قاعدة في الاستدلال على النبوة من اتهامات المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم المسجلة في القرآن

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

لو نظرنا في اتهامات المشركين الموجهة للنبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنها كالتالي

1_ اتهامه بأنه ساحر ( لأنه جاء بخوارق ولولا ذلك لما اتهموه بالسحر )

2_ اتهامه بأنه كاهن ( لأنه أخبر بمغيبات ووقعت من أهمها حادثة غلبة الروم المشهورة )

3_ اتهامه بأنه معلم وأرشدوا إلى غلام أعجمي وادعوا أنه تعلم منه ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ( وذلك أن العلوم التي جاء بها لا تعرف بين العرب )

4_ اتهامه بأنه شاعر ( وهذا لأنه جاء بخطاب فصيح غاية فرأوا أن ذلك أقرب ما يكون من صنيع الشعراء لأنهم أفصح العرب )

5_ اتهامه بأنه مجنون ( لأنه جابه قومه بما يسخطهم ويعرض حياته وعلاقاته الاجتماعية للخطر )

وإثبات النبوة من المعطيات السابقة ظاهر لكل ذي لب فإن اتقان كل الأمور السابقة يحتاج إلى قراءة وكتابة والنبي صلى الله عليه وسلم أمي والتفوق في واحدة من هذه يحتاج إلى عمر من التعلم والتفرغ لذلك وأما أن تكون متفوقاً في كل واحدة من هذه على حدة فهذا أمر عسير غاية مع الاجتهاد في إخفاء أنك تتعلم هذا ! وقد تحدى العرب القرآن وفيهم الكاهن والساحر والشاعر من يمكنه تعلم علوم أهل الكتاب من قراءهم وكتابهم فما استطاعوا ، ثم الاتهام الأخير لا يلتقي مع الاتهامات الأخرى لأن اتقان واحدة من تلك فضلاً عن كلها يتطلب ذكاء فذاً والنبي صلى الله عليه وسلم لما قام ودعا كان في الأربعين من عمره ولم تدعمه أي قوة وما قامت له دولة صغيرة في المدينة إلا بعدما تجاوز الثالثة والخمسين من عمره وكانت مهددة بأخطار عظيمة

أضف إلى هذا إتيانه بشريعة عظيمة تنظم الحياة في كل دقيق وجليل وما ورد في القرآن من محاججات عقلية لمنكري البعث وعباد الأوثان وفشل علماء أهل الكتاب في إسقاط ثقة الناس به والنجاحات العسكرية المتوالية التي حققها بحيث دانت له العرب في النهاية مع ما علم من حاله من الزهد والصدق والكرم وحسن الخلق عموماً وقد ألزم نفسه وصحابته بعبادات ثقيلة وترك منكرات وملذات أنسها كثير من العرب كالخمر والزنا وهو مع كل هذا لا يدعي بنوة للإله ولا ألوهية بل يقول أنا عبد رسول فحسب

ويقال لمن يؤمن بخالق كاليهودي والنصراني والربوبي : أيليق في حكمة الله عز وجل عندك أن يهب كذاباً كل هذه المواهب ولا يهتكه من قريب بل ينصره على أعدائه وينصر أتباعه على أكبر مملكتين في المنطقة ويخلد أسماء أصحابه وزوجاته خلوداً لم يحصل لأصحاب المسيح ويحفظ كلامه حفظاً لم يحفظ به كلام المسيح ويحصل على يده من نشر فضائل الأنبياء وأخلاقهم وسيرتهم في الأمم الوثنية ما لم يحصل لأي نبي من أنبياء بني إسرائيل ولا غيرهم ويحصل على يده من تغيير البشر وقيام الدول على شريعته ما عجز عنه كل الفلاسفة والملوك في التاريخ القديم بل والحديث

ويذكر الله قائماً وقاعداً على جنبه ويفتح الله على لسانه من المحامد والثناء عليه الشيء العظيم حتى أنك لو قارنت بين الأدعية والأذكار النبوية وبين زبور داود وأدعية الأنبياء في الكتاب المقدس لظهر فضل الأدعية النبوية جلياً عليها