قصة عبد الله الرضيع هل تسلم من سهام النقد ؟
الْيَوْم عامة الشيعة الإمامية يبكون بحزن شديد على قتل الحسين رضي الله عنه وأبنائه ومعلوم أن حادثة الطف تلك الحادثة المؤلمة زاد الناس فيها وأنقصوا فهناك قدر مستيقن اتفق عليه عموم الناس وهو أن الحسين قتل هناك مع بعض أهل بيته وأسر آخرون
وزاد كثير من الناس كذباً كثيراً وهناك تضارب في تفاصيل الروايات وهناك أمور اخترعت لاحقا يقول بنقدها حتى بعض علماء الإمامية مثل عرس القاسم بن الحسين، وهناك شخصيات خيالية أدخلت في قصة الطف مثل رقية بنت الحسين ( وهي شخصية خيالية لا وجود لها في المصادر التاريخية القديمة )
وكان من الممكن التسامح في بعض الروايات التاريخية القديمة في حادثة الطف لولا أن الشيعة الإمامية عادتهم التشكيك في الواضحات حتى قال كثير من متقدميهم بتحريف القرآن وأنكر كثير منهم وجود بنات للنبي صلى الله عليه وسلم غير فاطمة ليسقط فضل عثمان وأنكر كثير منهم مصاهرة علي مع عمر وتسمية علي لابنه عمر كما أنكروا عامة فضائل الصحابة وأحاديث الرؤية يوم القيامة وقد وجدت منهم من ينكر دفن أبي بكر وعمر إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجد منهم من ينكر وجود عبد الله بن سبأ تقليدا لبعض المستشرقين وقد نقدت هذا الكلام في مقال خاص وبعضهم أنكر وجود أبي العميطر خالد بن عبد الله ( وهو شخصية تاريخية معروفة فقط لأن والده من نسل معاوية وأمه من نسل علي وكأنها أول مصاهرة بين الهاشميين والأمويين مع قربهم في النسب! )
وهنا أريد أن أكايلهم مكايلة بمعنى أنني أعاملهم بطريقتهم المتعنتة في هذه القصة القصتين قصة عبد الله الرضيع وهم يستدرون بها عواطف العوام من الشيعة كل عام ويحدث لذلك بكاء وحزن عظيم جداً وسجل الشعراء عندهم في ذلك عشرات آلاف القصائد المؤثرة والتي تقرأ بلحن حزين مشجي
وعادة الإمامية أنهم يستدلون على قوة الروايات التي يأتون بها بقولهم ( هذا موجود في مصادر أهل السنة ) فهم لا يلزمون أهل السنة بالوارد في مصادر الشيعة فقط وإلا للزم أهل السنة أن يلزموهم بالموجود في مصادر أهل السنة فقط ( علما أن أهل السنة لهم منهج علمي دقيق في قبول الروايات بخلاف القوم )
وعليه فلننظر في قصة عبد الله الرضيع في مصادر أهل السنة فعامة الخطباء يوهمون عوامهم أن القصة التي يذكرونها على المنبر متفق عليها بين كل الناس
في مقتل الخوارزمي وغيره: تقدم الحسين إلى باب الخيمة وقال: ناولوني علياً الطفل حتى أودعه، فناولوه الصبي، فجعل يقبله ويقول: ويل لهؤلاء القوم إذ كان خصمهم جدك، فبينا الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه في حجره فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به نحو السماء، وقال: اللهم إن حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا، وانتقم من هؤلاء الظالمين، ثم نزل الحسين عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه وزمله بدمه وصلى عليه.
هذه القصة ذكرها مرتضى العسكري في كتابه معالم المدرستين وذكرته هو خصيصا لأنه ممن يشكك في وجود عبد الله بن سبأ
مقتل الخوارزمي كاتبه رجل عاش في القرن السادس الهجري وهو حنفي مترفض وأورد الخبر بلا إسناد
قال الذهبي في المنتقى من منهاج الاعتدال1/ 477 «وقد حشا تأليفه بالموضوعات».
حيث قال «ولقد ساق أخطب خوارزم من طريق هذا الدجال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيد علي رضي الله عنه من ذلك بإسناد مظلم عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً من أحب علياً أعطاه الله بكل عرق في بدنه مدينة في الجنة»
ولو فرض أنه أوثق الثقات فيلزمه ذكر الإسناد ! ومع ذلك يذكرونها عنه وكأنهم يعزون حديثاً للصحيحين
وأما الرواية الثانية ففي مقاتل الطالبيين للأصفهاني حدّثني أحمد بن شبيب، قال: حدّثنا أحمد بن الحرث عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: دعى الحسين بغلام فأقعده في حجره، فرماه عقبة بن بشر فذبحه.
هذه الرواية تناقض الرواية الأولى في اسم قاتله فتلك فيها أن قاتله حرملة بن كاهل الأسدي وهذه فيها أن قاتله عقبة بن بشر وهذا خلاف المشهور عند الإمامية وفِي كتبهم
وأبو مخنف هو لوط بن يحيى رافضي إخباري يدافعون عنه بالشطط وسليمان بن أبي راشد مجهول وما له شيء سوى أخبار كربلاء وأخبار يسيرة معها وكذلك حميد بن مسلم مجهول وهو من أصحاب المختار بن عبيد الثقفي الكذاب فكيف يوثق بروايته والشيعة أنفسهم مختلفون في شأن المختار. وأما أهل السنة فلا يختلفون في أنه كذاب ثقيف
والرواية الثالثة في الطبقات لابن سعد من طريق علي بن محمد. عن أبي الأسود العبدي. عن الأسود ابن قيس العبدي. [قال: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي وذكر خبراً طويلاً وفيه : وجاء صبي من صبيان الحسين يشتد حتى جلس في حجر الحسين. فرماه رجل بسهم فأصاب ثغرة نحره فقتله. [فقال الحسين: اللهم إن كنت
حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة وانتقم لنا من القوم الظالمين]
والرواية الثالثة في الطبقات لابن سعد من طريق علي بن محمد. عن أبي الأسود العبدي. عن الأسود ابن قيس العبدي. [قال: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي وذكر خبرا طويلا وفيه : وجاء صبي من صبيان الحسين يشتد حتى جلس في حجر الحسين. فرماه رجل بسهم فأصاب ثغرة نحره فقتله. [فقال الحسين: اللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة وانتقم لنا من القوم الظالمين]
أبو الأسود العبدي ليس له في كل كتب الإسلام إلا هذا الخبر وظاهر الخبر أنه صبي يركض ويتحرك وليس رضيعا في المهد كما هو المشهور عند الإمامية
الرواية الرابعة في مقاتل الطالبيين حدّثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب قال:
أخبرنا مورع بن سويد بن قيس، قال: حدّثنا من شهد الحسين، قال:
كان معه ابنه الصغير فجاء سهم فوقع في نحره، قال: فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره ولبته فيرمي به إلى السماء فما يرجع منه شيء، ويقول:
اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.
والرواية الثانية والرابعة مدارهما على أبي الفرج الأصفهاني ومن يقرأ الأغاني له يتقين أنه كذاب كما رماه بذلك غير واحد
وفِي تاريخ الطبري ما يناقض الرواية المشهورة عند الرافضة وذلك أنه روى من طريق لوط بن يحيى عن بعض الرافضة أتباع المختار وهو يحكي قصة قول المختار لقتلة الحسين : وطلب المختار عبد الله بن عقبة الغنوي فوجده قد هرب، ولحق بالجزيرة، فهدم داره، وكان ذلك الغنوي قد قتل منهم غلاما، وقتل رجل آخر من بني أسد يقال له حرملة بن كاهل رجلا من آل الحسين، ففيهما يقول ابن أبي عقب الليثي:
وعند غني قطرة من دمائنا … وفي أسد أخرى تعد وتذكر
فذكر أن حرملة قتل رجلا ولَم يقتل غلاما وأن قاتل الغلام هو الغنوي ولا ذكر للغنوي في عامة الروايات السابقة ! والغلام الذي قتله الغنوي اسمه ( أبو بكر ) لهذا لا تبكيه الرافضة
الرواية الخامسة : في تاريخ الطبري : قَالَ أَبُو مخنف: قَالَ عقبة بن بشير الأسدي: [قَالَ لي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد ابن عَلِيّ بن الْحُسَيْن: إن لنا فيكم يَا بني أسد دما، قَالَ: قلت: فما ذنبي أنا فِي ذَلِكَ رحمك اللَّه يَا أَبَا جَعْفَر! وما ذَلِكَ؟ قَالَ: أتي الْحُسَيْن بصبي لَهُ، فهو فِي حجره، إذ رماه أحدكم يَا بني أسد بسهم فذبحه، فتلقى الْحُسَيْن دمه، فلما ملأ كفيه صبه فِي الأرض ثُمَّ قَالَ: رب إن تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذَلِكَ لما هُوَ خير، وانتقم لنا من هَؤُلاءِ الظالمين،]
عقبة بن بشير الأسدي مجهول ليس له إلا هذا الخبر في الكتب
جاء في لسان الميزان : 5245 – عقبة بن بشير الأسدي.]
عن أبي جعفر.
مجهول، انتهى.
وقال عثمان بن سعيد عن ابن مَعِين: ما أعرفه.
وقال ابن عَدِي: مجهول.
أقول : وضعفه البخاري في الضعفاء وقال لم يكتب حديثه وهذا تضعيف شديد ولا يقصد البخاري هنا إلا أخباره عن أبي جعفر إذ ليس له في الكتب غيرها
والخلاصة أن القصة لها خمس روايات واحدة بلا إسناد فهي كالعدم
واثنتان مدارهما على كذاب مشهور برواية المجون وهو متأخر وانفرد بهما من دون بقية المؤرخين
وواحدة مدارها على مجهولين مالهما رواية في الكتب غير هذه الرواية وأخرى مدارها على مجهولين من اصحاب المختار الكذاب
وأقواها مدارها على مجهول نص الأئمة على استنكار حديثه مع كوّن روايته التي تسمي القاتل أسديا تخالف الروايات الأخرى التي تقول أن الأسدي قتل رجلا هذا كله إن وثقنا لوطا مع ما بين هذه الروايات من تضارب
فَلَو قائل أنها قصة اختلقها بعض أصحاب المختار ثم تلقاها متأخري الرافضة وركبوا لها الأسانيد لكان قوله وجيها
وأما الروايات التي تقال على المنابر ففيها من اختلاقات الرافضة الشيء العظيم وكذبوا في هذه القصة كذبا يملأ المجلدات ولا زالوا يستدرون عواطف العامة بهذه القصة كل عام