فقد سألني بعض الأخوة أن أكتب قاعدة جامعة في إثبات عدالة الصحابة وأنه أمر قطعي وأن الاعتراضات عليه أضعف كثيراً من أدلته
وقبل الشروع بسرد أدلة العدالة لا بد من توضيح أن العدالة مراتب
الأولى : عدالة الرواية
الثانية وهي أعلى من الأولى : عدالة الشهادة
الثالثة وهي أعلاها مطلقاً : العدالة الباطنة التي تقضي بدخول الجنة لمن مات عليها دون المرور على النار
فأما الأولى فهي مقصود عامة من يشوش على عدالة الصحابة ونحن لا نحتاج إلى إثباتها في جميع الصحابة بل نحتاج أن نثبتها في الرواة منهم فحسب وهؤلاء عددهم ليس كبيراً وذلك أن الرواية ما كان يعانيها إلا خواص الصحابة
قال ابن كثير في السيرة النبوية ص400 :” وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفا.
وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء ستين ألفا.
وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي.
قلت: والذين روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفساً “
وعليه فإن الرواة في الصحابة قليلون جداً إذا ما قورنوا بالذين ليس لهم رواية فإن الصحابة يربون على المائة الألف والرواة منهم في مسند الإمام أحمد على سعة اطلاعه لم يبلغوا الألف
ولابن حزم كتابٌ في أسماء الرواة من الصحابة وما لكل واحد فيهم من الرواية اعتمد فيه على مسند بقي بن مخلد أحصى فيه 999 صحابياً
وعدالة الرواية عند جميع الفرق أهون من عدالة الشهادة والعدالة الباطنة فعامة الفرق بما فيهم الرافضة يقبلون رواية المبتدعة عندهم كالفطحية مثلاً وإن كانوا لا يشهدون لهم بالعدالة الباطنة
وكثير من أهل الحديث يقبل رواية أهل البدع وإن كان لا يشهد لهم بالعدالة الباطنة بل عدالة الرواية هي عدالة تتعلق بكون الراوي لا يستحل الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أو يتجرأ عليه لسبب متعلق بديانته أو حتى خوفاً من الفضيحة ومن الناس ومن المعلوم أنه في زمن توافر المهاجرين والأنصار الأمر عسير غاية والذين قاتوا الدنيا ذباً عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا ليتركوا الكذب يفشو عليه بسهولة
وسيأتي بسط الأدلة في هذا ودفع الاعتراضات
وأما النوع الثاني من العدالة فهو عدالة الشهادة وهي أخص من عدالة الرواية فكثير ممن تقبل روايته لا تقبل شهادته فالرواية يكتفى فيها بواحد بخلاف الشهادة والسر في ذلك أن الشهادة شأن خاص غير ظاهر للعامة فطلب فيه الاحتياط بخلاف الرواية المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا شأن عام لو وجد ما يعارض لظهر ، ثم إن في الشهادة الشاهد شهادته معارضة ليمين المدعى عليه مع شهادته بالحق لنفسه فلزم مرجح وأما المدعي فلم يحسب هنا لأنه أصلاً صاحب حق فهو متهم بشهادته لنفسه
وأما في الرواية فالراوي لا يحتاج إلى مرجح حتى يكون هناك من يعارضه معارضة قطعية
وأما النوع الثالث من العدالة فهو العدالة الباطنة التي إذا ثبتت لشخص ومات عليها دخل الجنة ابتداءً دون المرور على النار والنوعان الأولان يسميان عدالة ظاهرة وأما هذا الأخير يسمى عدالة باطنة الأولان ينقضهما دون الشخص شهد عليه بالكذب الظاهر أو الفسق الظاهر وأما الأخير فينقضه حتى الإصرار في الباطن على الصغائر مما لا يطلع عليه إلا الله أو وقيعة في كبيرة في السر
فإذا ثبت هذا النوع الثالث للصحابة لزم ثبوت النوعين الأولين قولاً واحداً
واعلم أن العدالة الباطنة لا تنافي وقوع الذنوب التي فيها الوعيد بالنار إلا إذا لم تقع كفارة من قيام حد أو عقوبة دنيوية أو حتى عذاب قبر
قال مسلم في صحيحه 4481- [41-1709] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَابْنُ نُمَيْرٍ ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ ، فَقَالَ : تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
فإذا كانت الحدود كفارات علمنا أن ماعزاً والغامدية قد غفر لهما بما أقيم عليهما
وأيضاً مصائب الدنيا كفارات كما ورد في الأخبار وقد رأت عائشة أن ما أصاب حسان من العمى كان كفارة له عما وقع منه في الإفك
وقد علم أن الحسنات العظيمة تكفر الذنوب فالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومغفرته تكون مبنية على أسباب من أهمها الحسنات العظيمة وقد علم صنيع المرأة البغي التي سقت كلباً ومغفرة الله لها
والصحابة لهم حسنات عظيمة من أهمها حق الصحبة ومنتهم على الأمة بجهادهم
بعدما فهمت هذه المقدمة لننظر في أدلة ثبوت عدالة الصحابة
ولثبوت عدالتهم من أدلة القرآن عدة طرق بعضها يشملهم جميعاً وبعض يشمل عدداً كبيراً منهم
الطريق الأول الوعد بالحسنى : قال الله تعالى : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورًا رَحِيمًا)
قال الله تعالى : (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
في الآية الأولى وعد مجاهدهم وقاعدهم بالحسنى وهي الجنة ولو أريد الغنيمة ما دخل فيها القاعد
وفي الآية الثانية وعد من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق بعده وقاتل بالحسنى ولو كان المراد الغنيمة لما دخل الذين استشهدوا في هذا الوعد وقد قال تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .
ولو كان المراد دخولهم للجنة ولو بعد عذاب أخروي لم يكن لهم أي مزية على غيرهم من أهل الإيمان
وهذا البرهان يثبت لهم النوع الثالث من العدالة مما يجعل عدالة الرواية تحصيل حاصل
الطريق الثاني : الثناء على المهاجرين والأنصار وجهادهم وبيان تخلف المنافقين عن كثير من الغزوات
وهذا أدلته كثيرة قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )
وما كان الله ليثني على متبعيهم إلا إذا كان اتباعهم يؤدي للجنة وما كان اتباعهم سيؤدي للجنة وهم من أهل النار
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)
وما كان الله ليأمر بالاستغفار لهم إلا وهو سيستجيب للمستغفرين وهذا من أهم كفارات ذنوب الصحابة إن وجدت
وقد ذكر الله من شأن المنافقين تثبيطهم عن الجهاد وقولهم بعدما رأوا الغنيمة ( ذرونا نتبعكم ) فعلم أن الصحابة الذين شهدوا المشاهد كلها بريئون من النفاق
قال تعالى : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
وقال تعالى : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ )
الطريق الثالث : حروب الردة
وقال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
فهذا حال الصحابة الكرام أهل الرواية فكلهم قاتل أهل الردة ( حين انكشف أهل النفاق ) وجاهد في سبيل الله الروم والفرس
والردة حصلت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقف لها الصحابة الذين يبغضهم الرافضة مهاجرين وأنصار وطلقاء وغيرهم
فدلت هذه الحروب على عدالتهم وأن هم الذين يحبهم الله ويحبونه وهذا إثبات للعدالة الباطنة
الطريق الرابع : حديث نضر الله امرأ
حديث ( نضر الله امرأ سمع مقالتي هذه فوعاها فأداها ) وهذا حديث متواتر فإذن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بالتحديث عنه تدليل على صحة ما رووه عنه إذ لم يأذن لهم إلا والحجة قائمة برواتهم والإذن كان لهم خاصة وقال : ليبلغ الشاهد منكم الغائب
ولكن هذا النوع من الأدلة يشمل أهل الرواية فحسب
الطريق الخامس : أدلة حفظ السنة
وقد قال الله تبارك وتعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وقال : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )
فهل يعقل أن يحفظ الكتاب ولا يحفظ بيانه وكان من يحدث بالحديث إنما يحدث به بين المهاجرين والأنصار وهم يسمعونه فلو حدث بباطل ما تركوه وهم الذين حاربوا الدنيا كلها في سبيل تثبيت أركان الدين
فإن قيل : يعترض على هذا الدليل بأنه يقتضي تعديل كل من روى الحديث مطلقاً من الصحابة وغيرهم
فيقال : الصحابة حتى مع ما وقع بينهم من القتال لم يصح أن أحداً منهم كذب الآخر بخلاف الطبقات الأخرى التي وجد فيها عدول جرحوا المجروحين منها ولو وقع من الصحابة هذا لنقل لنا كما نقل قتالهم وإنما وقع بينهم خلاف في بعض فرعيات المرويات رجع إلى وهم أحدهم كما حصل مع ابن عباس في زواج ميمونة مع إقرار المعترض عليه بعدالته وإنما وقع الوهم فحسب وهذا يدل على الحفظ والتحري وأنه لم يكن يحدث أحد منهم بحديث إلا والبقية يرمقونه ويراجعونه فيما يقول فإذا أقروه دل ذلك على صوابه فيما روى
ومن براهين ثبوت عدالة الرواية للصحابة أنهم مع قتالهم وخلافهم لم يكذب أحد منهم الآخر في الرواية
الطريق السادس : قوله تعالى في أهل بدر : ( ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب أليم )
فدل على أن أهل بدر سبق الكتاب لهم بالسلامة من العذاب وقد وقع في الجمع قتال بين طرف فيه علي وطرف آخر فيه طلحة والزبير وكلهم بدريون وكان عمار يشهد لعائشة بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فدل على أن القتال لم يزل عنهم العدالة الباطنة
كما لم تزل الأخوة بين الفئة الباغية والمبغي عليها كما قال تعالى : ( فأصلحوا بين أخويكم ) وقال في القاتل العمد : ( فمن عفي له من أخيه )
وقال في أهل الجنة : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ) فدل على أنه يقع بين المستحقين للجنة نوع من الغل في الدنيا بسبب تحريش أهل الباطل أو غلط يقع بتأويل من بعضهم ولا يمنع ذلك من العدالة الباطنة الموجبة للجنة
وهذا ما فهمه علي بن أبي طالب نفسه
قال ابن أبي شيبة في المصنف 39035: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ : سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَتْلَى يَوْمِ صِفِّينَ ، فَقَالَ : قَتْلاَنَا وَقَتْلاَهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَيَصِيرُ الأَمْرُ إلَيَّ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ.
نص الذهبي على إدراك يزيد لعلي ، ولكن قال روايته عن علي وردت من وجهٍ ضعيف ، ولعله يعني المرفوع ، فإن السند هنا قوي إلى يزيد
وقال أحمد في فضائل الصحابة 1689 : قثنا أبو معاوية قثنا رجل ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال :
لا تسبوا أصحاب محمد ، فإن الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم ، وهو يعلم أنهم سيقتتلون ، ويحدثون .
وهذا الأثر وإن كان في سنده إبهام إلا أنه معناه صحيح
علماً أن شبهة وقوع القتال إنما تشمل جزءاً يسيراً من الصحابة وهي لا تسقط عدالة الرواية عند الجميع فالقتال لا يختلف عن البدعة الواقعة بالتأويل
قال الخلال في السنة 728 – قُرِئَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ، فَمَا حَضَرَ فِيهَا مِائَةٌ، بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ»
وإنما البحث في إسقاطها للعدالة الباطنة وقد استبان لك بطلان هذا
بعدما استبان لك ثبوت عدالة الصحابة الباطنة ببراهين قطعية فاستثناء واحد منهم من هذه البراهين لا بد أن يأتي بدليل يوازي هذه الأدلة في القطعية ثبوتاً ودلالة
والواقع أن الخصوم متناقضين فإن عامة ما يوردونه روايات لا ترتقي إلى قوة هذه الأدلة من جهة القطعية هذا مع تشككهم المستمر بأخبار الآحاد وفضائل الصحابة المتواترة
ولنأخذ عدة أمثلة أهمها مثال أبي بكرة وكركرة وأبي الغادية
إشكال وجوابه في قضية المغيرة مع أبي بكرة
الاعتراض يتلخص في أن أبا بكرة قذف المغيرة ولم يرجع فكيف تقبل روايته وشهادته مردودة
وشهادته ردت بحكم قرآني : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا)
والجواب على هذا :
أن إجماع الناس انعقد على قبول رواية أبي بكرة ولم يزل يحدث والناس يسمعون منه الحديث ولا أنكر ذلك عمر ولا عثمان ولا علي ولا بقية الصحابة
قال ابن مفلح في أصول الفقه : واتفق (6) الناس على الرواية عن أبي بكرة.
قال ابن حزم في المحلى (9/431، 433) “ما سمعنا أن مسلماً فسَّق أبا بكرة ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين”.
فهل خالف كل العلماء القرآن وهذا مستحيل فالأمة لا تجتمع على ضلالة أم أنه تم استثناؤه لحجة شرعية قائمة أم هناك فرقاً بين المذكور في الآية والرواية أم أن مجرد الإجماع يخصص عموم القرآن
الواقع أن أبا بكر رضي الله عنه كان متأولاً بدليل شهادة اثنين معه بنفس الأمر وحتى الرابع شهد بوجود رجل وامرأة في وضع مريب
وفي القرآن ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وهذا النص مخصص لكل نصوص الوعيد
فإن قيل : ما دام الأمر كذلك فلماذا أقام عمر عليهم حد القذف ولماذا لم يقبل شهادة أبي بكرة
فيقال : أما إقامة الحد فلكي لا يتسامح الناس في هذا ويدخلوا فيه بالتأول والظن الغالب بل لا بد من اليقين القاطع وعدم قبول الشهادة من هذا الجنس أنه تعزير
قال المهلب: وكان المسلمونَ احتجُّوا في هذا على أبي بكرة؛ ألا ترى أنهم يروون عنه الأحاديث ويَحملون عنه السُّنَّة، وهو لم يُكذب نفسه وقد قال له عُمر: ارجع عن قذفك المغيرة ونقبل شهادتك.
وإنما قال له ذلك عمر -والله أعلم- استظهارًا له كمال التوبة والرجوع عما قال في القذف، وإن كان يجتزأ بصلاح حاله عن تكذيب نفسه في قبول شهادته
وقد يقام الحد على شخص في الدنيا وهو عدل وغير محاسب عند الله في الآخرة كالمرأة الزانية التي قال فيها النبي لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم
طيب : فإن قيل بماذا يبرأ المغيرة إذن ؟
قال ابن حزم في الإحكام :” أما أبو بكرة فيحتمل أن يكون شبه عليه وقد قال ذلك المغيرة فلا يأثم هو ولا المغيرة وبهذا نقول وكل ما احتمل ولم يكن ظاهره يقينا فغير منقول عن متيقن حاله بالأمس فهما على ما ثبت من عدالتهما ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال الذي أباه خصومنا وهم راجعون إليه في هذا المكان بالصغر منهم فما منهم أحد امتنع من الرواية عن المغيرة وأبي بكرة معا وأبي بكرة وهو متأول “
وقال ابن الهمام في فتح القدير :” وَفِي التَّحْقِيقِ هُوَ حَالَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالزَّانِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ عِنْدَنَا فَلِهَذَا سَأَلَهُمْ أَيْنَ زَنَى، وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ فِي زَمَانٍ مُتَقَادِمٍ وَلَا حَدَّ فِيهِ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ فِي زَمَنِ صِبَاهُ فَلِهَذَا سَأَلَهُمْ مَتَى زَنَى، وَحَدُّ التَّقَادُمِ سَيَأْتِي، ثُمَّ يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْمُزْنَى بِهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِزِنَاهَا وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَجَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ كَانَتْ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَا يَعْلَمُهَا الشُّهُودُ كَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ حِينَ شُهِدَ عَلَيْهِ كَيْفَ حَلَّ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي بَيْتِي وَكَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمْ كُوَّةٌ يَبْدُو مِنْهَا لِلنَّاظِرِ مَا فِي بَيْتِ الْمُغِيرَةِ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَشَهِدُوا، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: وَاَللَّهِ مَا أَتَيْت إلَّا امْرَأَتِي، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى دَرَأَهُ عَنْهُ بِعَدَمِ قَوْلِ زِيَادٍ وَهُوَ الرَّابِعُ رَأَيْته كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَحَدَّ عُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَحُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَسَبَ إلَيْهِ الزِّنَا، بَلْ قَالَ رَأَيْت قَدَمَيْنِ مَخْضُوبَتَيْنِ وَأَنْفَاسًا عَالِيَةً وَلَحَافًا يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ”
قال الشنقيطي في مذكرته في أصول الفقه :” يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة رضي الله عنه مخالطاً لها عندما فتحت الريح الباب عنهما هي زوجته ولا يعرفونها وهي تشبه امرأة أخرى أجنبية كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء فظنوا أنها هي فهم لم يقصدوا باطلاً ولكن ظنهم أخطأ وهو لم يقترف ان شاء الله فاحشة لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال والعلم عند الله تعالى.”
ومشهور في ترجمة المغيرة أنه كان كثير الزواج
ويوضح هذا أكثر ما روي أن علياً كان يرى درء الحد عن أبي بكرة أصلاً قال ابن حزم :” إذ قال أبو بكرة لما تم جلده وقام أشهد أن المغيرة زنى فأراد عمر جلده فقال له علي إن جلدته فارجم المغيرة فتركه”
وأقره عمر بعد تكراره للكلمة مما يدل على أنه رآه متأولاً ولكن هذه الرواية نحتاج إلى التأكد من إسنادها
وبعد هذا نفهم الفرق بين الشهادة والرواية
الشهادة حال خاص يتعلق بحقوق البشر وقد يخطيء فيه المرء فيخلط بين أجنبية وزوجة ويخلط بين دينار ودرهم لهذا لا يقبل فيه إلا شهادة الاثنين
وأما الرواية فيقبل فيها رواية الواحد لأنها شأن عام فسكوت البقية عن التخطئة إقرار كما أن متابعتهم له تقويه
والصحابة الكرام دلت النصوص المتواترة على قبول روايتهم مما يخصص أي خبر آخر
كقوله النبي صلى الله عليه وسلم ( نضر الله امرأ سمع مقالتي هذه فوعاها فأداها ) وهذا حديث متواتر وما حثهم على الأداء إلا لكون خبرهم حجة
وقال فيهم ( وكلا وعد الله الحسنى )
وهي الجنة وكما أن الحدود كفارات فلو لم يكن قول النبي صلى الله عليه وسلم وقبله وعد الله كافياً في استثناء أبي بكرة مع ما ذكرناه فماذا يكون ؟
وبقي وجه جدلي أن هذا خبر آحادي مداره على الزهري فكيف يقبل الخصم على أصوله أن يدرأ عدالة ثبتت بالتواتر والقطع بخبر آحادي زيادة على أن البحث كله في عدالة الشهادة وهذا لا يقتضي وبطلانها لا يقتضي بطلان عدالة الرواية أو العدالة الباطنة خصوصاً مع ما ورد أن الحد كفارة
وأما قصة كركرة
قال البخاري 3074 – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا.
أقول : هذا الرجل إن ثبتت ودخوله في النصوص السابقة يكون قد خصص من العموم أو يكون لم يثبت فيه الفضل الوارد في الآخرين أو يتأول ذكر النار هنا على نار القبر كما ورد في الآخر صاحب الشملة أنها تشتعل عليه ناراً وهذا يمكن حمله على نار القبر كما ورد الحديث في الزناة أن لهم تنوراً في القبر وعذاب القبر كفارة
وعلى أصل الخصم لا يقبل هذا الخبر لأنه آحادي أصلاً
ومن باب الإطناب في الجدل الصفات السابقة التي أثبتت عدالة الصحابة الباطنة عدد منها لا يشمل هذا الغلام الذي أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يشمله اسم المهاجرية ولا الأنصارية ولا البدرية ولا قتال أهل الردة ولا الرواية ولا الطرق الأخرى التي لم أذكرها كالمبايعة تحت الشجرة وغيرها
وقد يجتمع في الرجل موجب عذاب وموجب مغفرة فيغلب موجب المغفرة
قال مسلم 226- [184-116] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ ؟ قَالَ : حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ ، فَمَرِضَ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ.
فهذا قتل نفسه وهذا موجب للعذاب ولكن لما هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كانت هذه الهجرة مع أنها لم تتم موجبة للمغفرة والهجرة والجهاد وغيرها مع النبي صلى الله عليه وسلم موجبة لثواب عظيم
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد في شأن عبد الرحمن بن عوف : لو أن أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
وهذا المعنى واقع في حق كل من جاء بعد الصحابة
وأما شبهة أبي الغادية فهي أهونها
قال الطبراني في الأوسط 9252 – حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، وَأَبِي حَفْصٍ، عَنْ أَبِي الْغَادِيَةِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ ذَكَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَقُلْتُ: لَئِنِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْ هَذَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ وَعَلَيْهِ السِّلَاحُ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْقَوْمِ، ثُمَّ يَخْرُجَ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا رُكْبَتُهُ قَدْ حُسِرَ عَنْهَا الدِّرْعُ وَالسَّاقُ، فَسَدَّدْتُ نَحْوَهُ الرُّمْحَ، فَطَعَنْتُ رُكْبَتَهُ، ثُمَّ قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ»
هذا الخبر انفرد به حماد بن سلمة وعادة القوم التشغيب على حماد فيما يرويه من أحاديث الصفات وهنا اعتمدوه سبحان الله
والواقع أن رواية حماد عن غير ثابت ربما دخلها الوهم
قال الإمام مسلم في التمييز : وحماد يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت ، كحديثه عن قتادة ، وأيوب ، ويونس ، وداود بن أبي هند ، والجريري ، ويحيى بن سعيد ، وعمرو بن دينار ، وأشباههم ، فإنه يخطىء في حديثهم كثيرا .
وقد روي هذا الحديث بدون زيادة قاتل عمار وسالبه في النار
قال عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (16698) 16818- حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الْعَنَزِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ ، قَالَ : كُنَّا بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو الْغَادِيَةِ ، اسْتَسْقَى مَاءً ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مُفَضَّضٍ ، فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ ، وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا أَوْ ضُلاَّلاً – شَكَّ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ – يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَإِذَا رَجُلٌ يَسُبُّ فُلاَنًا ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ فِي كَتِيبَةٍ . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ إِذَا أَنَا بِهِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَالَ : فَفَطِنْتُ إِلَى الْفُرْجَةِ فِي جُرُبَّانِ الدِّرْعِ . فَطَعَنْتُهُ ، فَقَتَلْتُهُ ، فَإِذَا هُوَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، قَالَ : قُلْتُ : وَأَيَّ يَدٍ كَفَتَاهُ يَكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ ، وَقَدْ قَتَلَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ.
فدل على شذوذ تلك الزيادة خصوصاً وأن حماداً لما كبر ساء حفظه على علمه وإمامته في الدين
والحديث لو صح فهو دليل على صدق الرواة من الصحابة فكيف يحدث عمرو بن العاص بهذا الفضل لعمار وعمار كان يقاتله لو يكن الصدق على النبي صلى الله عليه وسلم عندهم فوق المصلحة
وأخيراً أقول : هذه الأوجه التي ذكرناها في إثبات قطعية عدالة الصحابة لا يثبت عشرها لأصحاب جعفر الصادق مثلاً ولا تثبت العصمة لأئمتهم إلا من طريق إثبات عدالة الصحابة وتصديق مروياتهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم