كل خبر يروى يسمى حديثًا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جاء في ترجمة يحيى بن معين من تهذيب الكمال : قال محمد بن على بن راشد الطبرى ، عن محمد بن نصر الطبرى : دخلت على يحيى بن معين فوجدت عنده كذا و كذا سفطا ، يعنى دفاتر ، و سمعته يقول : قد كتبت بيدى ألف ألف حديث . و سمعته يقول : كل حديث لا يوجد ها هنا ، و أشار بيده إلى الأسفاط ، فهو كذب .
و قال صالح بن أحمد الهمذانى الحافظ : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله
يقول : سمعت أبى يقول : خلف يحيى من الكتب مئة قمطر و أربعة عشر قمطرا ، و أربع حباب شرابية مملوءة كتبا.

أقول : يحيى بن معين أحد الأئمة الذين أدركهم البخاري وهو من كبار أئمة الجرح والتعديل

و قال أبو حمد بن عدى : حدثنى محمد بن ثابت ، قال : حدثنا موسى بن حمدون ،
قال : سمعت ، أحمد بن عقبة يقول : سألت يحيى بن معين : كم كتبت من الحديث يا أبا زكريا ؟ قال : كتبت بيدى هذه ست مئة ألف حديث . قال أحمد : و إنى أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ست مئة ألف و ست مئة ألف.

ما معنى : كتبوا له بأيديهم ؟

طريقة المحدثين قديماً أنهم يذهبون عند الشيخ والشيخ يملي عليهم الأحاديث وهم يكتبون وربما الشيخ يكون عنده كتاب يسمونه الأصل يجعلهم يطلعون عليه أو يكون أحدهم يقرأ من هذا الأصل وهم يسمعون ويكتبون

فيجتمع للمحدث أنه يسمع الحديث ويكتبه ثم يذهب ويراجعه في المنزل

فإذا أضفنا إلى هذا أن الأحاديث كثير منها يتكرر كان ذلك عاملاً مضافاً لتسهيل الحفظ ، وإذا كان المجلس كله يتناول أحاديث بإسناد واحد فذلك يوفر وقت كتابة الإسناد أو قراءته

وربما المحدث إذا وجد رجلاً معروفاً بالحفظ والفضل كيحيى بن معين يدفع إليه أصله _ كتابه _ ويقول له خذه وأجيزك به وانسخه عندك

وكثير من المحدثين يكونون يعرفون الأحاديث قبل الذهاب للشيخ ولكن يذهبون للشيخ طلباً لعلو الإسناد يعني تقليل رجال الإسناد فمثلاً رجل سمع أحاديث موطأ مالك عن رجلين عن مالك فسمعوا أن رجلاً يروي عن مالك عن رجل واحد فقط فيذهبون إليه ويسمعون منه الأحاديث وهم يعرفونها حتى يرون أنه يحسن سماعها وقراءتها

ثم إن هناك كتباً مصنفةً أصلاً وموجودة في سوق الكتب آنذاك

قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث 296 – أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب ، قال : قرأت على أبي الحسن المحمودي ، حدثكم محمد بن علي الحافظ ، حدثنا أبو الدرداء ، عن بعض ، أصحابه قال : قيل لأبي بكر بن عياش : حدثنا ، قال : لا أفعل . فقالوا : حديث واحد ؟ فقال : حدثنا مغيرة قال : « رأيت الشعبي يدحرج الدن » قال أبو بكر : فانظر إلى نكد أبي بكر لما أضجره أصحاب الحديث ، وسألوه أن يحدثهم حديثا واحدا ، كيف حدثهم بما لا خير فيه ، ولا فائدة لمستمعيه . وقد ورد عن أبي بكر قول ظاهر بفضل أصحاب الحديث.
لاحظ أنه سمى أثراً عن الشعبي ( حديثاً ) وهذه هي التسمية القديمة كل خبر يروى بإسناد يسمى حديثاً فإذا قال المحدث ( أحفظ كذا وكذا حديث ) فهو يعني أحاديث رسول الله مسندها ومنقطعها وكذلك أخبار الصحابة والتابعين والصالحين وأخبار بني إسرائيل كلها تسمى أحاديث ما دامت تروى بإسناد هذه الحقائق لا يفهمها كثير ممن يثرثر على حفاظ الحديث