فقد تكرر السؤال عن صفات الكمال لله عز وجل وكيف نثبت كمالها ، واكتشفت أن هذه المنهجية الجديدة للملاحدة بعدما ظهر عجزهم واضحاً في أمر إثبات الخالق ، صارت المنهجية الجديدة أنه يقر لك بالخالق ولكنه يزعم التشكك في كمال الخالق !
هذه هي الوسوسة الجديدة وحقيقة أنا يزهدني في مخاطبة الملاحدة أنك تجدهم في القضايا الشرعية والعقلية يسفسطون ويتشككون بطريقة عجيبة تفوق المماحكة ثم هم يسلمون للقيم الغربية بشكل مطلق فدائماً أقول للأخوة هؤلاء يعبدون الكفار أولاً ثم يكفرون بالله ثانياً ثم يسفسطون ثالثاً ويمكن أن يؤمنوا بأي شيء إلا إله يخالف القيم الغربية هذا كلام أقوله عن خبرة في معظمهم
وكثير منهم منهجية التفكير عنده متحيزة ضد الدين ( وهذا من آثار التغريب ) فينظر للدين على أنه عبء فلا يقر بأي حقيقة من حقائقه الفطرية إلا بعد إقامة براهين تقطع كل مماحكة أو وسوسة ولو كانت يسيرة ثم هو لا يورد على الإلحاد أو الربوبية أي إيرادات وكأنها ليست أفكاراً تفتقر إلى أدلة
وإن مما نجح فيه الكثير من الغربيين الذين يتبعون المنهج المادي ( وهو دين مستقل ) أنهم يعطون إفرازات هذا المنهج على هيئة رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية محايدة ! وليس إفرازات دين وكان هذا هو مدخل الكثير من الإشكالات إلى عقول أبناء الجيل
ولهذا أنا زاهد في محاورتهم في القضايا اللاهوتية ولكن لما كان كثير من المسلمين يتأثرون بشبهاتهم كان لا بد من بيان ومشكلة الكثير من المنتسبين لملة الإسلام أنهم ينظرون لمثل هؤلاء السوفسطائيين على أنهم مساكين عندهم إشكالات ولا بد من إجابة أسئلتهم والواقع أنهم مكابرون للعقل والفطرة ولذا حتى عند المحاورة الهادئة لا بد من شيء من اللغة الهجومية عليهم وتوليد الإشكالات على ما يقولون وليس فقط أن تجعل على نفسك عبء الأجوبة والإيضاح والذي أمامك يهاجم
والآن نشرع في المقصود الربوبي الذي يثبت وجود الخالق ويقر بوجوده ثم يتشكك في صفات الكمال هو لا يملك أي دليل على نفيها وفقط يطالب بدليل على إثباتها مع إقراره بأن اتصاف الله عز وجل بها هو الأكمل والأليق به سبحانه ، فباختصار هو افترض عدم وجود دليل يقتضي كمال الخالق ولكنه يقر أن ذلك ممكن ومع ذلك انحاز لغير الممكن هكذا ! وجعل عبء الإثبات على الطرف المقابل مع أنه أعطى مرجحاً لقول خصمه وهو اعتقاده أن ذلك أكمل وأن فطرة البشر على ذلك ، وكأنه يطلب دليلاً عقلياً والواقع لا يمكن أن يثق بعقله إذا كان لا يثبت الكمال للخالق فإذا كان الله تعالى عما يقول ظالماً فإنه قد يمنحك عقلاً يعطي نتائج خاطئة ويجعل كل البشر على ذلك فلا يوثق بالعقل نهائياً وهنا سندخل بالتناقض إذ نستدل بالعقل على بطلان العقل أو نستدل بالعقل على عدم كمال الخالق الذي لولا كماله ما وثقنا بالعقل !
ومع ذلك براهين الكمال الإلهي كثيرة سأختار طريقة مبسطة لشرح الأمر
حين يكون عند رجل مال أو علم
فهو قادر على أَن يمنح الجاهل العلم فيجعله عالما أو يمنح الفقير المال فيجعله غنيًا
وقادر على ألا يفعل فيبقون على جهلهم أو فقرهم
فما بالك بخالق المخلوقات العالمة والجاهلة والغنية والفقيرة ( ( العلم أو الغنى كمال والجهل والفقر نقص )
ولهذا نجد في المخلوقات الكمال والنقص معاً ولكن لا يكون في الخالق إلا الكمال لأنه لو كان ناقصاً لما أمكن ظهور أصل الكمال في المخلوقات فلو لم يكن عادلاً لما أمكن ظهور العدل ونقيضه الظلم بل سيظهر الظلم فقط في العالم ولا يعرف للعدل معنى كما أن الجاهل لو جلس إلى جهال فلا يمكن أن يكسبهم علماً ولله المثل الأعلى
مجرد إثباتك للخالق في عالم فيه كمال ونقص يقتضي إثبات إثبات أصل الكمال له بل الكمال المطلق
ثم مجرد إثباتك أنه خالق يقتضي إثبات أنه حي حياة مطلقة ( كاملة ما سبقها عدم ) وقدير قدرة مطلقة وعليم علمًا مطلقًا وهذا يقتضي ضرورة أَن تكون بقية الصفات مطلقة وتشكيكك بذلك لا تصل فيه إلا لمجرد الشك بذلك مع احتمال مطلقيتها وكون ذلك الأليق في الإله
بل إثباتك لكونه مطلقا من وجه وناقصًا من وجه آخر يقتضي الجمع بين النقيضين فمن ثبت إطلاقه في وجه ثبت بكل الوجوه فقولك حياته كاملة مطلقة وقدرة كاملة مطلقة ثم تقول علمه ليس كذلك مثلاً كقول النصارى هو والد ومولود في آن واحد جمع بين النقيضين
فالكمال ثابت له ضرورة وكون هذا الكمال ثابت له ضرورة أيضا بمجرد إثبات الخلق ولهذا في القرآن يستدل على كمال العلم بأصل الخلق ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )
وحديث بعض المساكين عن صنع البشر للحاسوب الذي يفوقهم في بعض الحسابات مثال ضدهم لأن البشر كائنات ليست مطلقة بل لها بداية وهي ناقصة ثم أصل العملية الحسابية والعلم ثابت عند مخترع الحاسوب ومخترع الحاسوب ليس صانعًا مطلقا له وإنما هو مركب لأدوات ولولا ذلك ما استطاع اختراعه وهذا يثبت أصلا أَن مانح الكمال أولى به
فهل تعقل رجلاً لا يحسن الحساب أصلاً يصنع جاسوباً ؟ كذلك يعقل من يؤمن بخالق دون صفات كمال ! ( ومجرد وجود الكمال مع القدرة والحياة المطلقة يجعله كمالا مطلقًا فلا يتصور الكمال غير المطلق نهائيًا لهذا حتى المعترضين يجوزون ثبوت صفات النقص وليس الكمال غير المطلق لعلمهم أَن مجرد ثبوت الكمال لمن وجوه مطلق بمعنى أنه أول لا بداية له يعني ثبوت الكمال المطلق )
ولكنهم يخلطون ( في مثال الحاسوب ) بين أصل الكمال والذي قد يوجد في المخلوق ومطلقيته الذي خصوصية الخالق
فمانح الكمال أولى به وقد يمنع الكمال أو يمنعه والله الذي لا أول له سبحانه فهو الكامل المطلق صفاته كذلك لها الكمال المطلق
ثم هناك صفات جمال يرغب بها المتقين وصفات جلال يرهب بها الفجار ، وهناك صفات كمال في المخلوق لأنه مخلوق كمثل التوالد وهي صفات نقص في الخالق لأنه غني أول لا يسبقه عدم ولا يلحقه فناء تعالى اسمه
وقدرة الله على الظلم مع امتناعه عنه يجتمع فيه كمال صفة القدرة وكمال صفة العدل خلافاً لبعض المتكلمين وأما أسئلتهم هل يقدر الله على كذا وكذا فهي سفسطة خلاصتها هل يقدر الله على أن يكون عاجزاً ويلاحظ الجمع بين النقيضين هنا جلياً وكقولهم هل يقدر على أن يخلق إلها تعالى الله عما يقولون من الكفر الأخرق فهو كقولك هل يصلح أن يوجد قديم حادث في آن واحد وهذا جمع بين النقيضين وهذا ممتنع والممتنع ليس بشيء حتى تتعلق به قدرة بخلاف المعجزات فهي جائزة التصور وممكنة الوقوع والكون كله معجزة فالله قادر على خلق فيل يطير مثلاً ولكنك إن تحدثت عن فيل هو أسد من كل وجه فأنت تجمع بين النقيضين وتتكلم عن شيء يوصف ولا يتصور فهو ممتنع لذاته
وبعد هذا الاستعراض أقول : هذه مسألة بينة واضحة وإنما نتعامل مع سفسطات خرقاء في زمن ضعف العلم وإحسان الظن المفرط بالبشر وسوء الظن بالله ، كمالات رب العالمين مطلقة وطالما تتنفس احرص على أن تقترب منه بالعبادة والتدبر في كلامه فإن ذلك يكشف عنك حجب الوحشة وتصير تتدرج في إدراك هذه الكمالات حتى تلقاه وهو راض عنك وتراه بعين البصر فيجتمع لك معرفة القلب ورؤيا البصر وتلك أعظم لحظة في حياة أي إنسان إن فاز بها وتبقى في جواره في نعيم مطلق لا ينفد ولا ينتهي فتلك رحمته المطلقة سبحانه