في رحاب دقة أهل الحديث: تضعيف إمام الحرم المدني!
قال ابن عدي في الكامل في الضعفاء: “978- عبد الله بن عامر أبو عامر الأسلمي مديني كان يصلي في رمضان في مسجد الرسول من حفاظ القرآن.
حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن يعقوب سمعت أحمد بن حنبل يقول عبد الله بن عامر الأسلمي ضعيف.
حدثنا ابن أبي بكر، وابن حماد، قالا: حدثنا عباس، قال: سمعت يحيى يقول: عبد الله بن عامر الأسلمي ليس بشيء زاد بن أبي بكر في موضع آخر ضعيف.
حدثنا ابن حماد، حدثنا معاوية، عن يحيى، قال: عبد الله بن عامر الأسلمي مديني ليس حديثه بذاك.
وفي موضع آخر ليس بشيء.
حدثنا الجنيدي، حدثنا البخاري كنية عبد الله بن عامر أبو عامر الأسلمي المدني كناه عيسى بن يونس يتكلمون في حفظه”.
أقول: هذا رجل حافظ للقرآن ومشهور بالعدالة حتى أنه كان يصلي بالناس في رمضان في المسجد النبوي.
ومع كل هذا دقَّق المحدثون في أمر حفظه لمّا روى الحديث وضعفوه.
ويزيد تعجبك إذا نظرت في متون الأحاديث القليلة التي رواها وقد سردها ابن عدي.
الحديث الأول: من أهدى تطوعا ثم ضلت فإن شاء أبدلها وإن شاء ترك وإن كانت في نذر فليبدل.
الحديث الثاني: إن من الشعر حكمة.
الحديث الثالث: الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة.
الحديث الرابع: نهى عن بيع حبل الحبلة.
الحديث الخامس: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مراء.
الحديث السادس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدي هذا.
أقول: عامة هذه المتون محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض أصحابه أو الفقهاء، أيْ ليس في متنها نكارة، ولكن لمّا رواها هذا الأسلمي بأسانيد غير الأسانيد المعروفة ضعَّفوه.
فإذا كان رجل صالح بلغ من صلاحه أنه يؤمُّ الناسَ في المسجد النبوي ولا يعرف بالكذب يضعِّفونه مع أنه لم يرو متنًا قبيحًا بل لمجرد أنه أخطأ في أسانيد الأخبار..
فما عساهم يقولون في الكذابين المكشوفين أو الفسقة أو الذين يروون متونًا تخالف الأحاديث الصحيحة فضلًا.
فمَن فَقِه هذا من حالهم علِم أنهم يقينًا لن يصححوا خبرًا يخالف قطعي العقل أو قطعي القرآن.
وقد استدل بهذا ابن تيمية على من يزعمون أن هناك أحاديث صححها المحدثون تخالف المعقول، فقال ما مفاده أن المحدثين لا يصححون ما خالف العمل ولا ما خالف الأخبار الصحيحة، وذلك أخفى من المعقول الصريح، وإنما يصححون ما يخالف العقل اليوناني الذي هو فاسد أصالةً، فالواجب الطعن فيه لمخالفته السنة لا العكس.
وأيضًا تجد اليوم من يستنكر أخبارًا لأنها تخالف الهوى النسوي أو الليبرالي الذي هو فاسد أصالةً ثم يسمي هذا الهوى (العقل)!