قيم مفقودة: التكافل والتراحم

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

حين ترى طبيبا برادئه الأبيض والسكينة التي تحيط به ( فيما يخيَّل لنا ) يساوِم مريضاً محتاجاً على ثمنِ عمليته أو عملية ابنه أو ابنته ولا يقبل التنازل حتى عن جزء من الثمن مع شدة احتياج المريض للعملية أو العلاج

مما يضطر المريض إلى أن يمد يده للناس ويريق ماء وجهه وقد يفلح وقد لا يفلح

تفهم أن العلم وتقدُّم الطب ليس كلَّ شيء بل لا بد من تراحم وتكافل ولعلك لا تشك أن ذلك التاجر المحسن الذي يعطي مال العملية هو لا شك خير من الطبيب وأن ذلك الواعظ الذي زرع في قلب التاجر أو المحسن محبة الإحسان للناس مع رجاء الثواب هو كذلك لا بد من وجوده فلا يغرك من يضع صورة مجموعة من الأطباء ويقول تخيل العالم من دونهم ثم يجعل في مقابلهم علماء دين ( علماً أن غاية صنيع الطبيب إنقاذ الحياة وأما معرفة غاية الحياة وبما تطيب فلا بد لذلك من دين ).

قد يقول قائل : لا لوم على الطبيب فهذا عمله، فأقول : لا لوم عليه ولكن لا يقدَّس أيضاً ولا يمنُّ على الناس لأنه إنما يقبِض ثمن ما يفعل والعديد من الأطباء عندهم راتب كبير ويأتيهم المريض وهم قادرون على أن يُحسنوا له بتخفيضٍ أو إعانة كاملة وتراهم لا يفكرون بالأمر حتى بحجة أننا لا نريد فتح الباب ولا يمكننا مساعدة جميع الناس ، ولا أحد قال لك ساعد جميع الناس وإنما ساعد من استطعت والبقية اتركهم عسى أن يوجد من يعينهم وانتقِ الحالات الحرجة جداً ولا تحقرن من المعروف شيئاً ففي سقي كلب دخلت بغي الجنة فكيف بتفريج كربةٍ عن مسلم.

وقد يقول قائل : هذا عمل الحكومات أن يعينوا الناس

فأقول : في معظم العالم الحكومات لا تفعل ذلك منها المجرمة السارقة ومنها المقصِّرة ومنها العاجزة ولكن هبها كذلك فأين التكافل والتراحم ؟ مِن أكثر الأفكار سلبية في مجتمعاتنا تبرير السلبية بفساد السلطة وكأننا ما قرأنا {كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين}

أرأيت لو جاءك طفل يسأل وأبوه لص أو سكير هل ستمنعه حقه في مال الله الذي آتاك أو تزهد في الأجر الذي يأتي من إعانته بحجة فساد والده

بل علينا أن نخفِّف من آثار الفساد قدر المستطاع بالتكافل والتراحم مع السعي في زواله وزوال أسبابه.