قاعدة في أن إنكار الشرك والبدع يكون قبل إنكار المعاصي

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كما
في الدرر السنية (1/120) :” الواجب عليك: أن تعرف خمس مسائل:

الأولى: أن الله لما أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق:
أن أول كلمة أرسله الله بها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ، [المدثر الآيات: 1-3] .

ومعنى قوله: {فَأَنْذِرْ} الإنذار عن الشرك بالله، وكانوا يجعلونه دينا،
يتقربون به إلى الله تعالى، مع أنهم يفعلون من الظلم، والفواحش، ما لا يحصى، ويعلمون
أنه معصية.

فمن فهم فهما جيدا أن الله أمره بالإنذار عن دينهم الذي يتقربون به إلى
الله، قبل الإنذار عن الزنى، أو نكاح الأمهات والأخوات، وعرف الشرك الذي يفعلونه، رأى العجب العجاب، خصوصا إن عرف أن شركهم دون
شرك كثير من الناس اليوم، لقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ
مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو
إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ
بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} ، [الزّمر: 8] .

الثانية: أنه لما أنذرهم عن الشرك، أمرهم بالتوحيد، الذي هو: إخلاص الدين
لله، وهو معنى قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر آية: 3] يعني: عظمه
بالإخلاص، وليس المراد تكبير الأذان وغيره، فإنه لم يشرع إلا في المدينة، فإذا عرف
الإنسان أن ترك الشرك لا ينفع إلا إذا لبس ثوب الإخلاص،

وفهم الإخلاص فهما جيدا، وعرف ما عليه كثير من الناس من ظنهم أن الإخلاص
وترك دعوة الصالحين نقص لهم، كما قال النصارى: إن محمدا يشتم عيسى، لما ذكر أنه عبد
الله ورسوله، ليس يعبد مع الله تعالى.

فمن فهم هذا عرف غربة الإسلام، خصوصا إن أحضر بقلبه، ما فعل الذين يدعون
أنهم من العلماء، من معاداة أهل هذه المسألة، وتكفيرهم من دان بها، وجاهدهم، مع عباد
قبة أبي طالب، وأمثالها، وقبة الكواز، وأمثالها، وفتواهم لهم بحل دمائنا، وأموالنا،
لتركنا ما هم عليه، ويقولون: إنهم ينكرون دينكم. فلا تعرف هذه، والتي قبلها، إلا بإحضارك
في ذهنك، ما علمت أنهم فعلوا مع أهل هذه المسألة، وما فعلوا مع المشركين، فحينئذ تعرف
أن دين الإسلام، ليس بمجرد المعرفة، فإن إبليس وفرعون، يعرفونه، وكذلك اليهود يعرفونه
كما يعرفون أبناءهم؛ وإنما الإسلام هو: العمل بذلك والحب والبغض، وترك موالاة الآباء
والأبناء في هذا.

الثالثة: أن تحضر بقلبك: أن الله سبحانه لم يرسل الرسول، إلا ليصدق ويتبع،
ولم يرسله ليكذب ويعصى. فإذا تأملت إقرار من يدعي أنه من العلماء بالتوحيد، وأنه دين
الله ورسوله، لكن من دخل فيه فهو من الخوارج الذين تحل دماؤهم، ومن أبغضه وسبه وصد
الناس عنه، فهو الذي على الحق، وكذلك إقرارهم بالشرك، وقولهم ليس عندنا قبة نعبدها،
بل جهادهم: الجهاد المعروف، مع أهل القباب، وأن من فارقهم، حل ماله ودمه.

فإذا عرف الإنسان هذه المسألة الثالثة كما ينبغي، وعرف أنه اجتمع في قلبه
ولو يوما واحدا، أن قلبه قبل كلامهم أن التوحيد دين الله ورسوله، ولكن لا بد من بغضه
وعداوته، وأن ما عليه أهل القباب هو الشرك، ولكنهم هم السواد الأعظم، وهم على الحق،
ولا يقول: إنهم يفعلون، فاجتماع هذه الأضداد في القلب، مع أنها أبلغ من الجنون، فهي
من أعظم قدرة الله تعالى، وهي من أعظم ما يعرفك بالله، وبنفسك، فمن عرف نفسه، وعرف
ربه، تم أمره، فكيف إذا علمت أن هذين الضدين اجتمعا في قلب صالح وحيوان وأمثالهما أكثر
من عشرين سنة؟.

الرابعة: أنك تعلم أن الله أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ
أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، [الزمر:65] . مع أنهم راودوه، على قول
كلمة، أو فعل مرة واحدة، ووعدوه أن ذلك يقودهم إلى الإسلام، فقد ترى؛ بل إذا عرفت:
أن أعظم أهل الإخلاص وأكثرهم حسنات، لو يقول كلمة الشرك، مع كراهيته لها، ليقود غيره
بها إلى الإسلام، حبط عمله، وصار من الخاسرين.

فكيف بمن أظهر أنه منهم، وتكلم بمائة كلمة، لأجل تجارة، أو لأجل أنه يحج،
لما منع الموحدون من الحج، كما منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى فتح الله
مكة. فمن فهم هذا فهما جيدا، انفتح له معرفة قدر التوحيد عند الله عز وجل وقدر الشرك.
ولكن إن عرفت هذه بعد أربع سنين فنعما لك، أعني المعرفة التامة، كما تعرف أن القطرة
من البول تنقض الوضوء الكامل، إذا خرجت، ولو بغير اختياره.

الخامسة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض الإيمان بما جاء به كله، لا
تفريق فيه؛ فمن آمن ببعض، وكفر ببعض، فهو كافر حقا، بل لابد من الإيمان بالكتاب كله.
فإذا عرفت أن من الناس من يصلي ويصوم، ويترك كثيرا من المحرمات، لكن لا يورثون المرأة،
ويزعمون أن ذلك هو الذي ينبغي اتباعه، بل لو يورثها أحد عندهم، ويخلف عادتهم، أنكرت
قلوبهم ذلك، أو ينكر عدة المرأة في بيت زوجها، مع علمه بقول الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ
مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}
، [الطلاق، من الآية: 1] ، ويزعم أن تركها في بيت زوجها لا يصلح، وأن إخراجها عنه،
هو الذي ينبغي فعله، وأنكر التحية بالسلام، مع معرفة أن الله شرعه، حبا لتحية الجاهلية
لما ألفها، فهذا يكفر، لأنه آمن ببعض وكفر ببعض، بخلاف من عمل المعصية، أو ترك الفرض،
مثل فعل الزنى، وترك بر الوالدين، مع اعترافه أنه مخطئ، وأن أمر الله هو الصواب”

أقول : تأمل ما لونته بالأحمر لتعرف بعد الكثير ممن يسمون أنفسهم بالدعاة
اليوم عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة

مع شدة حاجة إلى هذا اليوم ، ومع فشو الشرك والبدع فشواً عظيماً حتى أنك
لتجد الأمرين مقترنين في الأكثر من الناس لا يكتفي أحد بالبدعة فقط أو بالشرك فقط

وقال الإمام المجدد كما في الدرر السنية (10/120) :” ولكن اعلم: أن
المسائل والعلوم المهجورة، ما يفهمها الإنسان إلا بعد المراجعة، وكثرة المذاكرة، ولو
كانت واضحة.

وهذه المسائل: من العلوم المهجورة، كما ذكرت، فعل الطلبَة في باب حكم المرتد،
مع أن معرفة الله ومعرفة حقه، أجلّ العلوم وأشرفها، فلا تستح من المراجعة وكثرة السؤال،
ما بقي في نفسك شيء من الإشكال”

فعلى من نصبوا أنفسهم للدعوة أن يعملوا بوصية الإمام المجدد ويكثروا من
مراجعة ومدارسة مسائل العقيدة لترسخ عند الناس وتفهم

قال شيخ الإسلام درء التعارض (3/330) :” وكلما كانت حاجة الناس إلى
معرفة الشيء وذكره أشد وأكثر كانت معرفتهم به وذكرهم له أعظم وأكثر وكانت طرق معرفته
أكثر وأظهر وكانت الأسماء المعرفة له أكثر وكانت على معانيه أدل “

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم