كلام الشيخين محمد بن إبراهيم آل الشيخ وحمود التويجري في كرة القدم

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية في
زمنه

في فتاويه وهو الدرر السنية (15/206) :” أما السؤال: عن حكم الرياضة
في الإسلام، فلا شك في جواز، أو استحباب، ما كان منها بريئا هادفا، مما فيه تدريب على
الجهاد، وتنشيط للأبدان، وقلع للأمراض، وتقوية للأرواح.

فلقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سابق بالأقدام وسابق بين
الإبل، وسابق بين الخيل، وحضر نضال السهام، وصارع مع إحدى الطائفتين، وطعن بالرمح،
وركب الخيل مسرجة ومعراة، وصارع ركانة فصرعه.

وقد بسط الإمام ابن القيم رحمه الله بحث هذا في كتابه: “الفروسية”
كما أشار رحمه الله في كتاب زاد المعاد، إلى أن ركوب الخيل، ورمي النشاب، والمصارعة،
والمسابقة بالأقدام، كل ذلك رياضة للبدن، قالعة للأمراض المزمنة، كالاستسقاء، والقولنج.

ونص شيخه، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، على حكم الشرع في الكرة نفسها
1 فقال في باب السبق، في مختصر فتاواه: ولعب الكرة إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل
والرجال، بحيث يستعان بها على الكر والفر،والدخول والخروج، ونحوه، في الجهاد، وغرض
الاستعانة على الجهاد، الذي أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حسن؛ وإن كان
في ذلك مضرة بالخيل أو الرجال، فإنه ينهى عنه.

وبمناسبة الحديث عن الألعاب الرياضية، وتعريجنا على اللعب بالكرة، وإيرادنا
ما ذكره الشيخ من النهي عن اللعب بها، إذا كان فيه مضرة بالخيل أو الرجال. يحسن أن
نغتنم هذه الفرصة لنقول بأن اللعب بالكرة الآن يصاحبه من الأمور المنكرة، ما يقضي بالنهي
عن لعبها، هذه الأمور، نلخصها فيما يأتي:

أولا: ثبت لدينا مزاولة لعبها في أوقات الصلاة، مما ترتب عليه ترك اللاعبين
ومشاهديهم للصلاة، أو الصلاة جماعة، أو تأخيرهم أدائها عن وقتها؛ ولا شك في تحريم أي
عمل يحول دون أداء الصلاة في وقتها، أو يفوت فعلها جماعة، ما لم يكن ثم عذر شرعي.

ثانيا: ما عن طبيعة هذه اللعبة من التحزبات، أو إثارة الفتن، وتنمية الأحقاد،
وهذه النتائج عكس ما يدعو إليه الإسلام من وجوب التسامح، والتآلف والتآخي، وتطهير النفوس
والضمائر من الأحقاد، والضغائن والتنافر.

ثالثا: ما يصاحب اللعب بها من الأخطار على أبدان اللاعبين بها، نتيجة التصادم
والتلاكم، مع ما سبق ذكره،فلا ينتهي اللاعبون بها من لعبتهم في الغالب، دون أن يسقط
بعضهم في ميدان اللعب مغمى عليه، أو مكسورة رجله أو يده، وليس أدل على صدق هذا، من
ضرورة وجود سيارة إسعاف طبية تقف بجانبهم وقت اللعب بها.

رابعا: عرفنا مما تقدم، أن الغرض من إباحة الألعاب الرياضية، تنشيط الأبدان،
والتدريب على القتال، وقلع الأمراض المزمنة، ولكن اللعب بالكرة الآن لا يهدف إلى شيء
من مبررات إباحة الألعاب الرياضية.

وإن هدف إلى شيء من ذلك، فقد اقترن به- مع ما سبق ذكره- ابتزاز المال بالباطل،
فضلا عن أنه يعرض الأبدان للإصابات، وينمي في نفوس اللاعبين والمشاهدين الأحقاد وإثارة
الفتن.

بل قد يتجاوز أمر تحيز بعض المشاهدين لبعض اللاعبين، إلى الاعتداء والقتل،
كما حدث في إحدى مباريات جرت في إحدى المدن منذ أشهر، ويكفي هذا بمفرده لمنعها، وبالله
التوفيق. انتهى”

وقال الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري في كتابه الإيضاح والتبيين
لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين وهو في الدرر السنية (15/206) :”

ومن التشبه بأعداء الله تعالى: اللعب بالكرة على الوجه المعمول به عند
السفهاء في هذه الأزمان، وذلك: لأن اللعب بها على هذا الوجه، مأخوذ عن الإفرنج وأشباههم
من أعداء الله تعالى. وقد رأيت عمل الأمريكان في أخشاب الكرة، ومواضع اللعب بها، ورأيت
عمل سفهاء المسلمين في ذلك، فرأيته مطابقا لعمل الأمريكان أتم المطابقة.

وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسوله الله صلى الله
عليه وسلم قال: “من تشبه بقوم فهو منهم” ، وتقدم أيضا حديث عبد الله بن عمرو
رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس منا من تشبة بغيرنا”.

إذا علم هذا، فاللعب بالكرة على الوجه الذي أشرنا إليه، من جملة المنكر
الذي ينبغي تغييره، وبيان ذلك من وجوه:

أحدها: ما فيه من التشبه بالإفرنج، وأضرابهم من أعداء الله تعالى، وأقل
الأحوال في حديث عبد الله بن عمر، وحديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهم، أنهما يقتضيان
تحريم التشبه بأعداء الله تعالى، في كل شيء من زيهموأفعالهم، ففيها دليل على المنع
من اللعب بالكرة.

ويدل على المنع من اللعب بها أيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“خالفوا المشركين” متفق عليه، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ويدل على
المنع منه أيضا، قول النبي صلى الله عليه وسلم: “هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان
والشرك” رواه الشافعي مرسلا، والحاكم موصولا، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله
عنهما.

الوجه الثاني: ما في اللعب بها من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذا أمر
معروف عند الناس عامتهم وخاصتهم، وربما أوقعت الحقد بين اللاعبين، حتى يؤول بهم ذلك
إلى العداوة والبغضاء.

وتعاطي ما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وما يوقع العداوة والبغضاء بين
المسلمين حرام، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ
الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ
الْمُبِينُ} [سورة المائدة آية: 90-91-92] .

واللعب بالكرة نوع من الميسر، لأنه يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة، وقد روى
ابن جرير في تفسيره، من طريق عبيد الله بن عمر، أنه سمع عمر بن عبيد الله، يقولللقاسم
بن محمد: النرد ميسر، أرأيت الشطرنج: ميسر هو؟ فقال القاسم: كل ما ألهى عن ذكر الله
وعن الصلاة، فهو ميسر، وإذا كان اللعب بالكرة على عوض، فهو من الميسر بلا شك.

قال الشيخ: أبو محمد المقدسي في المغني: كل لعب فيه قمار، فهو محرم، أي
لعب كان، وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه، ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته.
انتهى.

وقد روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، أنهما
قالا: “الميسر القمار”، وروى أيضا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وطاووس، وعطاء،
والحسن، وابن سيرين، والضحاك، وقتادة والسدي، ومكحول، وعطاء بن ميسرة نحو ذلك.

وفي رواية له عن مجاهد، وسعيد بن جبير، أنهما قالا: “الميسر: القمار
كله، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان”، وفي رواية له عن طاووس وعطاء قالا:
“كل قمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز”.

وذكر ابن كثير في تفسيره، عن راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، أنهما قالا:
“حتى الكعاب والجوز والبيض، التي يلعب بها الصبيان”.

وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى: الميسر محرم
بالنص والإجماع.

إذا علم هذا، فمن استحل العوض على اللعب بالكرة، فقد استحل ما هو محرم
بالنص والإجماع، من الميسر، وأكل المال بالباطل، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سورة النساء
آية: 29] .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله أبى علي أن يدخل
الجنة لحما نبت من سحت، فالنار أولى به” رواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن
بن سمرة رضي الله عنه وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وفي المستدرك أيضا، من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما: أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: “يا كعب بن عجرة، إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت،
النار أولى به” وفي المستدرك أيضا، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: “من نبت لحمه من السحت، فالنار أولى به”.

وفي المستدرك أيضا، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “من نبت لحمه
من السحت، فالنار أولى به”، وروى أبو نعيم في الحلية، من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من نبت لحمه من سحت فالنار أولى
به”

الوجه الثالث: أن في اللعب بالكرة ضررا على اللاعبين، فربما سقط أحدهم،
فتخلعت أعضاؤه، وربما انكسرت رجل أحدهم، أو يده، أو بعض أضلاعه، وربما حصل فيه شجاج
في وجهه، أو رأسه، وربما سقط أحدهم فغشي عليه ساعة، أو أكثر أو أقل، بل ربما آل الأمر
ببعضهم إلى الهلاك، كما قد ذكر لنا عن غير واحد من اللاعبين بها، وما كان هذا شأنه،
فاللعب به لا يجوز.

الوجه الرابع: أن اللعب بالكرة من الأشر والمرح، ومقابلة نعم الله تعالى
بضد الشكر، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} [سورة الإسراء
آية: 37] ، واللعب بالكرة نوع من المرح.

وروى البخاري في الأدب المفرد، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الأشرة: شر” قال أبو معاوية أحد رواته،
الأشرة: العبث، واللعب بالكرة نوع من العبث؛ فلا يجوز.

الوجه الخامس: ما في اللعب بها من اعتياد وقاحة الوجوه، وبذاءة الألسن،
وهذا معروف عن اللاعبين بها.

وقد ألجأني الطريق مرة إلى المرور من عند اللاعبين بها، فسمعت منهم ما
تستك منه الأسماع من كثرة الصخب والتخاطب بالفحش، ورديء الكلام، وسمعت بعضهم يقذف عضا،
ويلعن بعضهم بعضا، وما أدى إلى هذا أو بعضه، فهو حرام بلا ريب.

الوجه السادس: ما في اللعب بها أيضا، من كشف الأفخاذ، ونظر بعضهم إلى فخذ
بعض، ونظر الحاضرين إلى أفخاذ اللاعبين، وهذا لا يجوز، لأن الفخذ من العورة، وستر العورة
واجب، إلا من الزوجات والسراري.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت
يمينك” رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، والحاكم في مستدركه، من حديث بهز بن حكيم،
عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي
في تلخيصه.

والدليل على أن الفخذ من العورة: ما رواه مالك، وأحمد، وأبو داود، والترمذي،
وابن حبان، والحاكم عن جرهد الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به
وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:”غط فخذك، فإنها من العورة”
قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في
تلخيصه.

وروى الإمام أحمد، والترمذي، والحاكم أيضا، عن ابن عباس رضي الله عنهما،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الفخذ عورة” ، هذا لفظ الترمذي.

ولفظ الحاكم: “مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل، فرأىفخذه
مكشوفة، فقال: غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته” .

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وروى أبو داود، وابن ماجه، وعبد الله بن الإمام أحمد، والحاكم، عن علي
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تكشف فخذك، ولا تنظر
إلى فخذ حي ولا ميت” ،وفي رواية للدارقطني: “لا تكشف عن فخذك، فإن الفخذ
من العورة”.

وروى الإمام أحمد والبخاري في التأريخ الكبير، والحاكم في مستدركه، عن
محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه قال: “مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا
معه، على معمر، وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر، غط عليك فخذيك، فإن الفخذين عورة”
.

وروى الدارقطني في سننه، عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: “ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل من السرة من العورة”
.

وروى أيضا: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما تحت السرة إلى الركبة من العورة”.

إذا علم هذا، فالنظر إلى عورة الغير حرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم
في حديث علي رضي الله عنه: “ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت” .

لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة
إلى عورة المرأة” رواه الإمام أحمد وأهل السنن، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه.

الوجه السابع: أن اللعب بالكرة من اللهو الباطل قطعا، لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: “كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه،
وملاعبته أهله؛ فإنهن من الحق” وفي رواية: “وتعليم السباحة” رواه الامام
أحمد، وأهل السنن، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن،
وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

فدل هذا الحديث الصحيح على أن اللعب بالكرة من الضلال، لقول الله تعالى:
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} ، قال الخطابي، رحمه الله تعالى: في هذا
بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة، وإنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخلال
من جملة ما حرم منها، لأن كل واحدة منها إذا تأملتها، وجدتها معينة على حق، أو ذريعة
إليه، ويدخل في معناها: ما كان من المناقفة بالسلاح، والشد على الأقدام ونحوهما، مما
يرتاض به الإنسان، فيتوقح بذلك بدنه، ويتقوى به على مجالدة العدو.

فأما سائر ما يتلهى به البطالون، من أنواع اللهو، كالنرد، والشطرنج، والمزاجلة
بالحمام، وسائر ضروبللعب، مما لا يستعان به في حق، ولا يستجم به لدرك واجب، فمحظور
كله. انتهى.

وقوله: فيتوقح بذلك بدنه، معناه: يصلب بدنه، قال الجوهري: حافر وقاح، أي
صلب، وتوقيح الحافر: تصليبه بالشحم المذاب.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى: سائر ما يتلهى
به البطالون، من أنواع اللهو، وسائر ضروب اللعب، مما لا يستعان به في حق شرعي، كله
حرام.

قلت: ومن هذا الباب: اللعب بالكرة، لأنه مجرد لهو ولعب، ومرح وعبث، وأعظم
من ذلك: أنه يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ويوقع العداوة والبغضاء بين اللاعبين، وليس
هو مما يستعان به في حق شرعي، ولا يستجم به لدرك واجب، فهو من اللعب المحظور بلا شك،
والله أعلم.

