قاعدة في الإخلاص : كلما كان العمل أخفى كان للقبول أقرب

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


قال أبو نعيم في الحلية (8/ 339) : حَدَّثَنَا
أَبُو الْمُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَدِّلُ ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ السَّمَّاكِ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ
, يَقُولُ:

 الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ وَالْجِهَادِ , ثُمَّ قَالَ: ذَاكَ يَرْكَبُ وَيَرْجِعُ وَيَرَاهُ النَّاسُ
وَهَذَا يُعْطِي سِرًّا لَا يَرَاهُ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ .

بشر بن الحارث هو الحافي ، ولعله يقصد التطوع وإلا فالفريضة أفضل النافلة

وانظر إلى هذا العابد كيف اعتبر أمر الخفاء لما فيه من القرب للإخلاص

وقال أبو نعيم في الحلية (3/6) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كُرْدُوسٍ، قَالَ: ثَنَا مَخْلَدٌ، عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَيُّوبَ، يَقُولُ:

وَاللهِ مَا صَدَقَ عَبْدٌ إِلَّا سَرَّهُ أَنْ لَا يُشْعَرَ بِمَكَانِهِ.

ولهذا كانت دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب أقبل

ولهذا كانت صلاة النافلة في البيت حيث لا يراه الناس أفضل من صلاتها في
المسجد

وكان الأصل في صدقة السر أنها أفضل من صدقة العلانية

قال أبو داود في الزهد 112 : نا محمد بن كثير ، قال : أنا شعبة ، عن إسماعيل
بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن الزبير قال :

من استطاع أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل .

فتأمل قوله ( من استطاع ) لعسورة هذا الأمر

فإن قلت : فهناك أعمال تحمد علانيتها كنشر العلم والصلاة في جماعة والحج
وإظهار التلبية فيه وغيرها من الأعمال

فيقال : الله عز وجل يحب الإخلاص له سبحانه ، ويحب ظهور دينه فشرع شرائع
فيها إظهار الدين وإظهار العبودية كالأذان والصلاة في جماعة والحج ، وفي ذلك من الحكم
التقوي على الطاعة عند وجود المعين ، واقتداء الناس بأهل العلم ، وإظهار شعائر الدين

فالمطلوب أن دعوة الناس إلى المشاركة في العبودية لله وحده لا أن يشرك
بهم

وقد ذكر ابن القيم في المدارج أن رياء العلماء خير من إخلاص الجهال

والمراد برياء العلماء أن العالم يعمل ليقتدي به الناس على الخير ونيته
لله

وهذه النية من الأعمال الخفية

واعلم رحمك الله أن الأعمال القلبية لا يدخلها الرياء ، وهذه لا ينبغي
إغفالها كالرغبة والرهبة ومحبة الخير للمسلمين والعفو عمن أساء عليك

قال شيخ الإسلام في الوصية الصغرى ص4 :” وجماع الخلق الحسن مع الناس
أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له،
وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض. وبعض
هذا واجب وبعضه مستحب”

وهكذا على المرء أن يراجع نيته في كل فعل يفعله ، ولو أن المفتونين بالرياسة
الذين اتخذوا العلم سلما لنيل مآربهم جلسوا مع أنفسهم قليلاً وسألوا أنفسهم ( هذا الذي
نصنعه هل هو لله ؟)

وقد فتنوا جبلاً كثيراً بذلك الاقتتال غير النزيه على الرياسة ، مع جهل
عريض بطريقة السلف في كل باب ومن أهم ذلك طريقة السلف في أعمال القلوب ، ومنهجهم في
تلقي العلم والله المستعان

والخلاصة أن السبب في كونه للقبول أقرب ، أنه عن شائبة الرياء أبعد

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم