قال الله تعالى : ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِن اللَّهَ
مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ
فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا
قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا
طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ
مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ
اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْعَالَمِينَ )
فتأمل أخي كيف أنهم كانوا كثرة فابتلاهم الله عز وجل بذلك النهر فشرب الأكثر
منه فسقطوا ، وبقي القلة الصابرون فانتصروا
وفي هذا عبرة أن الفتن الممحصة التي يسقط فيها أهل التشويش والتلون ، وإن
قل فيها عدد أهل السنة في الظاهر فإن في ذلك مصلحةً عظيمة الله يعلمها من التمحيص
قال الله تعالى : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ
فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
ولأن أهل التلون والنفاق ، وجودهم في أهل الإيمان وكونهم له شوكة كفيل
بأن يحول أي نصر إلى هزيمة ولو على المدى البعيد
قال الله تعالى : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا
وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)
فمن رحمة الله عز وجل أنه يهيء أسباب تنقية في هذه الفتن الممحصة فيعرف
لأهل الصبر والإيمان صبرهم ، ويعرف لأهل النفاق والتلون نفاقهم
ولولا هذه الفتن لتعذر علينا التمييز بين هؤلاء وهؤلاء بل ربما وقع من
بعضنا أو كثير منا تفضيل أهل النفاق لما في كثير من حسن الظاهر
وقد قال الله عز وجل في أهل النفاق 🙁 وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ
أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (7/212) :” فإن
كثيرا من المتأخرين ما بقى فى المظهرين للإسلام عندهم إلا عدل أو فاسق وأعرضوا عن حكم
المنافقين والمنافقون ما زالوا ولا يزالون الى يوم القيامة والنفاق شعب كثيرة وقد كان
الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم “
ومن أبرز شعب النفاق النكوص عن الجهاد والخذلان في المحن
قال ابن كثير في تفسيره (2/128) :” وَلِهَذَا قَالَ:
وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَعْنِي لَا يَغْشَاهُمُ النُّعَاسُ
مِنَ الْقَلَقِ وَالْجَزَعِ وَالْخَوْفِ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ
الْجاهِلِيَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ
الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً [الفتح: 12] إلى آخر الآية.
وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا ظَهَرُوا
تِلْكَ السَّاعَةِ أَنَّهَا الْفَيْصَلَةُ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ باد وأهله، وهذا
شَأْنُ أَهْلِ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ إِذَا حَصَلَ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ الْفَظِيعَةِ
تَحْصُلُ لَهُمْ هَذِهِ الظُّنُونُ الشَّنِيعَةُ”
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم