بعضهم مثل عدنان إبراهيم وصار ينكر هذه الثوابت، مثل الكلام على العقوبات الشرعية، مثل الرجم والردة وكذلك جهاد الطلب، وأيضاً أحكام المرأة.

فصنع معه كثيرون كما صنع اسبنوزا مع موسى بن ميمون، فقالوا له: أنت فيلسوف كبير وعاقل وقد أثبتَّ لنا أن الشريعة تخالف العقل أو الفطرة، لأنك حرَّفتها لصالح ما نراه حقاً، ولسنا مقتنعين بتحريفك، فذهبوا للإلحاد.

فكان الأولى بيان أن هذه الأفكار التي يتحاكمون إليها ليست صحيحة من الأساس، فهي إما مثالية غير ممكنة التطبيق أو أفكار ضارة ولا تُحقِّق العدالة أو تُغفِل تفاوت الناس بحسب إيمانهم العقائدي.

وإذا تأمَّلت ستجد أن تحريف نصوص الصفات يؤدي إلى النتيجة نفسها، فكل من يقرأ النصوص يعرف أنها تدل على الصفات.

وقد ذكر يحيى بن حمزة المتوفى عام 745 في كتابه «الطراز لأسرار البلاغة» أن من شبهات الملاحدة قولهم: إن ظواهر القرآن تشبيه وتجسيم.

ولاحِظ أن صاحب «قصة الحضارة» ذكر تحريف موسى بن ميمون للصفات الإلهية.

وقد قال الشيخ سليمان الخراشي -رحمه الله- في مشاركة له في منتدى الدفاع عن السنة معلقاً على تصحيح الكوثري لكتاب لموسى بن ميمون: “أن الكوثري الجهمي تعرض للفيلسوف اليهودي ابن ميمون في كتابه “من عبر التاريخ” الذي حققه إياد الغوج -هداه الله- (وهو على مشرب الهالك الكوثري وله اهتمام ببعث كتبه) (ص34 وما بعدها).
فعبر -الكوثري- عن إعجابه بهذا اليهودي -كما يقول-: (من جهة سعيه الحثيث في انتشال اليهود من ورطة التجسيم المتوارث بينهم)!
فهذا سبب تصحيحه للكتاب السابق، أن صاحبه -وإن كان يهوديًا!- يوافق “تنزيهه” -كما يسميه- والله أعلم”.

وسبحان الله، كما قال النبي ﷺ: «لتتبعن سنن من كان قبلكم».

موسى تأوَّل المعجزات النبوية وبعده بقرون وُجِد في أمتنا من أنكرها، وقد انتشر هذا القول في مدرسة المنار وقصرهم المعجزات النبوية على القرآن.

وقد صار حال موسى بن ميمون مع اسبنوزا كما قال ابن تيمية في «منهاج السنة» واصفاً حال المتكلمين مع الفلاسفة الدهرية [3/362]: “والفلاسفة أجهل منكم بالشرع [والعقل في الإلهيات، لكن لما ظنوا أن ما جئتم به هو الشرع، وقد رأوه يخالف العقل – صاروا أبعد عن الشرع والعقل منكم] لكن عارضوكم بأدلة عقلية -بل وشرعية- ظهر بها عجزكم في هذا الباب عن بيان حقيقة الصواب.
وكان ذلك مما زادهم ضلالا في أنفسهم وتسلطا عليكم ولو سلكتم معهم طريق العارفين بحقيقة المعقول والمنقول، لكان ذلك أنصر لكم وأتبع لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكنكم كنتم بمنزلة من جاهد الكفار بنوع من الكذب والعدوان، وأوهمهم أن هذا يدخل في حقيقة الإيمان، فصار ما عرفه أولئك من كذب هؤلاء وعدوانهم مما يوجب القدح فيما ادعوه من إيمانهم”.