لا يزحزحهم من العذاب إلا التوحيد…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون} [البقرة].

هذه الآية فيها معنى عجيب مغفول عنه.

أن هؤلاء اليهود والمشركين يريدون جنة في الأرض، ويريدون الخلود أو البقاء المديد.

ونسيانهم للآخرة أو كفرهم بها من باب ركونهم للدنيا.

ولو تأمَّلت أصول الانحرافات لرأيتها في هذا السياق، فتجد المرء يشق عليه أحكام أهل الذمة والحدود وعقوبات الكفار في الدنيا، وعنده مشكلة مع الشريعة لذلك، فهبك أطعناك وبقي هذا المشرك على شركه فلو عُمِّر ألف سنة حقوقه المزعومة مكتملة فيها؛ لن يزحزحه ذلك من العذاب، وإنما يزحزحه التوحيد ولو عاش مقطَّع الأطراف يشرب الماء ويأكل الخبز اليابس. 

وتجد المرء يُعظِّم إطعام الفقير وهذا حسن وعلاج المريض وهذا حسن، ثم يستهين بإنقاذ الناس من الشرك، مع أنك لو أحسنت للناس الإحسان كله وعاشوا ألف سنة ما هو بمزحزحهم من العذاب، إنما يزحزحهم التوحيد والعمل الصالح.

وكثيرون يدعون إلى مهادنة أهل الإشراك من المنتسبين للملة بحجة التفرُّغ لقضايا المسلمين.

والحق أنه لا يزحزحهم من العذاب إلا التوحيد، وتركهم على شركهم أعظم من فتك العدو بهم. 

وليس معنى هذا عدم نصرة المظلوم أو قتال أعداء الدين، وإنما بيان أن التوحيد هو رأس الأمر كله، لأنه هو سبب النجاة، {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء].

ولن ينفعك أن تزعم أن الشرك ليس شركاً بالعواطف والالتفاف، فإذا كان الناس يمدحون الورع عن الحرام أو ما فيه شبهة حرام فكيف نترك الناس يتقحمون ما فيه شبهة شرك في أحسن أحواله؟ فكيف بأهل الشرك الصريح ممن يقول: (يا حسين) (يا علي) أو (يا بدوي) (يا عبد القادر)؟

ومِن الغش للناس وعدم الشفقة عليهم تركهم على شركهم، وإيهامهم أنه أمر هين، بل والثناء على محاسن هؤلاء المشركين (من رافضة وغيرهم)، فهذا في حقيقته تمركز على المصالح العاجلة مع إهمال لحقِّ الله عز وجل.