قال الإمام أحمد في أصول السنة : [ وَأَن
لَا يُخَاصم أحدا وَلَا يناظره وَلَا يتَعَلَّم الْجِدَال فَإِن الْكَلَام فِي الْقدر
والرؤية وَالْقُرْآن وَغَيرهَا من السّنَن مَكْرُوه ومنهي عَنهُ لَا يكون صَاحبه وَإِن
أصَاب بِكَلَامِهِ السّنة من أهل السّنة حَتَّى يدع الْجِدَال ويؤمن بالآثار ]
فهذا نص واضح من الإمام أحمد أن الرجل لا يكون سنياً ولو أصاب السنة ،
حتى تكون مقدمته سنية
وهذا الكلام ينبغي تنزيله على الأشاعرة في الصفات التي أثبتوها بالعقل
وظن من ظن أنهم في هذا الباب موافقون للسنة ، بل إن طريقتهم التي أثبتوا فيها الصفات
واستغنوا فيها عن الأدلة تدل على البعد عن السنة وأنهم ليسوا من أهل السنة
وأضرب لك مثلاً بابن العربي المالكي وهو من أحسن الأشاعرة
قال ابن العربي في قانون التأويل 461 :
” وتعجبوا من رأس المحققين _ يعني الجويني _ يعول في نفي الآفات على
السمع ولا يجوز أن يكون السمع طريقاً إلى معرفة الباري ولا شيء من صفاته لأن السمع
منه “
وهذه العبارة السيئة واضحة في أن النصوص لا يعتمد عليها في باب الصفات
وهذا عين التجهم ، ويصف الجويني الأشعري بأنه رأس المحققين مما يدل على أنه على مذهبه
، والجويني والرازي لهما مذهب خبيث في أن العقل لا يدل على نفي النقائص عن الله عز
وجل فيعولون في هذا الباب على السمع على غير عادتهم
فتأمل كيف أن الأشعري قد أصاب في تنزيه الله عن النقائص ولكنه اعتمد على
العقل بل صرح أن السمع ( يعني أدلة الكتاب والسنة ) لا تصلح أن تكون دليلاً لمعرفة
الباري
والأشاعرة معترفون بأنهم أهل كلام وأن مذهبهم كلامي لهذا تجدهم يقولون
في التراجم مثلاً ( المالكي مذهباً المتكلم على مذهب الأشعري )
قال الذهبي في تاريخ الإسلام :” قال ابن أبي داود: ثنا موسى بن عمران
الإصبهاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تجالس أصحاب الكلام، وإن ذبوا عن السنة”
والواقع أنهم ما ذبوا عن الإسلام في كبير شيء بل جرأوا الفلاسفة على أهل
الإسلام لكثرة تناقضهم واضطراب أصولهم
وإلا فحالهم كما قال ابن القيم في الصواعق المرسلة ص973:” حقيقة قول
هؤلاء القول بالدهر وإنكار الخالق بالكلية وقولهم {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا
الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية24] وإنما
صانعوا المسلمين بألفاظ لا حقيقة لها واشتق إخوانهم الجهمية النفي والتعطيل من أصولهم
فسدوا على أنفسهم طريق العلم بإثبات الخالق وتوحيده بمشاركتهم لهم في الأصل المذكور
وإن باينوهم في بعض لوازمهم كإثباتهم كون الرب تعالى قادرا مريدا فاعلا بالاختيار وإثباتهم
معاد الأبدان والنبوة ولكن لم يثبتوا ذلك على الوجه الذي جاءت به الرسل ولا نفوه نفي
إخوانهم الملاحدة بل اشتقوا مذهبا بين المذهبين وسلكوا طريقا بين الطريقين لا للملاحدة
فيه وافقوا ولا للرسل اتبعوا ولهذا عظمت بهم البلية على الإسلام وأهله بانتسابهم إليه
وظهورهم في مظهر ينصرون به الإسلام ويردون به على الملاحدة فلا للإسلام نصروا ولا لأعدائه
كسروا بل أتباع الرسل كفروهم وضللوهم وصاحوا بهم من أقطار الأرض امتازوا من المسلمين
أيها المعطلون وانحازوا إلى إخوانكم من الملاحدة الذين هم بربهم يعدلون وخلوا عن نصوص
الوحي فكم بها تتلاعبون فمرة تقولون هي أدلة لفظية معزولة عن إفادة العلم واليقين ومرة
تقولون هي مجازات واستعارات لا حقيقة لها عند العارفين ومرة تقولون: لا سبيل إلى تحكيمها
والالتفات إليها وقد عارضها المعقول وقواطع البراهين ومرة تقولون أخبار أحاد فلا يحتج
بها في المسائل القطعية التي يطلب منها اليقين فأرضيتم بذلك إخوانكم من الملاحدة أعداء
الدين وكنتم بذلك لهم موافقين فصالوا عليكم به فيما أثبتموه وكنتم به من الإسلام وأهله
متقربين وصال عليكم المسلمون بما وافقتم فيه إخوانكم من الضلال المبين فتدافعكم الفريقان
تدافع الكرة بين الضاربين فدعونا من التلبيس والمصانعة”
وقال شيخ الإسلام في النبوات ص806 :” لهذا عدل الغزالي وغيره عن طريقهم
في الاستدلال بالمعجزات؛ لكون المعجزات على أصلهم لا تدلّ على نبوة نبيّ. وليس عندهم
في نفس الأمر معجزات، وإنما يقولون: المعجزات عِلمُ الصدق؛ لأنّها في نفس الأمر كذلك.
وهم صادقون في هذا، لكن على أصلهم ليست دليلاً على الصدق، ولا دليلَ على
الصدق.
فآيات الأنبياء تدلّ على صدقهم دلالة معلومة بالضرورة تارةً، وبالنظر أخرى.
وهم قد يقولون: إنّه يحصل العلم الضروري بأنّ الله صدّقه بها؛ وهي الطريقة
التي سلكها أبو المعالي، والرازي، وغيرهما؛ وهي طريقة صحيحة في نفسها، لكن [تناقض]
بعض أصولهم.
فالقدح ليس في آيات الأنبياء، لكن في الأقوال الفاسدة التي تناقض ما هو
معلوم بالضرورة عقلاً، وما هو أصل الإيمان شرعاً. ومن عرف تناقضهم في الاستدلال يعرف
أن الآفة في فساد قولهم، لا في جهة صحة الدلالة؛ فقد يظهر بلسانه ما ليس في قلبه؛ كالمنافقين
الذين يقولون: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}.
ولقد صدق الإمام أحمد في قوله: علماء الكلام زنادقة.
وطريقة القرآن فيها الهدى، والنور، والشفاء؛ سماها آيات، وبراهين”
فتأمل كيف أن شيخ الإسلام في معرض نقده للأشاعرة وذكره لكبار أئمتهم يذكر
عبارة الإمام أحمد في أن علماء الكلام زنادقة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم