قال الله تعالى في صفة المنافقين : ( وَإِذَا
رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ
خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ
قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
والناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كانوا مسلمين وكفار صرحاء ومنافقون ، والمنافقون يبطنون الكفر ويظهرون
الإسلام فهم عدو خفي ، ولهذا كانت الآيات في سورة البقرة في بيان صفة المنافقين أكثر
من الآيات في صفة المؤمنين وصفة الكفار الصرحاء
وقد قال الله تعالى ( هم العدو فاحذرهم )
وهذا كقولك ( فلان هو العالم ) ، وفلان هو الرجل
أي اكتمل علمه أو اكتملت رجولته ، فهؤلاء عداوتهم هي الأخطر لأنهم عدو
خفي
وأشبه الناس بأهل النفاق هم أهل البدع
قال مسلم في صحيحه 2413- [142-1063] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ
بْنِ الْمُهَاجِرِ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ ،
وَفِي ثَوْبِ بِلاَلٍ فِضَّةٌ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْبِضُ مِنْهَا ، يُعْطِي النَّاسَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اعْدِلْ ، قَالَ
: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ
إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
: دَعْنِي ، يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : مَعَاذَ
اللهِ ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ
يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
وهذا هو أصل كل إحداث وهو إساءة الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم
يبلغ الدين كاملاً وأن الأمر بحاجة إلى تعديل أهل البدع وزياداتهم
قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ
آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ
يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)
وكذا هم البدع فمنهم من يتحاكم إلى العقل ، ومنهم يتحاكم إلى رأيه وقياسه
ويقدمه على الكتاب والسنة ، ومنهم من يتحاكم إلى الذوق والوجد
وقال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
وهذا حال أهل البدع
وقد ذكر شيخ الإسلام أن البدعة شعبة من النفاق
قال الفريابي في القدر 362 : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدٌ يَرَى أن أسرع
الناس ردة أهل الأهواء.
قال الدارمي في مسنده 100 : أخبرنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب
عن أبي قلابة قال : ان أهل الأهواء أهل الضلالة ولا أرى مصيرهم الا النار فجربهم فليس
أحد منهم ينتحل قولا أو قال حديثا فيتناهى به الأمر دون السيف وان النفاق كان ضروبا
ثم تلا { ومنهم من عاهد الله } { ومنهم من يلمزك في الصدقات } { ومنهم الذين يؤذون
النبي } فاختلف قولهم واجتمعوا في الشك والتكذيب وان هؤلاء اختلف قولهم واجتمعوا في
السيف ولا أرى مصيرهم الا النار قال حماد ثم قال أيوب عند ذا الحديث أو عند الأول وكان
والله من الفقهاء ذوي الألباب يعني أبا قلابة
وإسناده صحيح
قال ابن الجوزي في الموضوعات (1/51) :” قال أبوالوفا على بن عقيل
الفقيه: قال شيخنا أبو الفضل الهمداني: مبتدعة الاسلام والواضعون للاحاديث أشد من الملحدين
لان الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد
سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالحاضرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن فهو شر
على الاسلام من غير الملابسين له “
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (18/54) :” وَمَا أَحْسَنَ
قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَد: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ الرَّأْيِ وَقَدْ أَمَرَ
الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو ابْنُ الصَّلَاحِ بِانْتِزَاعِ مَدْرَسَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ
أَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيَّ وَقَالَ: أَخْذُهَا مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِ عَكَّا.
مَعَ أَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ أَكْثَرَ تَبَحُّرًا فِي الْفُنُونِ
الْكَلَامِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ مِنْهُ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ إسْلَامًا وَأَمْثَلِهِمْ
اعْتِقَادًا “
فهذا ابن الصلاح رأى أخذ المدرسة من مبتدع أحسن من أخذ عكا من يد الصليبيين
، مع أن الآمدي هذا من أحسن الأشاعرة اعتقاداً ( وليس بالحسن ) ، وابن الصلاح نفسه أشعري مفوض
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 232) :” هذا أفضل فبين
أن نفع هذا عام للمسلمين فى دينهم من جنس الجهاد فى سبيل الله اذ تطهير سبيل الله ودينه
ومنهاجه وشرعته ودفع بغى هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين
ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو
من أهل الحرب فان هؤلاء اذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين الا تبعا وأما
أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء “
وهذا تقرير لقاعدة العدو الداخلي ( المبتدع والزنديق ) أخطر من العدو الخارجي
الكافر الصريح
وقال الشنقيطي في أضواء البيان وهو يتكلم عن الصوفية (4/ 159) :”
، واستعمارهم لأفكار ضعاف العقول أشد من استعمار كل طوائف المستعمرين . فيجب التباعد
عنهم ، والاعتصام من ضلالتهم بكتاب الله وسنة نبيه”
قال ابن حجر في شرح البخاري (19/389) :” قَالَ اِبْن هُبَيْرَة : وَفِي
الْحَدِيث أَنَّ قِتَال الْخَوَارِج أَوْلَى مِنْ قِتَال الْمُشْرِكِينَ ، وَالْحِكْمَة
فِيهِ أَنَّ فِي قِتَالهمْ حِفْظ رَأْس مَال الْإِسْلَام ، وَفِي قِتَال أَهْل الشِّرْك
طَلَب الرِّبْح ، وَحِفْظ رَأْس الْمَال أَوْلَى”
وقال الدارمي في مسنده 214 – أخبرنا محمد بن عيينة انا علي هو بن مسهر عن أبي إسحاق عن الشعبي عن زياد بن حدير قال قال لي عمر : هل تعرف ما يهدم الإسلام قال قلت لا قال يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين
وهذه الهوادم الثلاثة كلها من العدو الداخلي كما ترى
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم