كلام مستشرق بريطاني عن المسلمين

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

يوجد مستشرق بريطاني اسمه الدكتور لتنر كتب عن الإسلام بإعجاب شديد حيث بدأ كلامه بقوله : بدأت خبرتي بالإسلام في معهد ديني بالقسطنطينية عام 1854 إذ قرأت القرآن واستظهرت جزءاً عظيماً منه ثم عاشرت طوائف مختلفة من المسلمين. واختلطت بفرق عديدة منهم، وصنوف كثيرة، في تركية والهند وغيرها من بلاد الله، ودرست العربية، وهي لغة كتابهم، ولسان دينهم، ومن ذلك أدركت أن الإنسان لا يستطيع بدون اللغة العربية أن يجتذب قلوب المسلمين.

وكان مما قال : أما من الوجوه الاجتماعية ومراتب الناس في الإسلام فإن الغني يعد حامي ذمار الفقير، وحارسه ونصيره، وللفقير أن يجلس إلى موائد الغني، ويشاركه الطعام في مباهج الخوان، ولا تجدن في الجماعة الإسلامية أي فرق أو أي بون بين الفقير والغني يبعث على الكراهية، ويستنفر الحب والولاء، بل ترى العبد الرق في الدار يعد عضواً من أعضائها، والمولى فرداً من هل العشيرة، بل أن للموالي الفرص السانحة للظفر بمراكز في الحكومة أو نيل مكان طيب في الجماعة، قلما يصيب مثله الصعلوك في مدنيات الغرب، والطعام مكفول لمن يحتاج إليه، يوهب لمن يعوزه، بل أن إعطاء الصدقات في الدين الإسلامي، كما هو في دين بوذا يجعل المتصدق الواهب مديناً للفقير الذي أصاب منه تلك الصدقات، لأن التصدق يعين صاحبه على تنمية روح الخير في فؤاده، ويبعث في نفسه ملكة العطف والرفق، فإنك تجد البراهمة يشكرون الفقير الذي يطرق أبواب بيوتهم سائلاً الحسنة، مستجدياً معتراً طالباً القرى والضيافة، لأنه مهد لهم بذلك الفرصة لتأدية الخير وإيتاء الزكاة، والرضوخ بالصدقات. وترى الخدم في الإسلام إن أكلوا بعد مواليهم وجلسوا إلى الطعام بعد أن يرفع خوان سادتهم، لا يزالون يصيبون في المآكل قدر ما يصيب أولئك ويشاركونهم في ألوان الأطعمة وصحاف المائدة، وتجد في المسجد والمصلى المساواة بين العابدين تامة، فلا مقاعد من ناحية تخص السروات، ولا أماكن خاصة مهيأة للأغنياء وأهل المراتب السنية في الحياة، بل الجميع في المسجد سواء يأتمون بالإمام في صلواتهم أو يقفون خلف أي مسلم منهم يندبونه للإمامة، وليس أروع ولا أجل منظراً من رؤية جمع من المسلمين وهم في صلاتهم خاشعون وقوف في صمت وسكون ورفق ونظام، وأنت ترى الشعب الإنكليزي يكره الرسوم والمظاهر الخارجية، والرياء والتصنع في الشرائع والسنن ولكن الإنكليز كثيراً ما يكونون عبدة لألفاظ القوانين، تاركين روحها ومعناها التي يراد منها، وقد يصح أن نقول أن حب الإنكليز للتدقيق والاختصار لا يزال مصدر شر كثير، واصل بلاء عظيم، فإذا كانت الصدقة في معناها الأكبر رأس الفضائل فإن تلك الرسوم التي تحوط أمر جمعها وتوزيعها في هذه الأمة البريطانية تذهب بجمالها وتفقدها الوجه الجليل الرائع منها، ونحن قلما ندرك أن القوانين إنما وضعت لإرشاد الناس جميعاً، وأن نصوص تلك القوانين وألفاظها وظواهرها الخارجية لا ينبغي أن تكون لها سلطان علينا، بل يجب أن لا يذعن إلا إلى روح تلك القوانين ولبها وصميمها. ومن ذلك كانت صدقتنا وعقائدنا وسنننا وشرائعنا الصلبة السريعة الخشنة تباين تلك الشرائع الشخصية الفردية المحسوسة والسنن العملية الكمالية الحليلة التي تمتاز بها العقائد الشرقية، ولو كانت الجماعات في الغرب قد أسست على قواعد الإسلام لما احتاج الأمور في أوروبا إلى وجود عدميين وفوضويين واشتراكيين، لأن الفرد في الإسلام لا يلقن السخط، كما ترى في الغرب إذ تجد غرض حضارتنا وقصدها ونتيجتها وغايتها الكبرى أن تثير السخط في روح الأفراد.

ثم قال في حديثه عن الزواج : على أنه يحزنني أن أقول وأعترف بأنني قد عشت بين ظهراني المسلمين واختلطت سنين طوالاً بهم فلم أشهد على فرط ما يتهمهم به المسيحيون من سهولة الطلاق عندهم وفسحة حدوده، واتساع مداه من حوادث الطلاق عند المسلمين ما يعد أكثر منها بين المسيحيين ثم إنني لا أتردد في القول بأن المسلمين من ناحية صلة أرحامهم والعطف على عشائرهم واحترام علمائهم وشيوخهم وتوقير الكهول والمتقدمين في السن، والغرباء والحيوان الأعجم والبهيمة والنعم الخرساء أسمى بكثير من المسيحيين وهم مثال حسن لهم وقدوة كبرى خليقة بالاحتذاء.
ثم لا أدع هذه الحلقة من البحث دون أن أقول بضع كلمات عن ذلك الموضوع الذي كثر ما أساء فيه أهل الأديان الأخرى، وأعني به موضوع تعدد الزوجات في الإسلام، فأقول أنه بصرف النظر عن أن تعدد الزوجات يكفل العيش للألوف من النسوة اللواتي يزيد عددهن عن الحاجة، في الممالك المكثرة من عدد الإناث فيها، وأنه وقاء من الإثم، وعاصم من الفساد، وحمى من الخنا، وما ينجم عنه من مضاره اللاحقة به، وأذاه الفارع عنه، وحائل دون النغولة وفسادأنسابهن وصحة المواريث لا نستطيع أن ننكر أن السواد الأعظم من المسلمين قانعون بزوجة واحدة وهذا بفضل مبادئ الإسلام.( المقال منشور في مجلة البيان البرقوقية )