ثم ذكر الخطابي رحمه الله تعالى: أن من لعب بالشطرنج وقامر به فهو فاسق،
ومن لعب به على غير قمار، وحمله الولوع بذلك على تأخير الصلاة عن وقتها، أو جرى على
لسانه الخنا والفحش، إذا عالج شيئا منه فهو ساقط المروءة، مردود الشهادة. انتهى.

وما قاله في اللاعبين بالشطرنج، يقال مثله في اللاعبينبالكرة، ويزيد أهل
الكرة على أهل الشطرنج، بالمرح والأشر، والتعرض لأنواع الضرر؛ فاللعب بها شر من اللعب
بالشطرنج، وأعظم منها ضررا.

ومن العجب أن هذا اللعب الباطل، قد جعل في زماننا من الفنون التي تدرس
في المدارس، ويعتنى بتعلمه وتعليمه، أعظم مما يعتني بتعلم القرآن، والعلم النافع، وتعليمهما.

وهذا دليل على اشتداد غربة الإسلام في هذا الزمان، ونقص العلم فيه، وظهور
الجهل بما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم حتى عاد المعروف عند الأكثرين
منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة.

وهذا من مصداق الحديث المتفق على صحته، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أشراط الساعة، أن يرفع العلم، ويظهر الجهل
… ” الحديث.

واللعب بالكرة، والاعتناء بتعلمه وتعليمه في المدارس وغيرها، من ظهور الجهل
بلا شك، عند من عقل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وما أشبه المفتونين باللعب
بالكرة، بالذين قال الله تعالى فيهم: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً
وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن
تيمية، رحمه الله تعالى: إن العلوم المفضولة إذا زاحمت العلوم الفاضلة، وأضعفتها، فإنها
تحرم، انتهى.

وإذا كان الأمر هكذا في العلوم المفضولة مع العلوم الفاضلة، فكيف باللعب
بالكرة، إذا زاحم العلوم الفاضلة وأضعفها، كما هو الواقع في زماننا؟!

مع أن اللعب بالكرة ليس بعلم، وإنما هو لهو ومرح، وأشر وبطر، فيجب المنع
منه لما ذكرنا، ولما فيه من التشبه بأعداء الله تعالى، كما تقدم بيانه، والله أعلم.

وإذا علم هذا: فمن أهدى لبعض اللاعبين بالكرة شيئا، من أجل حذقه في اللعب
بها، فقد أعان على الباطل، وكذلك من صنع لهم مأكولا، أو مشروبا، أو أحضره لهم، فهو
معين لهم على الباطل.

وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} .

وقال شيخ الإسلام: أبو العباس ابن تيمية، رحمه الله تعالى: ولعب الكرة
إذا كان قصد صاحبه المنفعة للخيل والرجال، بحيث يستعان بها على الكر والفر، والدخول
والخروج، ونحوه في الجهاد، وغرضه الاستعانة على الجهاد، الذي أمر الله به ورسوله صلى
الله عليه وسلم، فهو حسن؛ وإنكان في ذلك مضرة بالخيل والرجال، فإنه ينهى عنه. انتهى.

وقال الشيخ: حمود: فصل، فإن ادعى المتشبهون بأعداء الله تعالى، أنهم إنما
يريدون باللعب بالكرة: رياضة الأبدان، لتعتاد على النشاط والصلابة.

فالجواب أن يقال: إن الله تعالى قد جعل للمسلمين في الرياضات الشرعية غنية
ومندوحة عن الرياضات الإفرنجية، فمن ذلك: المسابقة على الخيل؛ وقد سابق النبي صلى الله
عليه وسلم بينها، وفعل ذلك أصحابه، والمسلمون بعدهم.

” انتهى المراد نقله

وليس كل ما ذكره الشيخ من الأحاديث متفق على صحته بين أهل العلم بل عدد
من الأخبار التي ذكرها ينازعه غيره من العلماء في صحتها ، غير أن كلامه دال على المقصود
بأقوى ما يكون والله أعلم

فائدة : قال ابن سعد في الطبقات [  6154]:

 قَالَ : أَخْبَرَنا حَمَّادُ بْنُ
مَسْعَدَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ؛
أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى بَنِيهِ عَنْ لِعْبِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ , وَيَقُولُ : هِيَ مَأْثَمَةٌ.

وقال ابن أبي شيبة في المصنف [  26691]:

 حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى
، عَن يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَ : كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ يَنْهَى
بَنِيهِ أَنْ يَلْعَبُوا بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَيَقُولُ : إنَّهُمْ يَكْذِبُونَ فِيهَا
وَيَفْجُرُونَ.

 هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم