كيف دمرت فرنسا دول غرب افريقيا؟
قبل أربع سنوات كنت قد كتبت مقالاً عن تدمير فرنسا لدولة النيجر اقتصاديا، وهذه الأيام تأزمت العلاقات بين فرنسا والنيجر، وبدأت تعلو أصوات نيجرية ضد فرنسا حتى رفع مؤيدو الانقلاب لافتة مكتوب عليها (وداعاً فرنسا)، وقد وجدت مقالاً لمحللين سياسيين مهتمين بالشأن الإفريقي يتكلمون عما فعلته فرنسا في مستعمراتها السابقة، وهو منشور في موقع البي بي سي بتاريخ 6 أغسطس 2023 بعنوان: “انقلاب النيجر: هل تتحمل فرنسا مسؤولية عدم الاستقرار في غرب إفريقيا؟
بقلم ليونارد مبول نزييج ونيك تشيزمان”.
قال الكاتبان: “أصبحت النيجر أحدث دولة في غرب إفريقيا حيث سيطر الجيش عليها، بعد بوركينا فاسو وغينيا ومالي وتشاد -وكلها مستعمرات فرنسية سابقة. منذ عام 1990، حدث 78٪ من الانقلابات الـ27 في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الدول الفرنكوفونية مما دفع بعض المعلقين إلى التساؤل عما إذا كانت فرنسا -أو إرث الاستعمار الفرنسي- هي المسؤولة؟
بالتأكيد يرغب العديد من مدبري الانقلاب في أن نعتقد ذلك. شن العقيد عبد الله مايغا الذي عينه المجلس العسكري في مالي رئيسًا للوزراء في سبتمبر 2022 هجومًا عنيفًا على فرنسا.
وانتقد السيد مايغا “سياسات الاستعمار الجديد، المتعالية، الأبوية والانتقامية”، وزعم أن فرنسا “تبرأت من القيم الأخلاقية العالمية” وطعنت مالي “في ظهرها”.
كما انتشر النقد اللاذع المناهض لفرنسا في بوركينا فاسو، حيث أنهت الحكومة العسكرية اتفاقًا طويل الأمد سمح للقوات الفرنسية بالعمل في البلاد في فبراير، مما أعطى فرنسا شهرًا واحدًا لسحب قواتها.
في النيجر، المجاورة لكلا البلدين استخدمت المزاعم بأن الرئيس محمد بازوم كان دمية للمصالح الفرنسية لإضفاء الشرعية على إقالته من السلطة، ومنذ ذلك الحين ألغى المجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني خمس صفقات عسكرية مع فرنسا. ونتيجة لذلك أعقب الانقلاب احتجاجات شعبية وهجمات على السفارة الفرنسية.
يوفر السجل التاريخي بعض الدعم لهذه المظالم. أنشأ الحكم الاستعماري الفرنسي أنظمة سياسية مصممة لاستخراج موارد قيمة مع استخدام استراتيجيات قمعية للاحتفاظ بالسيطرة“.
إلى أن قالا: “لا تزال سبع من الدول التسع الفرنكوفونية في غرب إفريقيا تستخدم فرنك CFA، المربوط باليورو والمضمون من قبل فرنسا كعملة لها، وهو إرث للسياسة الاقتصادية الفرنسية تجاه مستعمراتها.
كما أبرمت فرنسا اتفاقيات دفاعية رأت أنها تتدخل عسكريًا بشكل منتظم لصالح قادة غير محبوبين مؤيدين لفرنسا لإبقائهم في السلطة.
في كثير من الحالات، أدى ذلك إلى تقوية يد الشخصيات الفاسدة والمسيئة مثل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي والرئيس البوركينابي السابق بليز كومباوري، مما خلق تحديات إضافية للنضال من أجل الديمقراطية.
على الرغم من أن فرنسا لم تتدخل عسكريًا لإعادة أي من رؤساء الدول المخلوعين مؤخرًا ، فقد كان يُنظر إليهم جميعًا على أنهم “مؤيدون لفرنسا“.
إلى أن قالا: “والأسوأ من ذلك، كانت العلاقة بين القادة السياسيين الفرنسيين وحلفائهم في إفريقيا فاسدة في كثير من الأحيان، مما أدى إلى نشوء نخبة قوية وثرية على حساب المواطنين الأفارقة.
صاغ فرانسوا كزافييه فيرشاف، وهو اقتصادي فرنسي بارز، مصطلح Françafrique للإشارة إلى علاقة استعمارية جديدة مخبأة بـ “الإجرام السري في المستويات العليا للسياسة والاقتصاد الفرنسيين”. وزعم أن هذه العلاقات أدت إلى “اختلاس” مبالغ كبيرة من المال.
على الرغم من سعي الحكومات الفرنسية الأخيرة إلى النأي بنفسها عن فرنسا الإفريقية، إلا أن هناك تذكيرًا دائمًا بالعلاقات الإشكالية بين فرنسا والمصالح التجارية الفرنسية وإفريقيا، بما في ذلك عدد من قضايا الفساد المحرجة.
لذلك من السهل أن نفهم لماذا قال أحد النيجيريين لبي بي سي: “منذ الطفولة كنت أعارض فرنسا … لقد استغلوا كل ثروات بلدي مثل اليورانيوم“.
أقول: الخلاصة أن فرنسا كانت تدعم المسئولين الفاسدين لدعم مصالحهم وعقد الصفقات مع سرقتهم للثروات الطبيعية مثل (اليورانيوم)، العجيب أنه مع هذه العمليات غير الأخلاقية الفاسدة حققوا نفوذاً وتقدماً، صاروا معه يعطون المواعظ عما يسمونه بالإنسانية، ويريدون نقد أخلاقيات الأديان خصوصاً الدين الإسلامي، والعجيب أن هناك من يصدقهم! والواقع أن التدمير الأخلاقي والعقائدي الذي يصدر منهم أفتك من التدمير الاقتصادي وكل فتاك، والتحرر الذي صدر من هذه الدول الافريقية (وإن كان غالباً قادم من أقوام لهم مصالح وربما سيذهبون لقوى عالمية أخرى) ينبغي أن تفكر فيه تلك الدول العربية التي تعتمد الفرنسية لغة ثانية أيضاً.