عبد الرحمن علي بن الحسن بن الفرج بن أحمد، القاضي الفاضل محيي الدين أبو علي ابن القاضي الأشرف أبي الحسن اللخمي البيساني العسقلاني المولد المصري.
هذا الرجل كان كاتبًا بليغًا وله اتصال بالعبيديين، ثم بعد ذهاب دولتهم اتصل بالأيوبيين خصوصًا صلاح الدين وأخيه العادل، وكان يُكثِر من كتابة الرسائل للأيوبي في أيام الجهاد ليقوِّي عزمه وعزم المجاهدين.
أحببت أن أذكر شيئًا من كلماته لأنها كانت محل استحسان العلماء بل جعلوها من أسباب وقوع الفتح.
قال ابن كثير في طبقات الشافعيين: “وأنه شارك السلطان صلاح الدين في فتح الأقاليم، فذاك بحسبانه وشيامه، وهذا بعلمه وبيانه“.
ولأن كثيرًا من الناس يستهين بأمر كلمات التثبيت والقوة الناعمة كما تُسمَّى في عصرنا فأردت أن أضرب لذلك مثلًا من التاريخ على عظيم جدوى هذا الأمر.
وقد وقع في كلامه بعض المخالفات الشرعية مثل تقبيل الأرض بين يدي السلطان وذلك من المخالفات الفاشية في ذلك الزمان والتي سعى أهل العلم بزوالها حتى زالت في زماننا.
رسائل القاضي الكامل ذكرها صاحب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة المقدسي.
جاء في الروضتين (4/179) على لسان القاضي الكامل في رسالة أرسلها لصلاح الدين الأيوبي: “وهذا دين ما غلب بكثرة ولا نصر بثروة، وإنما اختار الله تعالى له أرباب نيات وذوي قلوب معه وحالات فليكن المولى نعم الخلف لذلك السلف {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، واشتدي أزمة تنفرجي، والغمرات تذهب ثم لا تجي، والله تعالى يُسمِع الأذن ما يسر القلب، ويصرف عن الإسلام وأهله غاشية هذا الكرب، ونستغفر الله العظيم فإنه ما ابتلى إلا بذنب”.
أقول: وهذا كلام حسن جمع فيه بين التهوين من شأن قلة المؤمنين وكثرة الكافرين والتذكير بأهمية الاستغفار والتوبة والتذكير بالسنة الكونية في أن الشدة بتراء بمعنى أنها لا تدوم وأن مع العسر يسرًا.
وقال في رسالة أخرى له: “ولنا ذنوب قد سدت طريق دعائنا فنحن أولى بأن نلوم أنفسنا، ولله قدر لا سلاح لنا في دفعه إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد أشرفنا على أهوال {قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب} وقد جمع العدو لنا وقيل لنا اخشوه فقلنا حسبنا الله ونعم الوكيل متنجزين بذلك موعود الانقلاب بنعمة من الله وفضل، فما نرجو إلا ذلك الفضل العظيم، وليس إلا الاستعانة بالله، فما دلنا الله في الشدائد إلا على الدعاء له وعلى طروق باب كرمه وعلى التضرع إليه {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم}“.
وهذا كلام حسن في التذكير بالالتجاء إلى الله وحده سبحانه والتذكير بأهمية الدعاء.
وقال في رسالة أخرى له: “إنما أُتِينا من قبل أنفسنا، ولو صدقناه لعجل لنا عواقب صدقنا، ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا، ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به، فلا يستخصم أحد إلا عمله، ولا يلم إلا نفسه، ولا يرج إلا ربه، ولا ينتظر العساكر أن تكثر، ولا الأموال أن تحضر، ولا فلان الذي يعتقد عليه أن يقاتل، ولا فلان الذي ينتظر أنه يشير، فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها ولا نأمن أن يكلنا الله إليها، والنصر به واللطف منه والعادة الجميلة له، ونستغفر الله سبحانه من ذنوبنا، فلولا أنها تسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل وفيض دموع الخاشعين قد غسل، ولكن في الطريق عائق خار الله لمولانا في القضاء السابق واللاحق“.
وهذا تضرع حسن، وكلما لان القلب لله اشتد على عدو الله.